بينما يبدو سوق العمل الأميركي ظاهرياً صامداً، فإن الحقيقة مختلفة تماماً لمن تخرجوا حديثاً من الجامعات، فهؤلاء الشباب -ومعهم أحلامهم الجامعية- يصطدمون بواقع مرير، ووظائف أقل، وردود أبطأ، وقلق يتضخم مع كل يوم بلا فرصة عمل، إنه أسوأ سوق عمل للخرّيجين منذ جائحة كورونا، رغم استمرار الاقتصاد في إضافة وظائف جديدة. يشهد الاقتصاد الأميركي أطول موجة توظيف متصلة منذ عقود، إذ استمر في إضافة وظائف للشهر الـ52 على التوالي، مع معدل بطالة وطني مستقر عند 4.2 في المئة، ومع ذلك فإن الخريجين الجدد، وهم الفئة بين 22 و27 عاماً، يعيشون تجربة مغايرة تماماً.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1738926244764-0'); });
وفقاً لتحليل «أوكسفورد إيكونوميكس»، فإن معدل بطالة هذه الفئة بات أعلى من المعدل الوطني للمرة الأولى منذ بدء تسجيل البيانات في 1980، منذ منتصف 2023 ارتفع معدل بطالتهم بنسبة 1.6 نقطة مئوية، أي ثلاثة أضعاف ارتفاع المعدل العام، أما الشبان الذكور تحديداً فقد وصل معدل بطالتهم إلى 9.6 في المئة مقارنة بـ6.7 في المئة قبل عام.
وهذه الظاهرة لا تقتصر على الأرقام فقط، إذ تقول لينكد ان «LinkedIn» إن التوظيف في الوظائف المبتدئة انخفض بنسبة 23 منذ مارس آذار 2020، أي أكثر من انخفاض التوظيف العام الذي بلغ 18 في المئة في الفترة نفسها.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1739447063276-0'); });
خلال سنوات 2021 و2022، كانت الشركات الأميركية تتسابق على التوظيف بعد التراجع الحاد خلال الجائحة، أما اليوم -ومع الحرب التجارية المتصاعدة وارتفاع الفائدة- أصبحت الشركات أكثر حذراً في اتخاذ قرارات التعيين أو حتى التسريح، ما يعرف الآن في أوساط الاقتصاد الأميركي بـ«سوق لا تعيين ولا تسريح» No Hire, No Fire.
أصوات من الواقع
تقدّمت خرّيجة جامعة أميركان جينا ماكسود، في 2023، إلى مئات الوظائف دون أن تتلقى أي ردود لعدة أشهر، تصف تجربتها بأنها «صادمة» و«محبطة»، خصوصاً مع تراكم ديون طلابية وصلت إلى 70 ألف دولار، في نهاية المطاف وسّعت دائرة بحثها ونجحت في الحصول على وظيفة بمجال تطوير الأعمال في شركة للأمن السيبراني.
من جانبه، غابرييل ناش، شاب يبلغ من العمر 24 عاماً من فلوريدا، تقدّم إلى نحو 450 وظيفة في مجال الإعلام دون جدوى، اليوم يعمل بشكل حر عبر قناته على يوتيوب لتغطية مصاريفه الأساسية فقط.
هل الذكاء الاصطناعي هو السبب؟
رغم أن بعض الاقتصاديين ينفون علاقة الذكاء الاصطناعي بالركود في التوظيف، فإن مؤسس شركة «Anthropic» العملاقة، داريو أمودي، حذّر مؤخراً من أن تقنيات الذكاء الاصطناعي قد تمحو نصف الوظائف المبتدئة البيضاء خلال 1 إلى 5 سنوات، ما قد يرفع البطالة إلى مستويات تصل بين 10 في المئة و20 في المئة.
وهناك إشارات فعلية لهذا التأثير، التوظيف في قطاعي علوم الحاسوب والرياضيات بين الشباب انخفض بنسبة 8 في المئة منذ 2022، بينما ظل شبه مستقر للفئات الأكبر سناً، بحسب أوكسفورد إيكونوميكس.
هل لا تزال الشهادة الجامعية مجدية؟
رغم كل هذه التحديات، لا يزال بعض الخبراء يرون أن الحصول على شهادة جامعية له عائد إيجابي، إذ يبقى معدل البطالة بين حاملي الشهادات أقل من غيرهم، ولو أن الفجوة بدأت تضيق.
لكن كل ذلك يفرض مسؤولية أكبر على الطلاب في اختيار تخصصاتهم، والبحث عن المجالات الأسرع نمواً مثل الرعاية الصحية والتعليم، كما ينصح الخبراء بالتفكير في «الخطوة الثانية» بعد التخرج وليس فقط الوظيفة الأولى.
(مات إيغان CNN)