بعد أن يبدأ بنك الاحتياطي الفيدرالي دورة خفض أسعار الفائدة المتوقعة سيعتمد أداء الأسهم والسندات والدولار على عامل واحد أكثر من باقي العوامل الأخرى، وهو صحة الاقتصاد الأميركي.

تبلغ تكاليف الاقتراض في الولايات المتحدة حالياً أعلى مستوى منذ ما يقرب من عقدين من الزمان، ومن المتوقع أن يبدأ بنك الاحتياطي الفيدرالي سلسلة من تخفيضات أسعار الفائدة غداً الأربعاء، وأظهرت بيانات «مجموعة بورصات لندن» أن الأسواق تتوقع ما يقرب من 250 نقطة أساس من التخفيض حتى نهاية عام 2025، بينما ترجح أسواق العقود الآجلة خفض أسعار الفائدة 25 أو 50 نقطة أساس غداً الأربعاء.

وبدايةً من الغد حتى نهاية 2025 سيكون السؤال الأهم للمستثمرين هو ما إذا كان بنك الاحتياطي الفيدرالي سيخفّض أسعار الفائدة في الوقت المناسب لتجنب تباطؤ اقتصادي محتمل.

الأسهم

في الوقت الحالي لا يرى خبراء الاقتصاد أي أدلة تذكر على أن الولايات المتحدة تشهد حالة من الركود، وتنبئ هذه الظروف بالخير للأسهم الأميركية.

يقول جيمس رايلي، كبير محللي السوق في كابيتال إيكونوميكس، في تقرير «بناءً على دورات التيسير السابقة، فإن توقعاتنا بخفض أسعار الفائدة بشكل كبير وعدم حدوث ركود سيصاحبها عائدات قوية على الأسهم الأميركية».

وقام بنك الاستثمار إيفركور ISI، بتحليل بيانات الأسواق الأميركية خلال أكثر من خمسين عاماً، ووجد أن مؤشر ستاندرد آند بورز 500 قد انخفض بمعدل 4 في المئة في الأشهر الستة التي أعقبت أول خفض في دورة خفض أسعار الفائدة إذا كان الاقتصاد في حالة ركود، إما إذا نجا الاقتصاد من الوقوع في الركود، فإن المؤشر نفسه يحقق مكسب بنسبة 14 في المئة مع أول خفض.

أما القطاعات الأكثر استفادة من خفض أسعار الفائدة فهي السلع الاستهلاكية الأساسية والرعاية الصحية والتكنولوجيا، ومن الملاحظ أيضاً العلاقة الإيجابية شديدة الحساسية بين أسعار الفائدة المنخفضة والقيمة السوقية للشركات الصغيرة.

وارتفع مؤشر ستاندرد آند بورز 500 بنسبة 18 في المئة عام 2024 حتى الآن.

يقول كيث ليرنر، الرئيس التنفيذي المشارك في للاستثمار في ترست للخدمات الاستشارية، «إذا كان الاقتصاد يتجه نحو الركود، فإن تخفيض أسعار الفائدة ليس كافياً لوقف الانخفاض في أرباح الشركات وانعدام الثقة».

وهزت المخاوف بشأن الاقتصاد أسعار الأصول في الأسابيع الأخيرة، وساعد الضعف في سوق العمل الأميركية في تغذية التقلبات الحادة في مؤشر ستاندرد آند بورز 500.

سندات الخزانة

وفقاً للبيانات التاريخية كان أداء سندات الخزانة أفضل خلال فترات الركود، حيث يبحث المستثمرون عن الأمان في ظل سندات الحكومة الأميركية، ولكن الدولار يتباطأ نمو سعره خلال فترات الركود، على الرغم من أن أداءه قد يعتمد على مقارنة أداء الاقتصاد الأميركي بالدول الأخرى.

كانت السندات رهاناً مجزياً للمستثمرين في بداية دورات خفض أسعار الفائدة، وشهدت سندات الخزانة خلال العامين الماضيين ارتفاعاً كبيراً، ويربط المستثمرون استمرار هذا الارتفاع بحدوث ركود للاقتصاد الأميركي.

تميل عائدات سندات الخزانة إلى الانخفاض جنباً إلى جنب مع أسعار الفائدة عندما يخفف بنك الاحتياطي الفيدرالي من سياسته النقدية، ولكن هناك فارقاً بين حالتي الركود والهبوط الناعم لأسعار الفائدة الذي لا يصاحبه ركود.

وجد استراتيجيو سيتي بنك أن مؤشر بلومبيرغ لسندات الخزانة الأميركية حقق عائداً بنسبة 6.9 في المئة في المتوسط ​​بعد 12 شهراً من الخفض الأول لأسعار الفائدة، ولكن هذا المعدل ينخفض إلى 2.3 في المئة فقط في سيناريوهات «الهبوط الناعم» الاقتصادية.

وبالفعل انخفض العائد على سندات الخزانة القياسية لمدة 10 سنوات بنحو 20 نقطة أساس هذا العام ويقف بالقرب من أدنى مستوى له منذ منتصف عام 2023.

قال ديرك ويلر، رئيس استراتيجية الاقتصاد الكلي وتخصيص الأصول العالمية في سيتي بنك، إن المزيد من المكاسب في سندات الخزانة يرتبط بالهبوط الاقتصادي الصعب الذي يجبر بنك الاحتياطي الفيدرالي على خفض أسعار الفائدة أكثر من المتوقع، «إذا حصلت على هبوط حاد فسيكون هناك الكثير من المال على الطاولة لشراء السندات».

وبالطبع تلعب إجراءات البنوك المركزية الأخرى حول العالم دوراً في كيفية تفاعل الدولار مع دورة تخفيف بنك الاحتياطي الفيدرالي.

الدولار

غالباً ما تتطلب فترات الركود تخفيضات أعمق من بنك الاحتياطي الفيدرالي، ويؤدي انخفاض أسعار الفائدة إلى تآكل جاذبية الدولار للمستثمرين الباحثين عن العائد.

وأظهر تحليل أجراه غولدمان ساكس لدورات الخفض العشر السابقة أن الدولار الأميركي ارتفع بنسبة 7.7 في المئة في المتوسط ​​مقابل سلة من العملات بعد عام من أول خفض لأسعار الفائدة عندما لم يكن الاقتصاد في حالة ركود، ويقارن ذلك بمكسب بنسبة 1.8 في المئة في نفس الفترة الزمنية عندما كانت الولايات المتحدة في حالة ركود.

في الوقت نفسه يميل الدولار إلى التفوق على العملات الأخرى عندما يخفض البنك المركزي الأميركي أسعار الفائدة إلى جانب عدد من البنوك المركزية الأخرى، وفقاً لتحليل منفصل لغولدمان ساكس.

ويبدو أن سيناريو الخفض إلى جانب عددٍ من البنوك المركزية الأخرى هو السيناريو الأقرب الآن، حيث خفض البنك المركزي الأوروبي وبنك إنجلترا والبنك الوطني السويسري أسعار الفائدة بالفعل.

وتراجع مؤشر الدولار الأميركي، الذي يقيس قوة الدولار مقابل سلة من العملات، منذ أواخر يونيو، ولكنه لا يزال مرتفعاً بنحو 9 في المئة على مدى السنوات الثلاث الماضية.

وقال يونغ يو ما، كبير مسؤولي الاستثمار في BMO لإدارة الثروات، «لا يزال النمو الأميركي أفضل قليلاً من معظم البلدان، ولا نتوقع درجة كبيرة من ضعف الدولار».

وقد يتغير هذا إذا تعثر النمو الأميركي، كما كتب المحللون في بنك بي إن بي باريبا، وقالوا «نرجح أن يخفض بنك الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة بأكثر من غيره من البنوك المركزية في حالة الركود، ما من شأنه أن يزيد من تآكل ميزة العائد (للدولار) ويترك العملة عرضة للخطر».