مستقبل الحكومات.. الذكاء الاصطناعي في خدمة المواطن

مستقبل الحكومات.. الذكاء الاصطناعي في خدمة المواطن
د. يسار جرار clock

د. يسار جرار

أستاذ كلية هولت للأعمال، الولايات المتحدة والمدير التنفيذي لـ Gov Campus

مع انعقاد القمة العالمية للحكومات، تتجه الأنظار نحو التحولات الجذرية التي يشهدها مفهوم الإدارة الحكومية في عصر الذكاء الاصطناعي، لم تعد الحكومات تُفكر فقط في تحسين أساليبها تدريجياً، بل أصبحت تطمح إلى تغييرات ثورية تعيد صياغة طريقة عملها وخدماتها، متجاوزة الحدود التقليدية إلى آفاق غير مسبوقة من الكفاءة والابتكار.

مؤخراً، عيّن الرئيس الأميركي إيلون ماسك، الذي يُعد رمزاً عالمياً للجرأة والابتكار لرئاسة إدارة كفاءة الحكومة في حكومة الولايات المتحدة الأميركية، إيلون قاد ثورات في مجالات التكنولوجيا والنقل والطاقة والفضاء، حيث أسس شركات رائدة مثل تيسلا، التي أحدثت تحولاً جذرياً في صناعة السيارات الكهربائية، وسبيس إكس، التي وضعت استكشاف الفضاء في متناول القطاع الخاص، بالإضافة إلى مشاريع مثل نيورالينك وذا بورينغ كومباني، بثروة تتجاوز 230 مليار دولار، يُعتبر ماسك واحداً من أكثر الأشخاص تأثيراً في العالم، والآن دوره الجديد في العمل الحكومي يعد خطوة تعكس التزام الولايات المتحدة بإعادة تعريف العمليات الحكومية باستخدام رؤى ابتكارية مستوحاة من القطاع الخاص، رؤية تركز على استغلال البيانات والذكاء الاصطناعي لتحديث الأنظمة الحكومية وجعلها أكثر كفاءة وفعالية.

googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1738926244764-0'); });

ضمن خططه الطموحة، يسعى ماسك إلى تحقيق توفيرات ضخمة، مشيراً إلى أن تحديث العمليات يمكن أن يوفر 200 مليار دولار سنوياً من النفقات الإدارية وحدها، من بين مبادراته المقترحة إعادة هيكلة العمليات الإدارية لتقليل البيروقراطية وتعزيز الشفافية، استخدام الذكاء الاصطناعي لتحليل البيانات في الوقت الفعلي لدعم اتخاذ القرار، وأتمتة الخدمات الحكومية لتقديم تجربة أسرع وأكثر استجابة للمواطنين.

googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1739447063276-0'); });

ماسك يصف رؤيته بأنها «ثورة في الإدارة العامة»، مشابهة لما حققته «تيسلا» في صناعة السيارات، حيث يتم تحويل العمليات التقليدية إلى أنظمة رقمية حديثة قائمة على الابتكار، تعيينه يُعد رسالة واضحة بأن التكنولوجيا ليست فقط أداة لتحسين الخدمات، بل وسيلة لتحقيق كفاءة غير مسبوقة في العمل الحكومي.

على مستوى المنطقة، تبرز أبوظبي رائدة في مجال التحول نحو مستقبل الحكومات الذكية من خلال خطتها الطموحة لتصبح أول حكومة تعمل بالكامل بالذكاء الاصطناعي بحلول عام 2027، هذه الخطة الطموحة ليست مجرد مشروع تقني، بل هي رؤية استراتيجية شاملة تهدف إلى إعادة تعريف مفهوم الإدارة الحكومية، تعتمد الرؤية على بناء بنية تحتية رقمية متقدمة قادرة على معالجة وتحليل البيانات الضخمة لدعم اتخاذ القرارات في الوقت الفعلي، ما يُعزز كفاءة العمليات الحكومية ويُحسن جودة الخدمات بشكل غير مسبوق.

تشمل هذه المبادرة أيضاً إنشاء أنظمة ذكاء اصطناعي متكاملة تُستخدم في كل القطاعات الحكومية، بدءاً من الرعاية الصحية والتعليم وحتى البنية التحتية والخدمات العامة، على سبيل المثال تسعى أبوظبي إلى تطوير منصات رقمية تُتيح للمواطنين والمقيمين التفاعل مع الجهات الحكومية بشكل سريع ومبسط عبر قنوات متكاملة، ما يُقلل الحاجة إلى الإجراءات الورقية التقليدية ويُعزز من تجربة المستخدم.

علاوة على ذلك، تركز هذه الخطة على تعزيز الشفافية والمساءلة من خلال استخدام تقنيات مثل البلوكتشين لضمان أمان البيانات ودقتها، ما يُسهم في بناء الثقة بين الحكومة والجمهور، كما تهدف المبادرة إلى تسريع النمو المستدام من خلال تحسين إدارة الموارد وتوجيهها نحو الأولويات الوطنية، مثل الطاقة المتجددة وتقليل الأثر البيئي.

أحد الجوانب الفريدة لهذه الرؤية هو تركيزها على توقع احتياجات المواطنين قبل ظهورها، حيث تُستخدم تقنيات التنبؤ بالذكاء الاصطناعي لتحديد الخدمات التي قد يحتاج إليها المواطنون مستقبلاً وتقديمها بشكل استباقي، من خلال هذا النهج المبتكر لا تسعى أبوظبي فقط إلى تلبية توقعات المواطنين، بل إلى تجاوزها، لتصبح نموذجاً يُحتذى عالمياً في كيفية استخدام التكنولوجيا لتحسين حياة الناس، تُعتبر هذه الخطة خطوة رائدة تجعل من أبوظبي منصة إقليمية وعالمية تُبرز الإمكانات الهائلة للتحول الرقمي في الإدارة الحكومية، مع التزام قوي ببناء مستقبل مستدام ومتقدم.

في المملكة المتحدة، تقدم الحكومة نموذجاً شاملاً عبر وثيقتها الجديدة «خارطة الطريق لحكومة حديثة رقمية»، تركز الخطة على محاور رئيسية تشمل توحيد الخدمات العامة، تحسين البنية التحتية الرقمية، وتعزيز القيادة الرقمية. التحديات التي تواجهها بريطانيا، مثل الأنظمة القديمة والهيكلية الإدارية المجزأة، تجعل التحول الرقمي ضرورة لضمان استدامة الأداء الحكومي وفعاليته.

في ظل هذا التحول الرقمي، أصبحت أدوات الذكاء الاصطناعي مثل ChatGPT حجر الزاوية في تطوير الحكومات، وفي بدايات عام 2025 قدمت OpenAI نموذجاً مخصصاً للحكومات يعتمد على الذكاء الاصطناعي لتحسين تقديم الخدمات وزيادة الكفاءة، يمكن لهذه الأدوات الرد على استفسارات المواطنين بشكل فوري ودقيق، تحليل البيانات الضخمة لتقديم رؤى تساعد في صياغة السياسات، وتقديم خدمات تتوقع احتياجات المواطنين قبل طلبها، ما يعزز تجربة المستخدم ويقلل من التكاليف الإدارية.

بينما توفر هذه التقنيات فرصاً هائلة، فإنها تأتي أيضاً بتحديات تتعلق بالخصوصية، والأمن السيبراني، وضمان العدالة في الوصول إلى التكنولوجيا، تحتاج الحكومات إلى وضع سياسات تنظيمية صارمة تضمن حماية البيانات، وتعزز الثقة بين المواطنين والحكومات.

لكن الفرص تتجاوز التحديات، حيث يمكن للتكنولوجيا أن تخلق نماذج حكومية جديدة تعتمد على الاستجابة الفورية والتفاعل مع احتياجات المجتمع بطرق لم تكن ممكنة من قبل.

ما يجمع بين هذه الأمثلة من أبوظبي إلى إيلون ماسك وChatGPT هو القدرة على استغلال الإمكانات التكنولوجية لتحويل الحكومات إلى منصات تقدم خدمات مبتكرة وتؤثر بشكل إيجابي على حياة المواطنين، القمة العالمية للحكومات تمثل فرصة لمناقشة هذه التوجهات واستكشاف كيفية دمج الإنسان والآلة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة.

العالم يتغير بسرعة مذهلة، والحكومات التي لا تواكب هذا التغير ستتأخر عن الركب، من خلال تبني الابتكار التكنولوجي والعمل على شراكات بين القطاعين العام والخاص، يمكن للحكومات أن تصبح أكثر استجابة، وكفاءة، وإلهاماً، إذا كنا نتعلم شيئاً من هذه النماذج فهو أن المستقبل ينتمي إلى أولئك الذين يجرؤون على تخيل غير الممكن وتحقيقه، الحكومات ليست مجرد مؤسسات لتقديم الخدمات، بل منصات لصياغة المستقبل والإلهام، القمة العالمية للحكومات تمثل لحظة محورية لتحديد هذا المستقبل والمضي قدماً نحو تحقيقه.