بين المرونة والاستقرار.. كيف تواجه الشركات الاستثمارية تحديات الجيل الجديد؟

بين المرونة والاستقرار.. كيف تواجه الشركات الاستثمارية تحديات الجيل الجديد؟
مدحت الزاير clock

مدحت الزاير

المدير الإقليمي لإدارة الثروات في شركة أرباح المالية

يشهد القطاع الاستثماري تحولات جذرية مع ظهور العشرات من الشركات الاستثمارية المستقلة التي تنافس بقوة الأذرع الاستثمارية للبنوك التقليدية.. وبينما توفر هذه الاستقلالية مرونة أعلى وقدرة على تقديم حلول مخصصة، فإنها تأتي أيضاً بتحديات كبيرة تتعلق بالتخطيط وإدارة المخاطر.. في المقابل، تتمتع الشركات التابعة للبنوك التقليدية بقدرات مالية تمكنها من تصحيح المسار عند الحاجة، لكنها قد تكون أقل قدرة على التكيف السريع مع المتغيرات.

في ظل هذا المشهد المتغير، يواجه الجيل الجديد من المستثمرين خيارات متعددة، لكنه في الوقت نفسه أقل ولاءً للكيانات التي تعامل معها آباؤهم.. هذه الحقيقة تفرض على الشركات الاستثمارية -سواء المستقلة أو التابعة للبنوك-إعادة النظر في استراتيجياتها لضمان استدامتها في المستقبل.

googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1738926244764-0'); });

التحدي الأكبر.. كيف تُدار المخاطر؟

googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1739447063276-0'); });

الشركات الاستثمارية المستقلة: مرونة قد تتحول إلى عبء

تمثل المرونة ميزة تنافسية رئيسية للشركات الاستثمارية المستقلة، إذ تمنحها القدرة على اتخاذ قرارات استثمارية سريعة ومبتكرة.. ومع ذلك، في بعض الحالات، تتحول هذه المرونة إلى نقطة ضعف عندما تؤدي إلى سوء التخطيط وضعف التركيز على المخاطر، خاصة عند غياب آليات تدقيق قوية (Due Diligence).

• ضعف إدارة المخاطر: قد تدخل بعض الشركات في استثمارات غير مدروسة أو عالية المخاطر دون وجود خطط واضحة للتعامل مع السيناريوهات السلبية.

• التوسع غير المحسوب: قد يؤدي اندفاع بعض الشركات إلى إطلاق منتجات وصناديق جديدة دون التأكد من ملاءمتها للسوق، ما يضعها أمام تحديات مالية وتشغيلية.

• غياب خطط الطوارئ: بدون دعم مالي كبير، قد تجد بعض الشركات المستقلة نفسها في مأزق عند حدوث اضطرابات اقتصادية أو تغيرات غير متوقعة في السوق.

الشركات التابعة للبنوك: الاستقرار المالي قوة تصحيحية

في المقابل، توفر الشركات الاستثمارية التابعة للبنوك التقليدية مستوى عالياً من الأمان بسبب قوتها المالية؛ عند حدوث إخفاقات استثمارية يمكن لهذه الشركات الاعتماد على مواردها الضخمة لتصحيح المسار دون أن يتأثر العملاء أو سمعة المؤسسة بشكل كبير.

• إدارة مخاطر أكثر صرامة: بسبب خضوعها لمعايير رقابية أعلى تميل هذه الشركات إلى تبني سياسات استثمار أكثر تحفظاً، ما يقلل المخاطر ولكن قد يحد من الابتكار.

• قدرة أكبر على التحمل المالي: عند وقوع أزمات تستطيع هذه الشركات إعادة هيكلة استثماراتها وتحمل بعض الخسائر دون التأثير على عملائها.

• بيروقراطية أبطأ: على الرغم من مزاياها فإن ارتباطها بالبنوك قد يجعلها أقل مرونة وأبطأ في اتخاذ قرارات استثمارية تتماشى مع متطلبات الجيل الجديد من المستثمرين.

الاستثمارات المعلقة.. هل الشركات قادرة على الوفاء بوعودها؟

من أكبر المخاوف التي تواجه المستثمرين، خاصة الجيل الجديد، هي الاستثمارات المعلقة أو غير السائلة، والتي لم تحقق العوائد المتوقعة أو تعثرت بسبب سوء التخطيط.. هذا النوع من الاستثمارات يؤثر سلباً على ثقة العملاء ويدفعهم للبحث عن بدائل أكثر شفافية وموثوقية.

الحل: التخارج المدروس وبناء الثقة

على الشركات الاستثمارية -سواء المستقلة أو المدعومة من البنوك- أن تركز على استراتيجيات تخارج واضحة ومحددة، بحيث:

• تضمن للعملاء رؤية أن التخارج ممكن فعلياً، وليس مجرد وعد على الورق.

• تثبت قدرتها على إدارة الاستثمارات بحكمة وتحقيق العوائد الموعودة.

• تعزز الشفافية حول الأداء الحقيقي للصناديق، بدلاً من إبقاء المستثمرين في حالة من الغموض والانتظار.

الجيل الجديد من المستثمرين.. تحدٍ استراتيجي لا بد من الاستعداد له

من أبرز المتغيرات في المشهد الاستثماري الحالي هو انتقال الثروات بين الأجيال، إذ يتولى الأبناء والأحفاد مسؤولية إدارة أصول آبائهم.. لكن التحدي الحقيقي أن هذا الجيل الجديد لا يحمل الولاء نفسه للمؤسسات الاستثمارية التي تعامل معها آباؤهم، خاصة إذا كانت بعض استثمارات العائلة قد واجهت مشكلات أو خسائر.

إذا لم تستطع الشركات الاستثمارية مواكبة هذا التغيير فإنها تخاطر بخسارة عملائها المستقبليين لصالح نماذج استثمار جديدة، مثل الشركات الناشئة في التكنولوجيا المالية أو الاستثمار المباشر في الشركات التي تعكس قيمهم.

المسؤولية قبل الربح.. توجه يكتسب زخماً

في الماضي، كان تحقيق أقصى ربح ممكن هو الهدف الأساسي لمعظم الشركات الاستثمارية، لكن الجيل الجديد من المستثمرين أصبح أكثر اهتماماً بمسألة المسؤولية والاستدامة.. لم يعد البحث عن العوائد العالية وحده كافياً، بل أصبح المستثمرون يبحثون عن مؤسسات تثبت أنها تعمل لصالح عملائها وليس فقط لمصلحة مديريها التنفيذيين.

ما المطلوب من الشركات الاستثمارية اليوم؟

1. تحقيق التوازن بين المرونة وإدارة المخاطر: يجب على الشركات الاستثمارية المستقلة تعزيز عمليات التدقيق وإدارة المخاطر دون فقدان مرونتها.

2. الشفافية في الأداء والالتزامات: العملاء يريدون رؤية أرقام حقيقية ونتائج ملموسة، وليس وعوداً غير مؤكدة.

3. بناء علاقات طويلة الأمد مع المستثمرين الجدد: من خلال الاستثمار في الثقة، وليس فقط في العوائد.

4. قبول فكرة أن الأرباح السريعة ليست دائماً الاستراتيجية الأفضل: بناء سمعة قوية وعلاقات مستدامة قد يكون أكثر ربحية على المدى الطويل من البحث عن مكاسب سريعة.

الخلاصة: الذكاء الاستراتيجي هو مفتاح البقاء

لم تعد السوق الاستثمارية كما كانت في السابق، ولم يعد بإمكان الشركات الاعتماد فقط على سمعتها أو مكانتها التقليدية؛ الجيل الجديد من المستثمرين أكثر وعياً، وأقل ولاءً، وأكثر تطلباً من حيث الشفافية والمصداقية.

الشركات الاستثمارية -سواء المستقلة أو التابعة للبنوك- التي ستنجح في هذا العصر الجديد هي تلك التي تستطيع تحقيق التوازن بين المرونة والاستقرار، بين الابتكار وإدارة المخاطر، وبين تحقيق الأرباح وبناء الثقة.

من يدرك هذه التغيرات مبكراً ويعمل على التكيف معها، سيضمن استمراريته في المستقبل، أما من يُصر على اتباع الأساليب التقليدية فقد يجد نفسه متأخراً عن الرَكب في عالم مالي يتغير بسرعة غير مسبوقة.