هل يمكن للعملات المنهارة استعادة قيمتها؟

هل يمكن للعملات المنهارة استعادة قيمتها
علي حمودي clock

علي حمودي

خبير اقتصادي , الرئيس التنفيذي لشركة ATA Global Horizons

عندما تنهار العملة المحلية أمام الدولار، يُطرح السؤال: هل يمكن استعادة قيمتها؟ الإجابة نعم، ولكنها مشروطة بإصلاحات اقتصادية عميقة وإدارة نقدية حكيمة، فالعملة ليست مجرد ورقة، بل انعكاس لقوة الاقتصاد وثقة المستثمرين والسياسات المالية للدولة، لنستعرض بعض الطرق التي يمكن أن تساعد في تعزيز قيمة العملة

كيف تستعيد العملة قيمتها؟

googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1738926244764-0'); });

يمكن استعادة قيمة العملة عبر سياسات نقدية حكيمة، مثل رفع أسعار الفائدة لجذب الاستثمارات والتحكم في المعروض النقدي لكبح التضخم.

googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1739447063276-0'); });

تعزيز الاحتياطيات الأجنبية ضروري أيضاً، من خلال زيادة الصادرات وتقليل الواردات، إضافةً إلى جذب الاستثمارات الأجنبية لتخفيف الحاجة إلى الاقتراض.

الإصلاحات الاقتصادية تلعب دوراً مهماً، مثل دعم الإنتاج المحلي لتقليل الاعتماد على الاستيراد، وتحفيز ريادة الأعمال لتعزيز النمو، كذلك استعادة الثقة في العملة أمر أساسي عبر محاربة السوق السوداء واعتماد سياسات شفافة تقلل التقلبات.

التعاون الدولي يساعد في استقرار العملة عبر تأمين دعم مالي من مؤسسات دولية وتوقيع اتفاقيات تجارية لتعزيز تدفق العملات الأجنبية.

رغم أن هذه الاستراتيجيات أساسية، فإن نجاحها يعتمد على التنفيذ الفعلي وليس مجرد خطط على الورق، لنأخذ مثالين حيين؛ مصر ولبنان، حيث يواجه كلا البلدين أزمة عملة لكن بظروف مختلفة.

مصر بين التعويم والإصلاح الاقتصادي.. تحديات وآفاق

تواجه مصر أزمة عملة معقدة نتيجة نقص الدولار، وارتفاع التضخم، والديون المتزايدة، ما دفع الحكومة إلى تبني مجموعة من الإصلاحات الاقتصادية، وتشمل هذه الإصلاحات تعزيز الصادرات، وتقليل الاعتماد على الاستيراد غير الضروري، وجذب الاستثمارات الأجنبية، خاصة الخليجية والدولية، لكن يبقى تعويم الجنيه المتكرر أحد أبرز التحديات التي تزيد الضغوط الاقتصادية وتؤثر على القدرة الشرائية للمواطنين.

دور صندوق النقد الدولي.. بين الدعم والشروط الصارمة

منذ عام 2016، لجأت مصر إلى صندوق النقد الدولي للحصول على تمويل يسهم في استقرار الاقتصاد، حصلت في ذلك العام على قرض بقيمة 12 مليار دولار مقابل تنفيذ إجراءات مثل تعويم الجنيه وخفض الدعم، ما أدى إلى انخفاض كبير في قيمته، وفي 2022، وافق الصندوق على قرض جديد بقيمة 3 مليارات دولار، ولكن بشروط أكثر صرامة تشمل تعويماً مرناً للجنيه يعكس العرض والطلب الفعلي، وتقليل تدخل الدولة في الاقتصاد، وتعزيز الشفافية المالية، خاصة في المؤسسات المملوكة للدولة، ويرى الصندوق أن قيمة الجنيه يجب أن تعكس الواقع الاقتصادي، ما قد يعني استمرار التراجع إذا لم تُتخذ إجراءات لدعم الاقتصاد، مثل زيادة الإنتاج، وجذب الاستثمارات الأجنبية، وخفض الواردات غير الضرورية.

الخصخصة.. بين الحاجة إلى السيولة وثقة المستثمرين

أعلنت الحكومة المصرية عن "وثيقة ملكية الدولة"، تهدف إلى تقليل هيمنة الدولة على الاقتصاد من خلال بيع حصص في شركات حكومية، تشمل قطاعات البنوك، والموانئ، والطاقة، والهدف من هذه الخطوة هو جمع سيولة دولارية تعزز الاحتياطيات النقدية، وتحفيز القطاع الخاص ليكون محركاً رئيسياً للنمو، نجاح هذه الخطة يعتمد على مدى شفافيتها وجاذبيتها للمستثمرين، خاصة في ظل التحديات الاقتصادية الحالية.

لبنان.. أزمة مركّبة وثقة مفقودة

يعيش لبنان أزمة اقتصادية غير مسبوقة، حيث فقدت الليرة أكثر من 98% من قيمتها وسط انهيار مالي مستمر، وعلى الرغم من توصّل الحكومة إلى اتفاق مبدئي مع صندوق النقد الدولي عام 2022 للحصول على قرض بقيمة 3 مليارات دولار، فإن الإصلاحات المطلوبة لم تُنفَّذ بعد، ما يزيد الأزمة تعقيداً.

صندوق النقد.. شروط مؤجلة وانهيار متواصل

يُلزم الاتفاق الحكومة بإصلاحات جوهرية، أبرزها توحيد أسعار الصرف المتعددة، وإعادة هيكلة القطاع المصرفي الذي فقد أكثر من 70 مليار دولار من الودائع، بالإضافة إلى مكافحة الفساد وتعزيز الشفافية المالية، لكن غياب الإرادة السياسية يؤخر التنفيذ، ما يؤدي إلى تآكل الثقة واستمرار انهيار الليرة.

الصندوق يطالب بخطوات حاسمة للحد من نفوذ المصارف المتعثرة، لكن الصراعات السياسية تعرقل أي تحرك جاد.

الخصخصة.. وعود بلا تنفيذ

تُطرح خصخصة قطاعات مثل الكهرباء، والاتصالات، والمرافئ، كحل لتعزيز الاحتياطي النقدي، لكن الفساد المستشري يُضعف ثقة المستثمرين، فيما ترفض الطبقة السياسية التنازل عن نفوذها الاقتصادي، وبدون إصلاح حقيقي، تبقى الخصخصة مجرد وعود على الورق.

مصر ولبنان.. كيف تستعيدان قوة عملتيهما؟

مصر.. الإنتاج والاستثمار هما الحل

لتحقيق استقرار الجنيه، تحتاج مصر إلى استراتيجية تعتمد على زيادة الإنتاج وتقليل الاعتماد على الاستيراد، دعم القطاعات الإنتاجية، مثل الصناعة والزراعة، سيقلل الحاجة إلى الدولار، فيما يُعد جذب الاستثمارات الحقيقية –وليس مجرد بيع أصول الدولة أو التوسع في الاقتراض– حجر الأساس لتعزيز الاقتصاد، كذلك محاربة السوق السوداء وضبط سعر الصرف الرسمي سيعيدان الثقة بالعملة المحلية.

لبنان.. الإصلاحات أولاً

إنقاذ الليرة يبدأ بتنفيذ الإصلاحات التي يطالب بها صندوق النقد، وعلى رأسها توحيد سعر الصرف وإعادة هيكلة القطاع المصرفي المنهار، الخصخصة الشفافة للمرافق الحيوية قد تجذب الاستثمارات الأجنبية، لكن دون محاربة الفساد بجدية، ستظل الحلول شكلية.

النتيجة.. من الأقرب للتعافي؟

استعادة قيمة العملة ليست مستحيلة، لكنها تحتاج إلى رؤية واضحة، وإرادة سياسية حقيقية، وإصلاحات جذرية، وإلا فسيبقى الانهيار هو السيناريو الأقرب.

مصر لديها فرصة أكبر بفضل تنوع اقتصادها القائم على السياحة، وقناة السويس، وصادرات زراعية وصناعية، لكن النجاح مرهون بقرارات جريئة تعزز القطاع الخاص وتقلل الاقتراض العشوائي، أما لبنان، فمشكلتها سياسية بامتياز، وأي إصلاح اقتصادي سيظل هشاً ما لم توجد حكومة فعالة قادرة على استعادة ثقة الداخل والخارج.

تم إعداد هذه المقالة لصالح CNN الاقتصادية، والآراء الواردة فيها تمثّل آراء الكاتب فقط ولا تعكس أو تمثّل بأي شكل من الأشكال آراء أو وجهات نظر أو مواقف شبكة CNN الاقتصادية.