هل لا تزال الانهيارات السوقية ناتجة عن الذعر؟

هل لا تزال الانهيارات السوقية ناتجة عن الذعر؟
هل لا تزال الانهيارات السوقية ناتجة عن الذعر؟
هل لا تزال الانهيارات السوقية ناتجة عن الذعر؟
محمد  السويد clock

محمد السويد

الرئيس التنفيذي لشركة رزين المالية

في كل مرة تنهار فيها الأسواق، تتسابق العناوين لوصف ما يحدث بأنه «بيع بدافع الذعر»، إنه وصف مريح يثير صوراً لمتداولين في فوضى، وخوف ينتشر بسرعة، وقرارات عشوائية تُتخذ على عجل.. لكنني أعتقد أن هذا التوصيف التقليدي لم يعد دقيقاً.

في عالم اليوم، هناك احتمال كبير أن ما نشهده ليس ذعراً تقليدياً، بل شيء أكثر تنظيماً، نتحدث هنا عن ردود فعل مبرمجة سلفاً داخل نظام مالي مترابط بشدة ومنظم بشكل مفرط، وكما أظهرت الأحداث الأخيرة، فإن هذا النظام لا يعاني فقط من الضغط الداخلي، بل يمكن أيضاً التلاعب به بسهولة من الخارج.

googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1738926244764-0'); });

منشور ترامب.. تجربة حيّة في التلاعب بالأسواق

قبل أيام قليلة فقط، نشر دونالد ترامب على منصته Truth Social: «الآن وقت رائع للشراء!»، وذلك قبل ساعات فقط من إعلانه عن وقف مؤقت لبعض الرسوم الجمركية.. هذا التتابع –تصريح شخصي يليه قرار سياسي كبير– دفع الأسواق للارتفاع الحاد، وقفز مؤشر S&P 500 بأكثر من 7 في المئة.

googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1739447063276-0'); });

ما يثير الانتباه ليس فقط التوقيت، بل ردة الفعل: قفزة متزامنة عالمية في الأصول الخطرة بسبب صوت واحد ورسالة واحدة فقط.

لم يكن ذلك ذعراً، بل كان اشتعالاً متعمداً... ونجح.

نظام مفرط التزامن يستجيب مثل الآلة

فلنفكر في البيئة التي أنشأناها: البنوك والصناديق والمؤسسات حول العالم تتبع نفس القواعد. بازل III و IV تحدد متى يجب تقليل المخاطر. IFRS 9 يفرض تسجيل الخسائر بشكل مبكر. اختبارات الضغط تجبر الجميع على الاستعداد لنفس السيناريوهات.

عندما يحدث ضغط –أو عندما يسحب شخص مثل ترامب إحدى الرافعات– يستجيب الجميع بنفس الطريقة.. ليس بدافع الخوف، بل لأن النظام يأمر بذلك.

لذلك ليس من الغريب أن نرى:

  • 1- نفس الأصول تُباع أو تُشترى في آنٍ واحد.
  • 2- السيولة تتحول في نفس القطاعات على مستوى العالم.
  • 3- استجابة حادة ومنسقةتبدو كأنها موجة، لكنها في الحقيقة أوامر مفعلة في جميع الأنظمة

من رد فعل خوارزمي إلى أداة نفوذ سياسي

لا أقول إن العاطفة اختفت، لكنها أصبحت غالباً الشرارة فقط، لا السبب.. ما يتبع هو رد فعل تنظيمي وخوارزمي:

  • 1- يتم تفعيل نداءات الهامش
  • 2- نماذج المخاطر تُصدر أوامر
  • 3- الخوارزميات تنفذ نفس الاستراتيجية

والآن عرفنا: حتى منشور على وسائل التواصل من شخصية سياسية يمكن أن يسحب الزناد.

هذا يعطي السياسيين، خاصة من يملكون تأثيراً وشعبية، قدرة غير مسبوقة على تحريك الأسواق؛ لم يعد الأمر مجرد رسائل، بل أصبح تفعيلاً لنظام عالمي مبرمج للاستجابة بشكل جماعي.

لقد كشفت أفعال ترامب عن مشكلة أعمق: الاتحاد التنظيمي المالي العالمي جعل العالم بأسره عرضة لتأثير سياسة محلية، وعندما يستطيع سياسي محلي أن يشعل رد فعل عالمي من خلال خطاب وسياسة، يتضح أننا منحنا هذا النظام سلطة أكثر من اللازم.

ليست فقط عواطف– بل قابلية للاستغلال

لا يزال هناك خوف في النظام، لكن يتم توجيهه عبر قواعد مؤسسية موحدة؛ شخصية واحدة، في الوقت المناسب، يمكنها استباق رد الفعل السوقي وتحقيق تغييرات ضخمة.

لقد صنعنا نظاماً انعكاسياً آلياً، قابلاً للتوقع، وبالتالي قابل للتلاعب.. وبمجرد أن تدرك ذلك، ترى أن الانهيارات –أو القفزات– ليست صدفة، بل هي نتائج مصممة مسبقاً.

خاتمة: الحاجة للسيادة التنظيمية المحلية

هذا لا يتعلق فقط بما إذا كانت الأسواق تتحرك بالعاطفة أو بالمنطق، بل يتعلق بإدراك أن النظام العالمي المتزامن قد فتح الباب أمام التلاعب بطريقة غير مسبوقة.

الانهيارات أو القفزات لا تنبع من الفوضى، بل تحدث لأن النظام صُمم للاستجابة. والآن، من يفهم المحفزات يمكنه اللعب بالنظام.

ربما حان الوقت أن تعيد الجهات التنظيمية حول العالم التفكير في مدى توحيد القوانين المالية، خاصة في مجالات إدارة المخاطر ومتطلبات رأس المال. يجب أن تتمتع الدول بالقدرة على مواءمة قواعد الحماية المالية وفقاً لواقعها الاقتصادي الخاص.

كما يجب على الجهات المحلية تطوير أدوات مضادة قادرة على كشف وتحييد آثار التلاعب عند حدوث مواقف مشابهة.. الهدف ليس التخلي عن التعاون، بل بناء نظام مرن ومتعدد المستويات يوازن بين التنسيق العالمي والحماية المحلية.

وهذه هي الحقيقة المقلقة التي يجب أن نخوض بشأنها نقاشاً أعمق.

تم إعداد هذه المقالة لصالح CNN الاقتصادية، والآراء الواردة فيها تمثّل آراء الكاتب فقط ولا تعكس أو تمثّل بأي شكل من الأشكال آراء أو وجهات نظر أو مواقف شبكة CNN الاقتصادية.