كيف تشكّل الثقة بالعلامة التجارية والسمعة والتنظيم مستقبل البنوك والمدفوعات في دول الخليج؟

كيف تشكّل الثقة بالعلامة التجارية والسمعة والتنظيم مستقبل البنوك والمدفوعات في دول الخليج؟
كيف تشكّل الثقة بالعلامة التجارية والسمعة والتنظيم مستقبل البنوك والمدفوعات في دول الخليج؟
كيف تشكّل الثقة بالعلامة التجارية والسمعة والتنظيم مستقبل البنوك والمدفوعات في دول الخليج؟
لودفيج دوران clock

لودفيج دوران

مدير استراتيجية المجموعة، مجموعة كونران للتصميم

بينما تتسابق دول الخليج لتصبح من الرواد العالميين في مجال التكنولوجيا المالية، لم تعد الثقة والشفافية خيارات إضافية، بل ضروريات، بحسب لودفيغ دوران، المدير التنفيذي للاستراتيجية في مجموعة «كونران ديزاين».

وتشير أبحاث جديدة إلى أن مصداقية العلامة التجارية، وليس الابتكار وحده، هي المحرّك الحقيقي للنجاح طويل الأمد في القطاع المالي المتغير بسرعة في المنطقة.

googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1738926244764-0'); });

في الأسواق المالية المزدهرة في الخليج، بدأت الأصول غير الملموسة -مثل «الثقة» و«العلامة التجارية»- توازي في أهميتها خطوط الائتمان، إذ لم يعد يكفي أن تكون العمليات آمنة؛ فالمستهلكون والجهات التنظيمية باتوا يطالبون بعلامات تجارية ترتبط بالمجتمع، وتحمي بياناتهم، وتثري حياتهم.

تُبرز الأبحاث الأخيرة هذا التحوّل، فوفقاً لدراسة Citizen Brands 2025 من «كونران ديزاين غروب»، فإن العلامات التي تعطي الأولوية للارتباط بالمجتمع والأفراد تتفوّق بشكل ملحوظ على غيرها من حيث نوايا الشراء ونمو السمعة، وعلى المؤسسات المالية في الخليج أن توازن بين الابتكار والنزاهة، باستخدام الامتثال القوي والدلائل على الغاية الاجتماعية كوسيلة لدفع الأداء.

googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1739447063276-0'); });

الإصلاح التنظيمي والشمول المالي

في إطار الخطط الوطنية الطموحة في السعودية بمجال التكنولوجيا المالية، بدأ النظام التنظيمي يُعيد تعريف القيمة المُقدَّمة في القطاع المصرفي، فقد أطلقت الرياض قواعد المصرفية المفتوحة وخدمات الدفع، إلى جانب قانون جديد لحماية البيانات الشخصية، بهدف دعم الابتكار مع ضمان حماية العملاء. الأهداف طموحة: فالمملكة تسعى إلى مضاعفة عدد شركات التكنولوجيا المالية ثلاث مرات، وزيادة حجم المعاملات الرقمية إلى 70% خلال ثلاث سنوات، ووضع مئات الشركات على خارطة القطاع بحلول عام 2030.

على المنوال ذاته، أصدر مصرف الإمارات المركزي مؤخراً تشريعات «التمويل المفتوح» التي تُلزم البنوك بمشاركة بيانات العملاء عبر واجهات برمجة التطبيقات (API)، شريطة موافقة المستهلك. تسهم هذه الأطر –من مختبرات الابتكار إلى إلزامية تبادل البيانات– في تسريع الشمولية عبر خفض الحواجز أمام دخول الشركات الناشئة.

في الواقع، بدأت المصرفية المفتوحة تعيد تشكيل المنافسة، والنتيجة؟ ساحة أكثر عدلاً، تتيح لمزيد من الأفراد الوصول إلى خدمات رقمية مريحة مثل التحويلات وتطبيقات الميزانية والقروض المصغّرة.

لكن الأهم من ذلك أن الجهات التنظيمية تؤكّد أهمية حماية الخصوصية والبيانات، في الإمارات -مثلاً- يتطلب أي طلب للوصول إلى بيانات المستخدمين موافقة صريحة منهم، وعلى المؤسسات الالتزام بمعايير أمان صارمة، أما في السعودية فالقانون الجديد لحماية البيانات (PDPL) –المستوحى من اللائحة الأوروبية GDPR– يُحدّد كيفية جمع ومعالجة بيانات العملاء.

هذه القواعد لم تعد مجرد «بيروقراطية»، بل أدوات تنافسية تُظهر مدى التزام العلامات التجارية بالثقة، من خلال وضع الفرد في مركز التجربة المصرفية.

بمعنى آخر، اللوائح التي قد تزيد من التكاليف على المدى القصير، يمكن أن تُستخدم كوسيلة لتعزيز السمعة كعلامة جديرة بالثقة.

حماية البيانات كركيزة للعلامة التجارية

في عصر البيانات الضخمة، تصبح هذه المسألة أكثر إلحاحاً، فالمؤسسات المالية تمتلك كماً هائلاً من المعلومات الشخصية، وأي خطأ قد يهدد الثقة بسرعة، بات المستهلكون اليوم أكثر وعياً بالمخاطر المرتبطة بالخصوصية، ويطالبون بالشفافية، ولهذا بدأت العلامات الرائدة بإطلاق مبادرات مسؤولة للبيانات، فعلى سبيل المثال أعلنت Mastercard عن ستة مبادئ أخلاقية لإدارة البيانات، وطبقت ممارسات مشابهة لـGDPR حتى قبل دخولها حيز التنفيذ.

المؤسسات المالية الخليجية تسير على النهج نفسه، حيث باتت العديد من البنوك في المنطقة تروّج لميزات الأمان الرقمي وتستثمر في الأمن السيبراني، وهو ما يتناغم مع تطلعات الجهات التنظيمية.

المدفوعات والعلامات التجارية وثقة المستهلك

أدى التوازن بين الثقة والغاية الاجتماعية إلى صعود بعض العلامات التجارية إلى القمة، فوفقاً لتقرير *Citizen Brands 2025*، تميزت شركات مثل PayPal، Visa، Google Pay وMastercard بأداء قوي في قطاع المدفوعات العالمي، ما يعكس تمتعها برصيد كبير من الثقة.

على المستوى المحلي، استطاعت عدة بنوك خليجية بناء سمعة قوية في هذا المجال، فبنك الراجحي –عملاق التجزئة في السعودية– حصل مؤخراً على لقب «أعلى العلامات التجارية قيمة» في السعودية والإمارات وفق تقرير *Kantar BrandZ*، مع ارتفاع قيمة علامته إلى نحو 13.9 مليار دولار عام 2024، ويعود الفضل في ذلك إلى تحوّله الرقمي السريع وموقعه الثقافي المتميّز، وهذه الأرقام ليست رمزية: فارتفاع قيمة العلامة يعكس ثقة العملاء في الاستقرار والخدمة والدور المجتمعي للبنك.

الفروقات بين العلامات العالمية والمحلية تعكس دروساً مهمّة، فالعلامات العالمية مثل Mastercard وVisa تتفوق في الموثوقية واتساع نطاق الخدمة، وهي من أبرز المحرّكات التي يسلّط عليها التقرير الضوء.

يحدّد التقرير ستة محرّكات للثقة، منها: الموثوقية، الشمولية، والمساهمة الاجتماعية. وتُطبَّق هذه المبادئ بطرق مختلفة: فـMastercard تركّز عالمياً على الشمول المالي والتوعية، بينما تدمج البنوك الخليجية قيماً ثقافية محلية مثل برامج تمكين المرأة، وتنمية الثروات، لتعزيز الثقة.

النتيجة واحدة: السمعة المبنية على التأثير الإيجابي، سواء من خلال التكنولوجيا الآمنة أو الأثر الاجتماعي، تولّد ولاء يتجاوز المنتج ذاته.

ما بعد الخدمة.. الغاية والفائدة

تقديم خدمة مالية لم يعد كافياً، فالمستهلكون اليوم يتوقعون من بنوكهم أن تساعدهم على تحقيق أهدافهم المالية، لا أن تكتفي بتنفيذ العمليات، في الأسواق الناشئة تظهر النتائج بوضوح، دراسة حديثة لماستركارد عن شركة Nubank في البرازيل أظهرت أن شمول الفئات المستبعدة سابقاً في النظام المالي الرقمي حسّن صحتهم المالية بشكل كبير.

البنوك الخليجية تطبق هذه الاستراتيجيات تحت شعار الشمول المالي، وتروج لأدوات التوعية المالية، وبرامج تمكين الشباب، ودعم المشاريع الصغيرة، والدفع الإلكتروني، وتمكين المرأة مالياً (مثل مبادرة «نساء الغد» من بنك الإمارات دبي الوطني)، كما تسعى الإمارات إلى تعزيز استخدام المحافظ الرقمية بين الفئات غير البنكية.

تؤكد هذه المبادرات أن التوازن بين الربحية والهدف الاجتماعي هو المعادلة الرابحة، فحين تدمج البنوك والمؤسسات المالية الغاية الاجتماعية في جوهر علامتها، تجني أرباحاً أعلى، وولاءً أقوى، وتأثيراً أوسع.

تداعيات على استراتيجيات العلامة التجارية

بالنسبة لقادة الأعمال في الخليج، أصبحت الرسالة واضحة: يجب على البنوك وشبكات المدفوعات أن تدمج الثقة والأخلاقيات في سرديتها المؤسسية، وهذا لا يعني مجرد شعارات دعائية، بل سياسات ومنتجات تُظهر الموثوقية والاهتمام.

ومع استمرار الجهات التنظيمية في رفع سقف المعايير –من حوكمة المصرفية المفتوحة إلى متطلبات الخصوصية– فإن العلامات التي تتبنّى هذه المعايير مبكراً ستتمتع بأفضلية تنافسية.

كذلك، لم تعد التكنولوجيا وحدها كافية إذا تم تجاهل احتياجات الإنسان. فالمستهلكون يرون الخدمات المالية كعقد اجتماعي: البيانات يجب أن تُستخدم بأخلاقية، والرسوم يجب أن تكون عادلة، ويجب أن يكون هناك قيمة طويلة الأمد تتجاوز الراحة اللحظية.

على أرض الواقع، ينبغي للعلامات المالية في الخليج أن تبرز التزامها بالامتثال والحماية في تواصلها مع العملاء، وأن تتعاون مع شركات تكنولوجيا مالية ذات مسؤولية اجتماعية، وتعطي الأولوية للشفافية، ويجب عليها أيضاً قياس النتائج بناءً على مؤشرات اجتماعية –مثل عدد العملاء الجدد الذين انتقلوا من حالة «غير مصرفية» إلى استخدام بطاقات الائتمان أو خطط التوفير، أو مدى سرعة حل النزاعات– وجعل هذه الأرقام جزءاً من سرديتها المؤسسية، وتشير الأبحاث إلى أن مثل هذه الخطوات تُسهم فعلياً في النمو وتمنح العلامة ميزة تنافسية في سوق مزدحم.

وأخيراً، لا بد من التذكير بالسياق الأوسع: فبنوك الخليج تفوقت على نظيراتها العالمية بفضل متانة ميزانياتها وارتفاع الطلب، لكن هذا النجاح لا ينبغي أن يُفضي إلى التراخي، فمع الأرباح المرتفعة وتمكين المستهلكين بالتكنولوجيا، فإن المعركة القادمة ستكون على مستوى الثقة والغاية.

وباختصار، في عالم البنوك والمدفوعات في الخليج، ستكون العلامات التجارية «الأكثر فائدة» –تلك التي تساعد الناس على الازدهار بما يتجاوز المعاملات اليومية– هي التي تخلق القيمة الأكثر ديمومة على المدى الطويل.