تصاعد التوتر بين إيران وإسرائيل في السنوات الأخيرة نتيجة البرنامج النووي الإيراني الذي تتهمه تل أبيب بأنه غطاء لتطوير سلاح نووي.
وتخشى إسرائيل من وصول طهران إلى مرحلة تخصيب اليورانيوم بنسبة تفوق 90%، وهو المستوى المستخدم لصُنع القنابل النووية، في المقابل تؤكد إيران أن برنامجها سلمي.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1738926244764-0'); });
بين التأكيد والنفي شنّت إسرائيل عدة هجمات سيبرانية وجوية استهدفت منشآت نووية مثل نطنز وأصفهان، فاليورانيوم بات محور الصراع، حيث ترى إسرائيل في تخصيبه تهديداً وجودياً، فيما تستخدمه إيران كورقة ضغط في المفاوضات، الحرب ليست عسكرية فقط، بل تدور أيضاً في الخفاء داخل المفاعلات والمختبرات النووية.
وما بين إصرار الطرفين على تأكيد رواية كل منهما والكل بطل في روايته، كما تقول الأسطورة، هناك في وسط إفريقيا وتحديداً في النيجر، صراع على نار هادئة بشأن اليورانيوم ما ينذر بواقع أليم للعالم إذا خرجت الأمور عن السيطرة في بلد يعد من الأكبر إنتاجاً لليورانيوم في العالم.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1739447063276-0'); });
تأميم «سومير»
بعيداً عن ضجيج الحرب في الشرق الأوسط وفجر يوم 20 يونيو 2025، أعلن المجلس العسكري الحاكم في النيجر تأميم وحدة تابعة لشركة «أورانو» الفرنسية لتعدين اليورانيوم، في أحدث خطوة تعمّق الشرخ بين باريس ونيامي.
وكانت شركة أورانو قد فقدت السيطرة التشغيلية على شركة «سومير» التابعة لها في النيجر العام الماضي.
كذلك أعلن التلفزيون النيجري الرسمي أنه «في مواجهة السلوك غير المسؤول وغير القانوني الذي يفتقر إلى الولاء لشركة أورانو المملوكة للدولة الفرنسية، الدولة التي تعادي النيجر بشكل علني، قررت النيجر من منطلق السيادة الكاملة، تأميم سومير».
ويشكّل تعدين اليورانيوم في النيجر محور مواجهة بين المجلس العسكري الذي تولى السلطة عام 2023 وشركة أورانو التي تملك الدولة الفرنسية 90% منها وتشغّل مناجم في النيجر منذ عقود.
ومنذ الانقلاب العسكري عام 2023، ابتعد حكام النيجر الجدد عن المستعمرة السابقة فرنسا واتهموها بدعم الجماعات الانفصالية وسعوا إلى توثيق علاقاتهم مع روسيا.
وفي عام 2024 كفت النيجر يد شركات 3 تابعة لأورانو هي سومير وكوميناك وإيمورارين، عن تشغيل مناجم رئيسية في البلاد تضم أكبر رواسب اليورانيوم في العالم.
وتملك أورانو رسميا حصة تبلغ 60% في الشركات التابعة لها، وقد اتخذت إجراءات تحكيمية مختلفة لاستعادة السيطرة التشغيلية.
النيجر.. بلد اليورانيوم المنسي
ورغم كونها واحدة من أفقر دول العالم، تقف النيجر على كنز استراتيجي لا يُقدّر بثمن وهو اليورانيوم، هذه المادة التي تشكّل عصب الصناعات النووية، كانت وما زالت تلعب دوراً محورياً في علاقات النيجر بالعالم الخارجي خصوصاً مع القوى الغربية وعلى رأسها فرنسا، ومع تصاعد النقاشات حول العدالة الاقتصادية والسيادة الوطنية، يُعاد تسليط الضوء على تاريخ هذا البلد الإفريقي مع اليورانيوم، وكيف أصبح رمزاً للتناقض بين الثروة الطبيعية والفقر المزمن.
يورانيوم النيجر والحقبة الاستعمارية
بدأ استغلال اليورانيوم في النيجر منذ الستينيات بعد استقلالها عن فرنسا عام 1960، ومع اكتشاف رواسب غنية في منطقة أرليت شمال البلاد، سارعت فرنسا إلى ترسيخ نفوذها عبر شركة «كوميناك» و«سومير، اللتين تأسستا كشركات مشتركة بين الدولة النيجيرية ومجموعة «أورانو» الفرنسية سابقاً، التي لا تزال الفاعل الأبرز في قطاع التعدين بالبلاد.
ورغم الشراكة الاسمية، فإن الغلبة في القرار والتحكم المالي كانت دائماً للطرف الفرنسي، في نموذجٍ يُجسّد التبعية الاقتصادية بعد الاستعمار، حيث تحصل النيجر على عائدات ضئيلة جدًا مقارنة بقيمة اليورانيوم المصدر.
النيجر بين كبار منتجي اليورانيوم
تُعد النيجر من بين أكبر 5 منتجين لليورانيوم في العالم، حيث تنتج سنوياً بين 2000 و3000 طن من اليورانيوم المركز (U3O8)، بحسب بيانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وتُقدّر الاحتياطات المؤكدة بأكثر من 300 ألف طن، ما يجعلها ثاني أكبر احتياطي في إفريقيا بعد ناميبيا.
رغم ذلك، فإن العوائد المالية المتأتية للدولة من هذا القطاع لا تعكس حجم الثروة، ففي عام 2020 مثلاً، لم تتجاوز عائدات النيجر من صادرات اليورانيوم 1.4% من الناتج المحلي الإجمالي، وفق تقارير البنك الدولي، وهو رقم يثير الكثير من التساؤلات حول العدالة في توزيع العوائد.
الشركات العاملة.. السيطرة الفرنسية وبعض التنوع
وكما ذكرت سلفاً وضع شركة «أورانو» الفرنسية التي تُهيمن على المشهد منذ عقود، لكن في السنوات الأخيرة، بدأ مشهد الشركات يتغير تدريجياً، حيث دخلت شركات أجنبية من الصين والهند وكندا على الخط خصوصاً في منطقة «إيمورارين»، التي يُعتقد أنها تضم أحد أكبر مناجم اليورانيوم غير المستغلة في العالم.
ورغم هذه التنوع الظاهري، فإن السياسات الضريبية والامتيازات لا تزال غير شفافة، ما يزيد الشكوك بشأن استفادة النيجر الحقيقية من هذا التعدد، ودفع بالتبعية إلى قرار التأميم.
تصدير اليورانيوم من النيجر.. فرنسا أولاً
تصديرياً تستحوذ فرنسا على نصيب الأسد الأوحد من صادرات اليورانيوم من النيجر، فتلك الصادرات مسؤلة عن تشغيل مفاعلات فرنسا التي تنتج أكثر من 70% من الكهرباء الباريسية، هذا المشهد يقابله مشهد مناقض تماماً ويحمل مفارقة عبثية كبيرة وهي أن أكثر من 85% من سكان النيجر لا يحصلون على الكهرباء، ما يكشف عمق التناقض بين ما تنتجه البلاد وما تستفيد منه.
صراع السيادة والعدالة
خلال الأعوام الأخيرة، تصاعد الغضب الشعبي في النيجر إزاء ما يعتبره المواطنون نهبًا منظمًا للثروات تحت غطاء الشراكات الدولية، هذا الغضب تفجّر في احتجاجات مناهضة للوجود الفرنسي، ورافقه تحرك من السلطات العسكرية الجديدة بعد الانقلاب في 2023 لتعليق بعض التراخيص ومراجعة الاتفاقيات.
ورغم الوعود بالتحول نحو شراكات أكثر عدالة، تبقى العقبات كبيرة خصوصاً في ظل ضعف البنية التحتية، وقلة الكفاءات المحلية، واعتماد الميزانية العامة على المساعدات الخارجية.
حفاة على جسور الثروة
ورغم أن الحديث عن العدالة لا يفارق الساسة حول العالم، فإن شمس تلك العدالة ستظل غائبة سواء في صراع الشرق الأوسط، أو في تجربة النيجر مع اليورانيوم التي تكشف مثالاً صارخاً على التناقض بين الثروات الطبيعية والفقر التنموي، ويبقى التحدي الأكبر أمام النيجر اليوم هو الانتقال من «الاستغلال» إلى «الاستثمار السيادي»، بما يضمن استفادة حقيقية من كنزها الأصفر، وإلّا قد يستيقظ العالم يوماً ما على ثورة يقودها فقراء اليورانيوم المنسي وما أدراكم ما اليورانيوم المنسي.