الرسوم الجمركية الانتقامية التي فرضتها الصين على المنتجات الزراعية الأميركية من الذرة إلى الدجاج تهدف إلى الإضرار بقاعدة الناخبين لدونالد ترامب، حسب خبراء ومحللين، لكنها تظل مقيدة بما يكفي للسماح بمناقشة صفقة تجارية.
منذ توليه منصبه في يناير كانون الثاني، أطلق ترامب عاصفة من الرسوم الجمركية ضد الأصدقاء والأعداء على حد سواء، وهذا الأسبوع رفع الرسوم الجمركية الشاملة على المنتجات الصينية، ما أضاف إلى مجموعة كبيرة من الرسوم القائمة.
ردت بكين بسرعة بتدابير مضادة تستهدف واردات المنتجات الزراعية الأميركية، التي يتم إنتاج الكثير منها في المناطق الريفية التي صوتت لصالح ترامب في انتخابات نوفمبر تشرين الثاني.
وقال إيفن باي، محلل زراعي في شركة تريفيوم تشاينا، وهي شركة أبحاث سياسية، إن الرسوم الجمركية الصينية «يتم ضبطها لضرب ترامب تحديداً، في الولايات الحمراء الزراعية التي صوتت له».
وقال باي لوكالة فرانس برس «إن هذه الاستجابات يتم طرحها بسرعة أيضاً.. (ما يشير إلى) أن المسؤولين في بكين لديهم بالفعل خطة عمل ومن المرجح أن تكون لديهم قائمة واسعة من الأهداف المحتملة».
استوردت الصين منتجات زراعية أميركية بقيمة 29 مليار دولار في عام 2023، أكثر من أي دولة أخرى، وفقاً لوزارة الزراعة الأميركية.
وابتداء من يوم الاثنين، ستفرض بكين بالإضافة إلى الرسوم الجمركية الحالية رسوماً إضافية تتراوح بين 10 و15 في المئة على العديد من المنتجات الزراعية الأميركية.
ستخضع منتجات ضمنها الدجاج والقمح والذرة والقطن الأميركية للرسوم الأعلى، بينما تخضع فول الصويا والذرة الرفيعة ولحم الخنزير ولحوم البقر والمنتجات المائية والفواكه والخضراوات ومنتجات الألبان لمعدل أقل قليلاً.
يبدو أن التدابير المضادة من المرجح أن تسبب ألماً اقتصادياً أكبر في المناطق الجمهورية مقارنة بالمناطق الديمقراطية، كما تشير الأبحاث.
في جولة سابقة من التعريفات الجمركية الانتقامية التي فرضتها بكين الشهر الماضي على واردات منتجات الطاقة والسيارات والآلات الأميركية تبين أنها يمكن أن تؤثر على ما يصل إلى 700 ألف وظيفة، وفقاً لمؤسسة بروكينجز، وهي مؤسسة بحثية أميركية غير حزبية.
وخلص التحليل الذي نُشر في فبراير إلى أن ما يقرب من ثلثيهم يقعون في المقاطعات التي صوتت لصالح ترامب في الانتخابات الأخيرة.
كما وجد تحليل لوكالة فرانس برس أن العديد من الوظائف الأكثر عرضة لتحمل العبء الأكبر من الرسوم الجديدة يوم الثلاثاء يبدو أنها تتجمع في معاقل الجمهوريين.
في ولاية إلينوي، التي فازت بها منافستها الديمقراطية كامالا هاريس في نوفمبر، لا تزال خمس من أكبر مقاطعات إنتاج فول الصويا في البلاد تتأرجح بشكل حاسم لصالح ترامب.
وبحسب بيانات وزارة الزراعة الأميركية، فإن فول الصويا، الذي يستخدم على نطاق واسع في تغذية الحيوانات، كان أكبر صادرات المزارع الأميركية إلى الصين في عام 2023.
وكررت مجموعة صناعة فول الصويا الرئيسية هذا الأسبوع معارضتها القديمة للرسوم الجمركية وحذرت من عواقب كارثية على المزارعين.
وفي حين دفع ترامب إعانات للمزارعين للتعويض عن آلام حربه التجارية الأولى، قال فيليب براون، الأستاذ السريري في المالية بكلية كيلوج للإدارة بجامعة نورث وسترن: «هذه المرة.. ستكون التكلفة كبيرة للغاية».
قال وو شينبو، أستاذ وعميد معهد الدراسات الدولية بجامعة فودان في شنغهاي، إن الإجراءات لن تزيد من الضغط السياسي على ترامب من خلال الضغط على الصادرات الأميركية وتفاقم التضخم.
وقال إنه على المدى الأبعد «سيكون لها تأثير غير مواتٍ على الجمهوريين في انتخابات التجديد النصفي العام المقبل».
لكن بعض الأبحاث تشير إلى أن تأثير الرسوم الجمركية على الولايات الحمراء قد لا يكون كافياً لإبعاد الناخبين الجمهوريين عن ترامب.
وفقاً لدراسة نشرها في يناير كانون الثاني المكتب الوطني للأبحاث الاقتصادية، وهو مؤسسة بحثية أميركية غير حزبية، فإن الحرب التجارية الأولى التي خاضها الزعيم الأميركي مع الصين في عامي 2018 و2019 جلبت أيضاً صعوبات اقتصادية إلى معاقل أميركا الجنوبية والغرب الأوسط.
لكن الناخبين هناك ما زالوا أكثر ميلاً للتصويت لترامب في انتخابات 2020، عندما خسر أمام الديمقراطي جو بايدن، وفقاً للتقرير.
على الرغم من السجل المختلط، قال درو تومسون، زميل بارز في كلية إس راجاراتنام للدراسات الدولية بجامعة نانيانغ التكنولوجية في سنغافورة، إن «التزام ترامب بالرسوم الجمركية وإعادة تنشيط التصنيع مدعوم بقوة من قاعدته».
وقال تومسون لوكالة فرانس برس «كلما زادت الصين عدوانية، زاد دعم قاعدته له».
وتعهد وزير الخارجية الصيني وانغ يي يوم الجمعة «بمواجهة» الضغوط التجارية من واشنطن «بحزم».
لكن الخبراء قالوا إن بكين مارست ضبط النفس حتى الآن مقارنة بالرسوم الشاملة التي فرضها ترامب.
وقال شي ين هونغ، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة بكين الذي نصح الحكومة الصينية، إن الاستجابة المحدودة كانت «بسبب الفجوة في الوسائل والقوة والمرونة» مقارنة بالولايات المتحدة.
لكن سوزان شيرك، المديرة الفخرية لمركز الصين للقرن الحادي والعشرين بجامعة كاليفورنيا في سان دييغو، قالت إن الأمر أظهر أيضاً أن بكين تأمل في مناقشة مشاكلها التجارية مع واشنطن.
وقال شيرك لوكالة فرانس برس إن بكين «لم تفعل شيئاً يمنع إمكانية التفاوض على اتفاق، وهو المسار الذي تفضله كثيراً».