يبدأ الرئيس الأميركي دونالد ترامب أسبوعاً آخر من حروبه التجارية، ويواجه حاجة مُلحة لتهدئة الصدام الذي أشعله مع الصين قبل أن يُلحق ضرراً بالغاً بالاقتصاد الأميركي.
يرفض الرئيس الصيني شي جين بينغ حتى الآن الضغط الأميركي للتوصل لصفقة بعد أن فرضت الولايات المتحدة رسوماً جمركية بنسبة 145 في المئة على منافستها العظمى، ما أثار مخاوف من مواجهة مباشرة تجنبها الجميع لعقود.
ترامب يُطمئن الأميركيين مراراً وتكراراً بأن «علاقته الرائعة» مع الزعيم الصيني ستُجنّبهم أزمة، لكنه عاجز عن بدء محادثات في مواجهة تُنذر بانهيار أسواق الأسهم مجدداً وفرض أعباء شديدة على الأميركيين.
المأزق خطير جداً لأن الاقتصادين الأميركي والصيني مُتشابكان بشكلٍ مُعقّد.
تعتمد الولايات المتحدة على الصين في الإلكترونيات الاستهلاكية، والمعادن الأرضية النادرة المُستخدمة في تصنيع السيارات الكهربائية والمعدات العسكرية والروبوتات، والأدوية والسلع الأساسية مثل الملابس والأحذية.
على الجانب الآخر، تُعدّ صادرات الولايات المتحدة من المنتجات الزراعية مثل فول الصويا والذرة الرفيعة إلى الصين حيوية لضمان قوت يوم المزارعين الأميركيين، لكنّ الرسوم الجمركية التي يفرضها الجانبان باهظة للغاية لدرجة أنها تهدد بتوقف التجارة بينهما تماماً.
فرضت الصين رسوماً جمركية متبادلة بنسبة 34 في المئة على جميع الواردات من الولايات المتحدة بدءاً من 10 أبريل، بالإضافة إلى تقييد تصدير سبعة أنواع من المعادن الأرضية النادرة، مثل الساماريوم والغادولينيوم والتربيوم.
أُثيرت شكوك حول قدرة ترامب على التحمل على المدى الطويل عندما أوقف فجأة فرض الرسوم الجمركية المتبادلة على عشرات الدول الأسبوع الماضي لمدة 90 يوماً بعد أن بدأت عمليات البيع في سوق السندات تُشير إلى أزمة مالية متنامية، ولا شك أن بكين قد راقبت هذا التراجع عن كثب.
لكن في سعيه لتخفيف حدة الموقف فاقم ترامب الوضع، حيث هاجم الصين برسوم جمركية بنسبة 145 في المئة في محاولة واضحة لحفظ ماء الوجه.
وتصر الإدارة على أن تحركاتها المفاجئة ورسائلها غير المتسقة كانت جزءاً من الخطة منذ البداية، وتصرّ على أن استراتيجياتها ناجحة، مُجادلةً بأن عشرات الدول المُشمولة بالرسوم الجمركية المتبادلة، المُعلّقة الآن، قد سارعت إلى تقديم صفقات مُذهلة لترامب للهروب من الضغوط الأميركية، مُراهنين على أن قوة الاقتصاد الأميركي ستُجبر الصين نفسها على تقديم تنازلات.
وتتجاهل الإدارة التحذيرات من أن الصين يمكن أن تؤذي الولايات المتحدة بقدر ما يمكن لواشنطن أن تؤذيها.
قال وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت، الأسبوع الماضي على قناة CNBC «إن الولايات المتحدة لا تُصدر سوى خُمس إجمالي قيمة البضائع التي تُرسلها بكين إلى الولايات المتحدة، لذا فإن اقتصاد الصين سيتضرر بشدة في حال اندلاع حرب تجارية».
إذا نجح ترامب في إعادة صياغة العلاقة التجارية الأميركية مع الصين، فسيُعلن عن إنجاز كبير في عهد جديد لعلاقات واشنطن مع بكين، بعد أن فشلت الولايات المتحدة منذ بداية القرن الحالي في إلزام بكين بقواعد النظام التجاري العالمي وتعزيز الإصلاحات السياسية داخل البلاد.
يرى بيتر نافارو، مستشار البيت الأبيض للتجارة، أن الصفقات هي الحل للأزمة، وصرح على قناة NBC بأنه «في ظلّ سيناريو تحت السيطرة تماماً لدينا 90 صفقةً مُعلّقةً خلال 90 يوماً».
سيكون هذا النوع من معدل النجاح في التفاوض على الصفقات التجارية، التي عادةً ما يستغرق إبرامها سنوات، لافتاً للنظر.
هناك احتمال أن تقدم دول مثل اليابان والهند وكوريا الجنوبية، بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي، تنازلات ستمثل انتصاراً كبيراً لترامب، دون أن تُحدث هذه التنازلات تغييراً جذرياً في العلاقات التجارية الثنائية.
هذا يعني أن أهم أسباب حرب ترامب الجمركية، وهو إعادة الصناعات إلى أميركا، لن يتحقق، ولن تبرر المكاسب الطفيفة لترامب تريليونات الدولارات التي أضاعتها أفعاله على أسواق الأسهم العالمية، والخسائر التي ألحقها بملايين حسابات التقاعد الأميركية.
وهناك دلائل متزايدة على أن الإدارة الاقتصادية الفوضوية للرئيس تُضعف مكانته السياسية بطريقة مُضرة بشكل خاص بالمشرعين الجمهوريين في العام الذي يسبق انتخابات التجديد النصفي.
أظهر استطلاع جديد أجرته شبكة سي بي إس، أمس الأحد، أن 44 في المئة فقط من المشاركين راضون عن أداء الرئيس الاقتصادي، بينما يرفضه 56 في المئة، بينما يوافق 40 في المئة فقط على تعامله مع التضخم، ويرفضه 60 في المئة، ويتوقع 75 في المئة ارتفاعاً في الأسعار على المدى القصير بسبب الرسوم الجمركية، بينما يتوقع 48 في المئة زيادات طويلة الأجل.
هذا ونحن لم نعانِ من التأثير الحقيقي للرسوم الجمركية على ارتفاع الأسعار بعد، وهذا أمر شديد الأهمية خاصةً أن ترامب تعهد بخفض أسعار الغذاء والسكن خلال حملته التي قادته للفوز بالانتخابات نوفمبر الماضي.
الأمر الأسوأ أن سحر ترامب كصانع صفقات بارع، والذي كان العامل الرئيسي في جاذبيته، يواجه الاختبار الأصعب في حياته.