بعيون عربية.. الإمارات تطلق مؤشر الدبلوماسية الاقتصادية

بعيون عربية.. الإمارات تطلق مؤشر الدبلوماسية الاقتصادية (صورة أرشيفية)
بعيون عربية..  الإمارات تطلق مؤشر الدبلوماسية الاقتصادية
بعيون عربية.. الإمارات تطلق مؤشر الدبلوماسية الاقتصادية (صورة أرشيفية)

في عصر باتت فيه البيانات تحكم العلاقات الدولية، أطلقت أكاديمية أنور قرقاش الدبلوماسية في تقريرها الأخير حول الدبلوماسية الاقتصادية 2024- 2025 نسخة مطوّرة محلياً من مؤشر الدبلوماسية الاقتصادية، لتملأ الفراغ الذي تركته المؤشرات العالمية التي غالباً ما تتجاهل الدول العربية في مقارناتها.

وبينما يستند النموذج الأصلي (الذي وضعه معهد لوي في أستراليا) إلى قوى آسيا والمحيط الهادئ، صاغت الإمارات نموذجاً يعكس خصوصية اقتصادها الذي يمزج بين الانفتاح التجاري، واستراتيجيات الصناديق السيادية، والمساعدات الخارجية، في منظومة متكاملة لبناء النفوذ.

googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1738926244764-0'); });

وقام الفريق البحثي على المؤشر، والذي يضم كلاً من: الدكتور أحمد رشاد، مدير التقرير، والباحثة آلاء الشاذلي، بمحاولة مبتكرة لتضمين الإمارات ضمن مؤشر معهد لوي الذي يستثني عادةً دول الخليج معتمدين على نهج تحليلي يجمع بين اتفاقيات التجارة الحرة والمساعدات الخارجية الرسمية (ODA) كنسب من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما كشف عن أرقام مذهلة.

مؤشر محلي الصنع

وقال أحمد رشاد أستاذ الاقتصاد والباحث في منتدى البحوث الاقتصادية وأستاذ مساعد في أكاديمية أنور قرقاش الدبلوماسية لـCNN الاقتصادية أعدنا حسابات مؤشر الدبلوماسية الاقتصادية الذي تصدره معهد ليوي في أستراليا بطريقة تسمح لنا بإدراج الإمارات في المؤشر الذي يستقصي عادة الدول العربية من ترتيب الدبلوماسية الاقتصادية.

googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1739447063276-0'); });

ويعتمد مؤشر الدبلوماسية الاقتصادية حسب وجهة نظر المعهد على مؤشرين أساسيين الأول هو حجم المساعدات الخارجية وعدد الاتفاقيات التجارية الحرة.

وبرأي رشاد أن الإمارات استطاعت التفوق على دول ذات حجم اقتصادي أكبر مثل روسيا والهند، إذ حلت في الترتيب الخامس من بين الدول المصنفة، ومنها الصين واليابان وأميركا.

وبحسب التقرير حلت الإمارات في المركز الخامس عالمياً في حجم المساعدات الخارجية المقدّمة إلى الدول النامية، بمبلغ بلغ 1.76 مليار دولار في عام 2020، كما خصصت الإمارات 0.5 في المئة من ناتجها المحلي الإجمالي للمساعدات، وهي أعلى نسبة بين جميع الدول التي شملها المؤشر، متفوقة حتى على الولايات المتحدة واليابان.

وأفاد التقرير بأن الولايات المتحدة، رغم كونها أكبر المانحين في حجم المبلغ، كانت أقل سخاء في نسبة المساعدات من الناتج المحلي مقارنة بالإمارات، هذا الفارق النوعي في المعايير يشكّل نقطة تحول في طريقة فهم القوة الناعمة الخليجية، ويؤكد أن النفوذ لم يعد يُقاس فقط بالحجم، بل بالنسبة والتأثير والموقع.

أما في ما يتعلق بالمؤشر الثاني الخاص باتفاقيات التجارة الحرة أفاد رشاد بأن الإمارات وقعت نحو 24 اتفاقية تجارة حرة حتى نهاية 2024 لكن هذا العدد لم يدخل في المؤشر المعتمد لضرورات التوافق مع مؤشر لوي لقياس الدبلوماسية الاقتصادية الذي يعتمد على بيانات 2022.

ورغم أن مؤشر معهد لوي يركّز أساساً على قوى آسيا والمحيط الهادئ، سعى الباحثون الإماراتيون إلى تعديل نطاق القياس ليتماشى مع البعد العالمي للدبلوماسية الإماراتية، خاصة أن الدولة وقّعت حتى نهاية 2024 ما يزيد على 24 اتفاقية شراكة اقتصادية شاملة (CEPA)، ما يضعها في صدارة الدول النامية في الحضور التجاري العالمي.

وتوقع رشاد أن يواصل عدد الاتفاقات الشراكة الاقتصادية الشاملة CEPA في التزايد المتواصل، الأمر الذي يعزز أداء الدبلوماسية الاقتصادية للإمارات مع العلم أن الصين تصدرت الترتيب في قوة الدولة الاقتصادية في المساعدات وفي اتفاقات التجارة الحرة، تلتها سنغافورة.

وأشار التقرير إلى أن الإمارات سجّلت 20 نقطة في المؤشر المعدل، أي ما يعادل 20 في المئة من قوة الصين الدبلوماسية الاقتصادية، علماً أن الاقتصاد الإماراتي لا يمثل سوى 2 في المئة فقط من حجم اقتصاد الصين، «فالقيمة ليست في الحجم بل في الكفاءة والسرعة والمرونة»، كما ورد في التقرير.

رؤية تتجاوز التصنيف

الأهم من النتائج هو التوجّه المستقبلي، إذ يعمل الفريق الإماراتي حالياً على إطلاق مؤشر عالمي جديد للدبلوماسية الاقتصادية، بمقاربة أكثر شمولية وعدالة لدول الجنوب، بما فيها الدول العربية، بعيداً عن المقاربات الغربية التقليدية التي تحصر مفاهيم القوة في إطار جغرافي أو سياسي ضيق.

هذا التصنيف ليس مجرد أداة لصانعي القرار في أبوظبي؛ إنه بيان موجه إلى العالم العربي بأسره، فلأعوام طويلة، كانت الدبلوماسية العربية تُدار بردود الأفعال، مستندة إلى عائدات النفط أو تحالفات أمنية أو توازنات تاريخية، أما اليوم فتتحول الدبلوماسية الاقتصادية إلى أصل استراتيجي قابل للقياس والتصدير وفق التقرير.

وتكمن أهمية المؤشر في بُعدين استراتجيين، يتمثل الأول في ترسيخ موقع الإمارات كنقطة مرجعية ليس فقط إقليمياً، بل عالمياً وفي كيفية تمكّن الدول الصغيرة والمتوسطة من توسيع نفوذها عبر أدوات اقتصادية دقيقة، ويثبت البعد الثاني قدرة العواصم العربية على إنتاج المؤشرات لا مجرد استهلاكها في وقت كانت هذه المفاهيم تُصاغ حصراً في مراكز أبحاث غربية لأن القوة في النهاية، ليست فقط في ما تملكه، بل في كيف تقيسه.