لو اجتمعت البيتزا مع الدونات في وصفة واحدة، فالنتيجة ستكون طبقاً اسمه «لانغوش» في المجر، هو ليس فقط وجبة شعبية، بل صار رمزاً من رموز الهوية الغذائية في بلد تحاول تحويل أطباق الشارع إلى فرص اقتصادية واعدة.
لانغوش.. أكثر من مجرد طعام شارع
لانغوش هو خبز عجين يُقلى في الزيت حتى يتحوّل إلى قطعة ذهبية مقرمشة من الخارج وطرية من الداخل، وغالباً ما يُغطّى بطبقة سخية من الكريمة الحامضة والجبن وزيت الثوم، قد يبدو بسيطاً، لكنه يحمل في قوامه ومذاقه تاريخاً طويلاً، ويمثل اليوم أحد أهم عناصر الجذب السياحي في الشوارع والأسواق المجرية.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1738926244764-0'); });
السياحة الغذائية في المجر.. أرقام وإحصائيات
شهد قطاع السياحة في المجر نمواً ملحوظًا في عام 2024، إذ استقبلت البلاد أكثر من 18 مليون سائح، بزيادة قدرها 11 في المئة مقارنة بالعام السابق، أسهم هذا النمو في تعزيز الاقتصاد المحلي، إذ بلغت إيرادات الإقامة والضيافة نحو 1,050 مليار فورنت مجري، بزيادة نسبتها 16 في المئة عن عام 2023.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1739447063276-0'); });
شهدت المجر، خاصة منذ تعافي العالم من جائحة كورونا، قفزات واضحة في حركة السياحة الوافدة، فبعد الانهيار شبه الكامل في عام 2020، إذ انخفض عدد السياح بنسبة تفوق 50 في المئة، عادت بودابست لتكون ضمن أبرز الوجهات الأوروبية، مع معدلات نمو سياحي تراوحت بين 11 في المئة و37 في المئة في السنوات اللاحقة، عزز هذا الزخم السياحي من أهمية رموز الهوية المحلية، مثل وجبة «لانغوش»، كجزء أساسي من تجربة الزائر.
وفي عالم يتجه فيه الذوق العام إلى الأكلات السريعة الفريدة وغير التقليدية، يبرز لانغوش كفرصة ذهبية لمشاريع غذائية محلية وعالمية، خصوصاً في ظل الطلب المتزايد على «النكهات التراثية» التي يُعاد تقديمها بلمسات حديثة.
وعند تحليل هيكل إنفاق السائح في المجر، نجد أن الطعام والمشروبات تُمثل ثاني أكبر بنود الإنفاق بعد الإقامة بنسبة تصل إلى 28 في المئة، وهذا يعكس أهمية المطبخ المحلي ليس فقط في جذب السائح، بل أيضاً في تحفيز الدورة الاقتصادية الداخلية من خلال استهلاك المنتجات الوطنية (كالجبن والقشطة المحلية والثوم المجري).
مع ارتفاع الطلب، برز أثر التضخم جلياً على الأسعار، فبين عامي 2020 و2024، ارتفع متوسط سعر لانغوش بنسبة تقارب 75 في المئة، ورغم ذلك، تبقى الوجبة في المتناول مقارنة بالأغذية السياحية الأخرى، ما يجعلها خياراً استراتيجياً من حيث القيمة مقابل المال، سواءً للسائح محدود الميزانية أو الباحث عن تجربة أصيلة دون إنفاق مبالغ كبيرة.
ما يلفت النظر هو كيف أصبحت لانغوش جزءاً من «الاقتصاد التجريبي» أو ما يُعرف بـExperience Economy، إذ يبحث السائح عن تجربة أصيلة تمزج بين النكهة والثقافة والهوية، والمفارقة أن بساطة هذه الوجبة التي تشبه مزيجاً بين البيتزا والدونات، تُحقق هذا الهدف بفاعلية، لتتحول من طعام شارع بسيط إلى سفير غير رسمي للمجر حول العالم.
بدأت عدد من الشركات الناشئة في المجر تستثمر في تطوير عربات ومطاعم متخصصة في هذا الطبق، مستفيدة من الشعبية المتنامية له على مواقع التواصل الاجتماعي ومن الارتفاع الملحوظ في إنفاق السياح على تجارب الطعام المحلي.
من منظور اقتصادي أوسع، تمثل هذه الحالة مثالاً حياً على قوة المنتجات الغذائية الشعبية في دعم السياحة المستدامة وتنشيط الاقتصادات المحلية من القاعدة إلى القمة، خاصة في البلدان التي لا تعتمد على السياحة الفاخرة بل على جاذبية الثقافة والتقاليد.
وبينما تتجه العديد من دول أوروبا الشرقية نحو دعم اقتصادات المأكولات الشعبية، تُعد المجر نموذجاً يُحتذى في تحويل أكلة الشارع إلى قصة نجاح اقتصادية، فهل نرى «لانغوش» قريباً ضمن سلاسل مطاعم عالمية؟ وماذا لو تم توطينه في أسواق جديدة كدول الخليج؟
طبق «لانغوش» المجري ليس جديداً على المائدة الشعبية، لكنه شهد في السنوات الأخيرة طفرة لافتة في الانتشار محلياً وعالمياً، خصوصاً مع تزايد الاهتمام العالمي بالمأكولات التراثية.