هجرة العقول من أميركا.. وفرصة ذهبية لباقي العالم

نزيف العقول من أميركا.. وفرصة ذهبية لباقي العالم (شترستوك)
نزيف العقول من أميركا.. وفرصة ذهبية لباقي العالم
نزيف العقول من أميركا.. وفرصة ذهبية لباقي العالم (شترستوك)

من كان يصدق أن الحلم الأميركي الذي راود العالمة البرازيلية دانييلي بيكمان طوال حياتها سينقلب في يومٍ ما إلى كابوس؟ اعتقدت بيكمان التي انتقلت عام 2017 إلى مركز كاليفورنيا الوطني لأبحاث الرئيسيات بجامعة كاليفورنيا، ديفيس، أن الولايات المتحدة هي موطن العلم والفرص، لكنّ الأمور تغيرت مع بداية الولاية الثانية لدونالد ترامب.

ففي ظل موجة غير مسبوقة من خفض التمويل والتضييق على الجامعات والنخب العلمية، باتت بيكمان تبحث عن فرص بديلة في ألمانيا وفرنسا، بعد أن خسرت مختبراتها الأميركية منحاً تتجاوز قيمتها 2.5 مليون دولار، ووسط شعور متزايد بعدم الترحيب.

googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1738926244764-0'); });

بيكمان ليست حالة فردية؛ يخطط مئات الأكاديميين والعلماء والباحثين لمغادرة أميركا، فيما يحذر البعض من أكبر «نزيف عقول» تشهده البلاد منذ عقود، لكن ما يشكل خسارة جسيمة لأميركا، قد يمثل مكسباً استراتيجياً لبقية دول العالم.

موجة مغادرة وسباق عالمي على العقول

في الوقت الذي تجمّد فيه الإدارة الأميركية مليارات الدولارات من تمويل البحث العلمي، وتسعى لتقليص منح مؤسسات مرموقة كالمعاهد الوطنية للصحة (NIH) والمؤسسة الوطنية للعلوم (NSF)، تسارع دول عدة لسد هذا الفراغ واستقطاب الكفاءات.

googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1739447063276-0'); });

أعلن الاتحاد الأوروبي عن استثمار بقيمة 500 مليون يورو خلال ثلاث سنوات لجعل أوروبا «مغناطيساً» للباحثين، رصدت كندا 30 مليون دولار كندي لجذب مئة باحث شاب، في حين أطلقت النرويج وسنغافورة وأستراليا برامج منافسة لاستقطاب النخب الأكاديمية الأميركية.

بادرت جامعة مرسيليا في فرنسا بإطلاق مبادرة «ملاذ آمن للعلماء»، فيما أعلنت جامعة هونغ كونغ للعلوم والتكنولوجيا قبولها فوراً لأي طالب متضرر من قرارات ترامب ضد جامعة هارفارد.

حرب ترامب على الجامعات والنخب

صعّد الرئيس ترامب في ولايته الثانية المواجهة مع الجامعات الأميركية، خصوصاً مؤسسات النخبة مثل هارفارد التي دخلت في صراع قانوني مع إدارته عقب قرارها رفض إلغاء برامج التنوع والشمول، ترامب جمَّد التمويل الفيدرالي عنها، ثم أصدر قراراً بمنع قبول طلاب دوليين جدد في الجامعة، قبل أن يوقف قاضٍ فيدرالي القرار مؤقتاً.

وقال مسؤولون في البيت الأبيض إن الأولوية الآن هي «تحويل التمويل إلى المدارس المهنية والتعليم المهني لتخريج عمال مهرة مثل السباكين والكهربائيين»، في وقت هاجموا فيه التخصصات الإنسانية والاجتماعية، واعتبروا أنها «لا تفيد الاقتصاد».

نزيف تمويلي يهدد الريادة الأميركية

تكشف البيانات الفيدرالية أن تمويل الحكومة الأميركية للأبحاث والتطوير تضاعف منذ الستينيات ليصل إلى قرابة 160 مليار دولار في 2024 (بالدولار المعدل للتضخم)، ومع مساهمات القطاع الخاص، يتجاوز هذا الرقم 900 مليار دولار في 2023.

لكن إدارة ترامب ألغت، خلال أسابيع، نحو 700 منحة من المعاهد الوطنية للصحة بقيمة 1.8 مليار دولار، واقترحت خفض موازنتها بنسبة 40 في المئة في عام 2026، كما ألغت المؤسسة الوطنية للعلوم منحاً بقيمة 1.4 مليار دولار، ما دفع 16 ولاية لرفع دعاوى ضد الحكومة الاتحادية.

ثلاثة أرباع العلماء الأميركيين الذين شملهم استطلاع نشرته مجلة نيتشر Nature في مارس آذار الماضي، قالوا إنهم يفكرون بالهجرة نتيجة لهذه السياسات، ومنهم أساتذة بارزون مثل جيسون ستانلي ومارسي شور وتيموثي سنايدر الذين غادروا جامعة ييل إلى كندا احتجاجاً على «العداء للحرية الأكاديمية».

العالم يستعد لوراثة الصدارة العلمية

لطالما كانت أميركا في طليعة الابتكار، إذ حصلت على أكثر من 400 جائزة نوبل، أكثر من ثلثها من نصيب مهاجرين، لكن اليوم، ومع انكماش الاستثمار العلمي وتعاظم التدخل السياسي، أصبحت الوجهة العلمية الأولى في مأزق.

تقترب الصين من اللحاق بالولايات المتحدة في حجم الإنفاق على البحث والتطوير، إذ بلغت استثماراتها أكثر من 780 مليار دولار عام 2023، مقابل 504 مليارات في الاتحاد الأوروبي، باتت هذه الدول التي كانت تتركز استثماراتها العلمية في التعليم المحلي، ترى فرصة استراتيجية لملء الفراغ الأميركي.

أما الباحثون الشباب، فهم الأكثر تأثراً بهذه المتغيرات، لكنهم أيضاً الأكثر قدرة على التحرك، كما قال البروفيسور كينيث وونغ من جامعة براون «ما نخسره الآن هو جيل كامل من الباحثين المؤهلين الذين كانوا على وشك الانطلاق... إنهم مستقبل الابتكار الذي لن ينتظر».

كانت الولايات المتحدة لعقود قِبلة العلماء، مدعومةً بميزانيات ضخمة من الحكومة الفيدرالية والقطاع الخاص، لكن السياسات الجديدة لإدارة ترامب في ولايته الثانية أحدثت زلزالاً في بنية البحث العلمي، من خلال تقليص التمويل، واستهداف الجامعات، وتشديد القيود على الطلاب والباحثين الدوليين، العالم اليوم يعيد رسم خريطة الجاذبية العلمية دون أميركا.