الفجوة بين الجنسين تكبّد الاقتصاد العالمي تريليونات.. والمساواة ما زالت بعيدة

فجوة النوع الاجتماعي في 2025.. 123 عاماً تفصلنا عن المساواة الكاملة عالمياً (شترستوك)
فجوة النوع الاجتماعي في 2025.. 123 عاماً تفصلنا عن المساواة الكاملة عالمياً
فجوة النوع الاجتماعي في 2025.. 123 عاماً تفصلنا عن المساواة الكاملة عالمياً (شترستوك)

في عالم يزداد اضطراباً، من التحوّلات التكنولوجية إلى النزاعات الجيوسياسية والتباطؤ الاقتصادي، يأتي تقرير الفجوة العالمية بين الجنسين لعام 2025 ليكشف واقعاً لا يزال بعيداً عن المساواة الكاملة، رغم التقدّم البطيء والمتفاوت بين الدول والمناطق.

سجّل المؤشر العالمي، الذي يصدر عن المنتدى الاقتصادي العالمي منذ 2006، تحسناً طفيفاً هذا العام بنسبة 0.3 نقطة مئوية، لتُغلق الفجوة عند 68.8 في المئة، وتُقدّر الفترة اللازمة لتحقيق المساواة الكاملة بين الجنسين، بالوتيرة الحالية، بـ123 عاماً، أي قرن وربع من الزمن.

googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1738926244764-0'); });

من يتصدر؟ ومن يتأخر؟

لا تزال أيسلندا الدولة الوحيدة التي تجاوزت نسبة 90 في المئة في سد الفجوة، لتحافظ على المركز الأول عالمياً للعام الـ16 على التوالي بنسبة 92.6 في المئة.

وتضم قائمة العشرة الأوائل بشكل شبه حصري دولاً أوروبية، منها فنلندا (87.9 في المئة) والنرويج (86.3 في المئة) والسويد (81.7 في المئة).

googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1739447063276-0'); });

أما من خارج القارة العجوز، فحجزت نيوزيلندا (82.7 في المئة) وناميبيا (81.1 في المئة) موقعهما ضمن النخبة.

في المقابل، جاء الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في المركز الأخير إقليمياً بنسبة 61.7 في المئة فقط، رغم التحسّن المتدرّج.

الصحة والتعليم.. إنجازات نسبية

أغلق العالم نحو 96.2 في المئة من فجوة الصحة و95.1 في المئة من فجوة التعليم، ما يعكس تقارباً واسعاً بين الجنسين في هذين المجالين.

لكن الفجوة في سوق العمل لا تزال كبيرة، إذ لم يُغلق سوى 61 في المئة منها، بينما تبقى التمكين السياسي هو التحدي الأكبر، بنسبة إغلاق لا تتعدى 22.9 في المئة.

رغم تفوق النساء في معدلات الالتحاق بالتعليم العالي على مستوى العالم، فإن هذا التفوق لا ينعكس على فرص العمل والقيادة.

فعلى سبيل المثال، تشكل النساء فقط 29.5 في المئة من كبار المديرين الحاصلين على شهادات جامعية، ما يعكس خللاً هيكلياً في تحويل التعليم إلى تمكين اقتصادي فعلي.

تقدّم لافت في بعض الدول النامية وتفاوت في أداء الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

فاجأت دول مثل بنغلاديش والمكسيك والسعودية المراقبين بتقدّمها السريع نحو سد الفجوة مقارنةً بمثيلاتها، ما يثبت أن الإرادة السياسية، والسياسات الفعّالة، قد تُحرز نتائج ملموسة بغض النظر عن مستوى الدخل.

أظهر أداء دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تبايناً واضحاً، إذ جاءت الإمارات في صدارة الترتيب الإقليمي محتلة المرتبة 69 عالمياً بنسبة إغلاق فجوة بلغت 72.4 في المئة.

سجلت الإمارات أداءً قوياً في مجالي التعليم (99.6 في المئة) والصحة (95.9 في المئة)، في حين بلغت نسبة المشاركة الاقتصادية 57.2 في المئة، والتمكين السياسي 37.2 في المئة، وهي من أعلى النسب في المنطقة.

واحتلت البحرين المرتبة 104 عالمياً بنسبة إغلاق 68.4 في المئة، مع نسبة مشاركة اقتصادية قوية بلغت 65.6 في المئة، تلتها الأردن في المرتبة 122 بنسبة 65.5 في المئة، رغم غياب التفاصيل في بعض المؤشرات.

في المرتبة 123 جاءت تونس بنسبة إغلاق 65.4 في المئة، وسجّلت نسبة تمكين سياسي متواضعة بلغت 15.7 في المئة، بينما جاءت الكويت في المرتبة 128 بنسبة 64.6 في المئة، دون تفاصيل عن المؤشرات الأخرى.

حلّت السعودية في المرتبة 132 عالمياً بنسبة إجمالية 64.3 في المئة، وسجلت تحسناً كبيراً في التعليم (99.3 في المئة) والصحة (95.8 في المئة)، إلا أن المشاركة الاقتصادية بلغت 54.4 في المئة فقط، والتمكين السياسي بقي عند مستوى منخفض جداً بلغ 7.7 في المئة.

جاءت عُمان في المرتبة 134 بنسبة 63.7 في المئة، تلاها لبنان في المرتبة 136 بنسبة 63.2 في المئة، أما المغرب فاحتل المرتبة 137 بنسبة 62.8 في المئة، مع نسبة تمكين سياسي بلغت 18.8 في المئة.

جاءت مصر في المرتبة 139 بنسبة إغلاق 62.5 في المئة، وسجلت نسباً مرتفعة في الصحة (96.9 في المئة) والتعليم (96.8 في المئة)، لكنها سجلت واحدة من أدنى نسب المشاركة الاقتصادية عند 40.6 في المئة، والتمكين السياسي عند 15.7في المئة.

أما الجزائر فجاءت في المرتبة 141 بنسبة 61.4 في المئة، وتراجعت إيران إلى المرتبة 145 بنسبة 58.3 في المئة فقط، مع مشاركة اقتصادية لا تتجاوز 34.9 في المئة.

في حين جاءت السودان في المرتبة 147، ما قبل الأخيرة عالمياً، بنسبة إجمالية 57 في المئة، وحققت 86.8 في المئة في التعليم و96.9 في المئة في الصحة، لكنها سجلت أضعف أداء في التمكين الاقتصادي عند 31.3 في المئة.

يُلاحظ أن معظم دول المنطقة تُحقق نتائج جيدة نسبياً في مجالي الصحة والتعليم، بينما تتعثر في ملفات التمكين السياسي والمشاركة الاقتصادية، ما يشير إلى فجوة هيكلية لا تزال تفصل بين التحصيل العلمي للنساء وفرص التمكين الفعلي على الأرض.

رؤية مستقبلية.. ما بين التحفيز والتحدي

إذا استمرّت الوتيرة الحالية، فقد نحتاج إلى 162 عاماً لإغلاق الفجوة السياسية، و135 عاماً في المجال الاقتصادي، بينما قد تُغلق فجوة التعليم خلال 17 عاماً فقط.

وهذه الفجوات تمثّل ضريبة خفية على النمو العالمي، من خلال إهدار المواهب، وتراجع الابتكار، وتفاقم التفاوتات الاقتصادية والاجتماعية.

المساواة بين الجنسين ليست قضية إنصاف فقط، بل خياراً اقتصادياً واستراتيجياً، تقرير 2025 يدقّ ناقوس الخطر، الفجوة تضيق، لكن ببطء.

المطلوب اليوم ليس فقط إصلاح التشريعات، بل التنفيذ الحقيقي والمساءلة، كي لا يبقى «التمكين» مجرد عنوان في التقارير.