بعد سنوات من الميل إلى السياسات الحمائية، يبدو أن تكتل دول جنوب شرق آسيا (آسيان) بدأ يتحسس طريقه نحو نهج تجاري أكثر انفتاحاً.
فمنذ عام 2020، سجّل التكتل أكثر من 1500 تدخُّل في سياسات التجارة، كانت الغالبية الساحقة منها تصنّف على أنها ضارة أو مقيّدة للتجارة، مقابل نسبة أقل بكثير من الإجراءات التي شجّعت الانفتاح أو حرية التبادل التجاري.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1738926244764-0'); });
ووفقاً لبيانات مبادرة غلوبال تريد أليرت Global Trade Alert، فإن نحو ثلثي هذه التدخلات، نحو 66 في المئة، كانت إجراءات ضارة بالتجارة، ما أدى إلى اتساع الفجوة بين السياسات الحمائية وتلك الليبرالية على مدار خمس سنوات متتالية.
التدخلات التجارية لدول الآسيان (الحمائية مقابل الليبرالية) سنوياً (2009–2025) Global Trade Alert
لكن عام 2025 يحمل مؤشرات واعدة على تحول ولو جزئياً في هذا التوجه، فمنذ بداية هذا العام، تشير البيانات إلى أن 43 في المئة من التدخلات في سياسات التجارة داخل دول آسيان كانت ذات طابع ليبرالي، أي أنها تسعى إلى تيسير التجارة لا عرقلتها.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1739447063276-0'); });
هذه النسبة تمثّل قفزة نوعية مقارنة بعام 2024 الذي لم تتجاوز فيه نسبة التدخلات الليبرالية حاجز 30 في المئة، كما أنها تتفوق على المتوسط المسجّل منذ عام 2020، والذي بلغ 34 في المئة فقط.
هذا التحول لا يعني أن التكتل قد تجاوز بالكامل فكرته التقليدية حول الحماية الاقتصادية، لكنه يعكس حالة من إعادة التوازن في فلسفة صنع القرار التجاري لدى حكومات المنطقة.
فمع تعافي سلاسل الإمداد وعودة تدفقات الاستثمار إلى مستويات ما قبل الجائحة، بدأت العديد من دول آسيان تدرك أن استمرار السياسات المقيدة قد يضعف من جاذبيتها في ساحة المنافسة العالمية، خاصة في ظل تسابق التكتلات الكبرى على توقيع اتفاقات تجارة حرة جديدة.
هذا المسار التحولي في آسيان يُقارن بوضوح مع دول أخرى من خارج المنطقة، فبين عامي 2009 و2023، جاءت الهند في صدارة الدول الأكثر تطبيقاً لإجراءات تجارية ليبرالية بعدد بلغ 933 تدخلاً، تلتها البرازيل بـ917، ثم روسيا بـ540، والصين بـ527، في حين بلغت تدخلات أميركا ذات الطابع الليبرالي 479 فقط.
أما في الجانب الحمائي، فتتصدّر الولايات المتحدة القائمة العالمية بـ11,063 إجراءً حمائياً منذ 2009 وحتى يناير 2025، تليها الصين بـ8,143 إجراءً، ثم البرازيل بـ7,681، وألمانيا بـ3,965.
اللافت أن دولاً مثل الهند وفرنسا وإسبانيا وروسيا تظهر في كلا التصنيفين، ما يعكس تذبذباً في السياسات حسب المرحلة والتقلبات الاقتصادية العالمية.
ورغم أن الإجراءات الليبرالية ما زالت لا تشكّل أغلبية، فإن هذا التحوّل النسبي قد يمهّد الطريق لإعادة التفكير في أدوات السياسات التجارية ضمن آسيان، خصوصاً إذا رافقته إصلاحات هيكلية في البنية الجمركية وتنظيمات الاستثمار الأجنبي المباشر.
السؤال الآن لم يعد: هل تعود آسيان إلى التجارة المفتوحة؟ بل: هل ستتمكن من تثبيت هذا التوجه وتحويله إلى سياسة اقتصادية مستدامة تخدم مصالح شعوبها وأسواقها؟
**ويُذكر أن، تكتل آسيان الذي يضم 10 دول في جنوب شرق آسيا، كان تقليدياً من الداعمين لانفتاح التجارة والاستثمار.
إلا أن صدمة الجائحة وتبعات الأزمات الجيوسياسية دفعت العديد من دوله إلى تبنّي تدابير احترازية لحماية الإنتاج المحلي، ما أدى إلى تضاعف التدخلات الحمائية بعد 2020.
تعتبر الإجراءات التجارية الحمائية هي التدخلات أو السياسات الحكومية التي تؤدي إلى تقييد التجارة أو تقلّل من فرص المنافسة العادلة للمصدّرين الأجانب في السوق المحلية.
قد تشمل هذه الإجراءات فرض رسوم جمركية، قيود على الاستيراد، دعم حكومي غير متكافئ للصناعات المحلية، أو قواعد تنظيمية تمييزية.
والهدف من هذه السياسات هو حماية الشركات أو القطاعات المحلية من المنافسة الخارجية، وغالباً ما تُنتقد هذه الإجراءات لأنها قد تُشعل توترات تجارية وتضعف النظام التجاري العالمي القائم على قواعد منظمة التجارة العالمية.
أما الإجراءات التجارية الليبرالية، فهي التدخلات أو السياسات الحكومية التي تُسهّل التجارة الدولية وتُعزز من فرص الوصول إلى الأسواق، سواء من خلال إزالة الحواجز أو تقديم معاملة متساوية للموردين المحليين والأجانب.
وتهدف لتشجيع الانفتاح الاقتصادي، وزيادة التنافسية، وتحفيز الاستثمار الأجنبي، ودمج الاقتصاد المحلي في سلاسل القيمة العالمية.