شهدت الأسواق الصينية خلال الأسابيع الأخيرة تفاعلات لافتة عقب مصافحة جمعت الرئيس الصيني شي جين بينغ ورائد الأعمال جاك ما، المؤسس الشريك لمجموعة علي بابا. فُهمت هذه المصافحة بوصفها مؤشراً على أن بكين تُعيد احتضان القطاع التكنولوجي بعد تضييق بدأ عام 2020، حين دشّنت الحكومة حملة رقابية محكمة قضت على مئات المليارات من الدولارات من القيم السوقية لكبرى شركات الإنترنت. وانعكست تلك الانفراجة النسبية على ارتفاع أسهم التكنولوجيا، في وقتٍ تسود فيه مشكلات اقتصادية محلية، مثل أزمة العقارات وفتور الاستهلاك.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1738926244764-0'); });
صعوبات اقتصادية وحسابات تجارية
يترافق هذا التوجه مع مراقبة السلطات تصاعد توتر تجاري بين بكين وواشنطن، وسط مؤشرات على حرب رسوم جمركية محتملة مع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
ويرى خبراء أن الصين لن تتمكن من تحقيق استقلالها التكنولوجي أو الهيمنة في التقنيات المتطورة دون دعم القطاع الخاص، بحسب وكالة الأنباء الفرنسية.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1739447063276-0'); });
ويُعدّ الطرح المفاجئ لأداة ذكاء اصطناعي قدّمتها شركة
ديب سيك (DeepSeek)، المتخذة من هانغتشو مقراً لها، مثالاً بارزاً على القدرات المحلية؛ إذ أطلقت برنامج دردشة روبوتياً منافساً لنظرائه الأميركيين، لكن بكلفة أقل كثيراً.
دفعة جديدة للذكاء الاصطناعي
أشاد المسؤولون الصينيون بمبادرة ديب سيك، بينما حضر مؤسسها في لقاء جمع شي جين بينغ وجاك ما منذ أسبوعين، ما عكس توجهاً رسمياً لدعم الشركات الخاصة التي تلعب دوراً مهماً في مخططات الحزب الشيوعي الصيني.
ومع ذلك، يحذّر محللون من أن بكين لا تهدف بالضرورة إلى تعزيز أرباح الشركات أو تحفيز طفرات ضخمة في الأسهم، إذ تركّز سياساتها على استخدام القطاع الخاص في تنفيذ أهدافها الاقتصادية والأمنية.
أجواء انتظار واتجاه صاعد منذ 2023
يتطلع المراقبون إلى اجتماع سياسي مرتقب في بكين خلال الأيام المقبلة، لمعرفة إن كانت الوعود الأخيرة ستتجسد في خطوات ملموسة لدعم القطاع الخاص. ويأتي هذا التفاؤل بعد أن بدأت الحكومة في 2023 باتخاذ إجراءات تنظيمية أكثر دعماً لترميم ثقة عالم الأعمال.
ورغم ذلك، ظلت الصين تكافح لتلبية أهداف النمو المتوقعة رسمياً خلال السنوات الأخيرة، في ظل توالي مشكلات الاقتصاد المحلي. وزاد التعقيد حين أعلنت إدارة ترامب توجهاً لتصعيد النزاعات التجارية، الأمر الذي قد يفاقم التحديات الاقتصادية.
تحفيز الاقتصاد عبر الذكاء الاصطناعي
بات الذكاء الاصطناعي عنواناً لموجة التفاؤل الجديدة لدى صُنّاع القرار، وسط توقعات بأن تسهم التقنية في مواجهة الركود والانكماش، إضافة إلى معالجة العجز المستقبلي بسوق العمل الناتج عن تقلص عدد السكان.
وبحسب محللي «إيه إن زد»، قد تزداد سرعة تبنّي الذكاء الاصطناعي بفضل سياسات داعمة أعيدت صياغتها. ومنذ أسابيع، بدأ مسؤولو أقاليم صينية الترويج لاستخدام منصات مثل ديب سيك لأغراض إدارة شؤونهم المحلية.
تنافس جديد في السوق المحلية
أشارت يو بي إس في تقرير حديث إلى أن نجاح ديب سيك شجّع شركات أخرى على الاستثمار في مجال الذكاء الاصطناعي، في خطوة قد تزيد طلب المؤسسات الصينية على حلول مُماثلة.
ولم تتأخر تينسنت عن خوض السباق بطرح خوارزمية «هونيوان توربو إس»، مدعية تميزها في سرعة الاستجابة مقارنة بمنافسيها، وترى هذه الشركات الناشئة والعمالقة على حد سواء فرصاً ضخمة لتطبيق تلك التقنيات في مختلف القطاعات.
مكاسب مؤقتة أم تحوّل استراتيجي؟
لطمأنة المستثمرين، عملت السلطات التشريعية الشهر الماضي على دفع قانون جديد ينظّم القطاع الخاص، أشادت به وسائل الإعلام الرسمية باعتباره مكسباً يحمي الشركات.
بيد أن الخبراء يقولون إن ازدهار هذا القطاع سيظل رهناً باستراتيجية الحزب الشيوعي الصيني؛ فقد تعايشت شركات التكنولوجيا في السابق مع مناخ من الانفتاح السريع بالسنوات العشر الأخيرة، قبل انطلاق موجة اتهامات بالاحتكار عام 2020.
تحوّل قد ينقلب في أي وقت
يلفت محللون إلى أن السوق فسّرت اللقاء الذي جمع شي وجاك ما حالياً كجزء من سياسة بدأت منذ 2023 لتسهيل عمل القطاع الخاص.
ومع ذلك، يشير الخبير الاقتصادي جيمس رايلي في كابيتال إيكونوميكس إلى خطر غياب رقابة واضحة أو موازين تقيّد تحول الحزب الشيوعي. ومن شأن ذلك أن يسمح بانعكاس السياسة مجدداً خلال فترة وجيزة، ما يجعل النموذج الصيني محفوفاً بالتقلبات التي تفاجئ الشركات والمستثمرين كلما تغير المشهد السياسي في بكين.