سلط انفجار الغواصة « تايتان»، ومصرع كل مَن على متنها، الضوء على أسرار أعماق البحار المتعددة، فمثلما يحتوي سطح الأرض على قمم ووديان هائلة، فإن المحيط يمتاز بتضاريسه المتنوعة أيضاً.

ولعل أكثر هذه الأسرار إثارة للاهتمام هو خندق «ماريانا» وهو فجوة في غرب المحيط الهادئ تمتد لأكثر من 1580 ميلاً (أي ما يعادل نحو 2540 كيلومتراً)، وهي موطن «تشالنجر ديب» أعمق نقطة معروفة على سطح الأرض القابعة تحت أكثر من 36 ألف قدم (أي ما يعادل نحو 11 ألف متر) تحت الماء، وذلك أعمق بثلاث مرات تقريباً من الموقع الذي يقع فيه حطام سفينة «تايتانيك» في المحيط الأطلنطي.

حقائق حول أعماق البحار

1. محاولات عديدة لاستكشاف «تشالنجر ديب».. ومخرج فيلم «تايتانيك» ينجح

خطط العديد من المستكشفين للذهاب في رحلة إلى أعمق نقطة على سطح الأرض أو «تشالنجر ديب».

جاءت الزيارة الأولى في عام 1960 مع الغوص التاريخي لغواصة «تريستي» ذات الغطس الحر، وأثناء الغوص، قال الراكبان جاك بيكار ودون والش إنهما ذُهلا لرؤية كائنات حية، إذ تخيل العلماء ذات مرة أنه من المستحيل على أي شيء البقاء على قيد الحياة في هذا المكان.

وحول ذلك قال عالم المحيطات الفخري في وكالة «ناسا» جين فيلدمان، لشبكة «CNN» إن جميع التصورات تبددت حول المحيط من هذه اللحظة.

من جهته، خطط مخرج فيلم «تايتانيك» الشهير جيمس كاميرون، للذهاب في رحلات استكشافية إلى «تشالنجر ديب»، بداية في عام 1997، قاد غواصة واحدة كان قد ساعد شخصياً في تصميمها، إلى نحو 35787 قدماً (أي ما يعادل نحو 10908 أمتار)، ثم سجّل رقماً قياسياً عالمياً في عام 2012.

جيمس كاميرون في نموذج مصغر للغرفة التي ذهب بها في رحلته إلى «تشالنجر ديب» (غيتي)

2. التلوث البشري يطول أعمق نقاط الأرض

عاد المستثمر الأميركي فيكتور فيسكوفو، من تكساس، من رحلة إلى أعماق البحار قطع خلالها مسافة 35853 قدماً (10927 متراً) وحقق رقماً قياسياً عالمياً في 2019، لكنه أعطى نظرة محبطة عن تأثير البشر السلبي على هذه المواقع النائية التي يبدو أنها لا يمكن المساس بها عندما لاحظ كيساً بلاستيكياً وأغلفة حلوى في قاع خندق «ماريانا».

فيسكوفو يرى كيساً بلاستيكياً وأغلفة حلوى في قاع خندق «ماريانا» (ديسكفري تشانال)

سافر عدد قليل من المستكشفين إلى «تشالنجر ديب» منذ ذلك الحين، لكن الرحلات الاستكشافية ليست شائعة، وتوصف الرحلة بأنها خطيرة للغاية، إذ يزداد الضغط على الجسم بمقدار غلاف جوي واحد لكل 33 قدماً (عشرة أمتار) تحت سطح المحيط، وفقاً للإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي.

والغلاف الجوي هو وحدة قياس تبلغ 14.7 رطل لكل بوصة مربعة، وأشار فيلدمان إلى أن الرحلة إلى «تشالنجر ديب» يمكن أن تضع السفينة تحت ضغط يعادل 50 طائرة «جامبو».

3. وصف طبقات المحيط

يمكن وصف المحيط من حيث الطبقات، مثل الغلاف الجوي للأرض، ويُطلق على الجزء العلوي اسم المنطقة السطحية، أو منطقة ضوء الشمس، ويمتد فقط 660 قدماً (200 متر) تحت سطح الماء، وفقاً للإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي.

تمتد منطقة البحار المتوسطة العميقة، أو ما يسمى بمنطقة الشفق، من نهاية منطقة ضوء الشمس إلى نحو 3300 قدم (ألف متر)، ثم هناك منطقة أعماق البحار، وتسمى بمنطقة منتصف الليل، وتحتها تقبع المنطقة السحيقة التي تمتد من 13100 قدم (4000 متر) إلى 19700 قدم (6000 متر)؛ وذلك يشكل ما يقرب من أربعة أميال تحت الماء.

حقل تنفيس حراري مائي (إدارة المحيطات والغلاف الجوي)

داخل المنطقة السحيقة، يمكن لعدد قليل من أشكال الحياة البقاء على قيد الحياة، والمياه خالية تماماً من الضوء، ودرجات الحرارة تقترب من التجمد؛ لكن «تشالنجر ديب» تقع أبعد من ذلك، وبالأخص في منطقة «هادالبياجيك»، أو منطقة «هادال».

وسميت بذلك اشتقاقا من «هاديس» آله العالم السفلي عند اليونانيين القدامى الذي -بحسب معتقدهم- يحكم الموتى.

4. موطن حياة مائية فريدة وبراكين طينية

لم تُستكشف منطقة «هادال» كثيراً، لذلك ساد تصور عن وجود عظام وعدم وجود ضوء الشمس هناك، كان يُعتقد منذ فترة طويلة أنه لا يمكن لأي شيء البقاء هناك؛ لكن هذا التصور عن أعماق البحار تبدد.

تقول إدارة المحيطات و الغلاف الجوي، إنه «حتى في القاع، توجد الحياة، في عام 2005، اُكتشفت كائنات دقيقة وحيدة الخلية تسمى (فورامينيفيرا)، وهو نوع من العوالق، في (تشالنجر ديب)».

موطن لبعض الكائنات الحية (إدارة المحيطات والغلاف الجوي)

كما تضمنت الاكتشافات، وجود نتوءات صخرية ملونة وخيار البحر الذي يسكن القاع، وتدعم أيضاً سلسلة من البراكين الطينية الموجودة تحت سطح البحر والفتحات الحرارية المائية في خندق «ماريانا»، إضافة إلى وجود أشكال غير عادية من الحياة.

وعلى الرغم من المياه شديدة الحموضة والسخونة التي تنتجها الفتحات الحرارية المائية في البراكين الطينية، فإن الأنواع الغريبة والكائنات الحية الدقيقة هناك قادرة على البقاء على قيد الحياة.

في غياب ضوء الشمس، تستفيد الكائنات بدلاً من ذلك من المياه الغنية بالمغذيات المنبعثة من الفتحات الحرارية المائية.

5. محمية خندق ماريانا

في عام 2009، أسست الولايات المتحدة محمية خندق ماريانا الوطنية؛ بهدف حماية الكائنات الحية النادرة التي تزدهر في أعماقها، وتشمل الأشياء المثيرة للاهتمام النظام البيئي المغمور في أعماق البحار وأشكال حياته.

وفقاً لإدارة المحيطات «هناك تنوع كبير في الجبال البحرية وعمر التنفيس الحراري المائي يستحق الحفاظ عليه».

يحمي النصب التذكاري الوطني بأكمله نحو 95 ألف ميل مربع (246.049 كيلومتر مربع).

هلام البحر في محمية خندق ماريانا الوطنية (إدارة المحيطات)

6. عدم معرفة عمق الخندق

ما زال قاع المحيط أحد أكثر الأماكن غموضاً في الكون، قال فيلدمان لشبكة «CNN» إن «لدينا خرائط أفضل للقمر والمريخ مما لدينا لكوكبنا».

على الرغم من أن الناس كانوا يستكشفون سطح المحيط لعشرات الآلاف من السنين، فإن 20 في المئة فقط مًن كان يستكشف أعماق البحار والحياة في القاع، وفقاً لأرقام 2022 الصادرة عن الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي.

ومع ذلك، نظراً للاهتمام الكبير بخندق «ماريانا»، بذل الباحثون جهوداً عديدة لإعطاء صور مفصلة بشكل متزايد لميزات أعماق البحار المتعددة، لكن هذا ليس بالأمر السهل؛ نظراً لاتساع وعمق قاع المحيط، لذلك يجب على العلماء الاعتماد على السونار أو التكنولوجيا الصوتية لمحاولة إعطاء صورة كاملة لما هناك.

ونظراً لأن الأجهزة والتكنولوجيا تتحسن باستمرار، فقد تحدد العمق المقدر لمنطقة «تشالنجر ديب» في أعماق البحار مؤخراً حتى عام 2021 إلى نحو 35876 قدماً (10935 متراً).

(جاكي واتلز وأمايا ماكدونالد – CNN)