مع تفاقم أزمة المناخ، أصبحنا نعرف المزارعين الذين تجف محاصيلهم والأشخاص الذين فقدوا منازلهم بسبب حرائق الغابات المتفشية.

ولكن هناك مجموعة أخرى تمثل أزمة تغير المناخ تهديداً مميتاً بالنسبة لها، وهم الأشخاص الذين يعانون من مشكلات الصحة العقلية مثل الفصام، أو الاضطراب ثنائي القطب، أو اضطرابات القلق.

وقد أصبح هذا التهديد حقيقة بالنسبة لبعض الناس، خلال موجة حر قياسية في كولومبيا البريطانية في يونيو 2021، إذ تم تشخيص إصابة 8 في المئة من الأشخاص الذين ماتوا بسبب الحرارة الشديدة بالفصام، وفقاً لدراسة أُجريت في مارس آذار، الأمر الذي جعل هذا الاضطراب عاملاً أكثر خطورة من جميع الحالات الأخرى التي درسها الباحثون، بما في ذلك أمراض الكلى ومرض الشريان التاجي.

وقال الدكتور روبرت فيدر، وهو طبيب نفسي متقاعد من نيو هامبشاير وممثل الجمعية الأميركية للطب النفسي لدى اتحاد المجتمع الطبي المعني بالمناخ والصحة: «إلى أن تتم السيطرة على تغير المناخ، فإن الأمور ستزداد سوءاً لسوء الحظ».

ووجدت العديد من الدراسات أن ارتفاع درجات الحرارة يرتبط أيضاً بمحاولات الانتحار وزيادة معدلات زيارات أقسام الطوارئ المتعلقة بالصحة العقلية، كما أن التعرض طويل الأمد ل تلوث الهواء -والذي يمكن أن تتفاقم بسببه أزمة المناخ من خلال إضافة المزيد من الجزيئات الناجمة عن الجفاف أو حرائق الغابات- ارتبط بارتفاع اضطرابات القلق وزيادة حالات الانتحار.

قال الخبراء إن ما يحدث في أدمغة الأشخاص المصابين بالفصام أو حالات أخرى هو مجرد عامل واحد يجعلهم أكثر عرضة للحرارة الشديدة وتلوث الهواء والتوتر، ويحتاجون إلى الدعم من أحبائهم والمجتمعات المحيطة بهم وصانعي السياسات.

الحرارة الشديدة والصحة العقلية

ما يجعل بعض المرضى النفسيين أكثر عرضة لأضرار الحرارة الشديدة -مثل ضربة الشمس أو الموت- يبدأ في جزء من الدماغ يُسمى منطقة ما تحت المهاد الأمامي، وهو ما يمكن اعتباره منظم حرارة الجسم.

قال الدكتور بيتر كرانك، وهو أحد الباحثين في جامعة هارفارد «هذا هو الجزء من الدماغ الذي يعمل ليخبرك -عندما تشعر بالحرارة الشديدة أو بالبرد الشديد- أن تبدأ في الارتعاش، وتبدأ في التعرق»، وهي آلية تبريد الجسم.

وأوضح «أنها تخبر بقية عقلك أنك بحاجة إلى اتخاذ إجراءات سلوكية، مثل شرب الماء أو ارتداء معطف عندما يكون الجو بارداً جداً، أو خلع المعطف عندما يكون الجو دافئاً»، «هذه الاضطرابات، سواء كانت ثنائية القطب أو انفصام الشخصية أو الهوس الاكتئابي، جميعها الثلاثة تضعف النقل العصبي للمعلومات إلى ذلك الجزء من الدماغ».

وقال الخبراء إن القدرة على تنظيم درجة حرارة الجسم قد تكون لها علاقة أيضاً بالمواد الكيميائية في الدماغ مثل السيروتونين والدوبامين، والتي تكون بشكل عام أقل في أدمغة الأشخاص الذين يعانون من هذه الاضطرابات.

وقال الدكتور جوشوا ورتزل، الطبيب النفسي في مستشفى برادلي بجامعة براون في رود آيلاند ورئيس لجنة الجمعية الأميركية للطب النفسي المعنية بتغير المناخ والصحة العقلية «إن منطقة ما تحت المهاد تعتمد بشكل مباشر على تحفيز السيروتونين».

«تتأثر مستويات السيروتونين في الدماغ ب درجات الحرارة في الخارج، ولذا يمكنك أن تتخيل أنه عندما نتلاعب بمستويات السيروتونين في الدماغ بأدويتنا، فإن ذلك يمكن أن يغير قدرة الشخص على التعرق».

يمكن لبعض الأدوية المستخدمة لعلاج هذه الاضطرابات أن تزيد من المخاطر من خلال التأثير على القدرة على التعرق أو رفع درجة حرارة الجسم الأساسية.

وقال فيدر إن الأدوية المضادة للذهان -التي تستخدم غالباً لعلاج الفصام والاضطراب ثنائي القطب وجنون العظمة والأوهام- لها التأثير الأكبر، وتشمل هذه الأدوية أريبيبرازول، وأولانزابين، وريسبيريدون، وكيتيابين، ولوراسيدون.

بعض الأدوية المنشطة لاضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط، أو اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، مثل ليسديكسامفيتامين وأملاح الأمفيتامين/ديكستروامفيتامين، والأدوية المضادة للقلق يمكن أن تسبب هذه المشكلة أيضاً، وأضاف فيدر أن الليثيوم، وهو دواء يساعد على استقرار الحالة المزاجية، يمكن أن يسبب الجفاف.

عادات نمط الحياة المهمة لإدارة أعراض الصحة العقلية يمكن أن تتأثر أيضاً، وقال الخبراء إن درجات الحرارة الدافئة يمكن أن تؤثر أيضاً على النوم، وهو عامل مهم لإدارة أعراض الصحة العقلية والتخفيف منها.

بالإضافة إلى ذلك، قال فيدر «إن طبيعة معظم حالات الصحة العقلية هي أنه بمجرد تشخيص إصابتك بها، فأنت معرض لخطر الإصابة بنوبات متكررة من هذا المرض»، «وغالباً ما تحدث هذه النوبات بسبب نوع من التوتر، ومن المؤكد أن الكوارث المناخية تشكل ضغوطاً وتوتر».

كما أن التشرد مرتفع أيضاً بين الأشخاص الذين يعانون من حالات الصحة العقلية، خاصة بين الأشخاص المصابين بالفصام، وقال فيدر «وإذا كنت بلا مأوى أثناء موجة الحر، فهذا يعرضك لخطر متزايد للوفاة، لأنك لا تستطيع الوصول إلى مكيف الهواء».

الأشخاص الذين يعانون من مشكلات الصحة العقلية هم أيضاً أكثر عرضة للعلاج الذاتي بالأدوية التي تتداخل مع قدرة الجسم على الإحساس بالحرارة والاستجابة لها.

كيف تحمي نفسك والآخرين؟

إذا كنت تتناول أياً من هذه الأدوية وتعتقد أن التوقف عن تناولها هو الحل، فليس بهذه السرعة، قال ورتزل «سيكون ذلك أسوأ بكثير من الاستمرار في تناول الدواء» الذي يلعب دوراً حاسماً في علاجك.

تحدث مع طبيبك حول ما إذا كان الدواء الذي تتناوله أو تبدؤه يجعلك أكثر عرضة للحرارة الشديدة نظراً لأن بعض المنشورات الإعلامية لهذه الأدوية قد لا تدرج هذا الخطر كأثر جانبي محتمل.

وأضاف «هذه مجرد تحذيرات، للتأكد من بقائك في بيئات أكثر برودة، والتأكد من حصولك على الماء، وأنه إذا استمر تغير المناخ في التفاقم، فسيكون هذا عرضاً جانبياً حقيقياً».

وقال ورتزل إن هذا ليس سبباً للتوقف عن تناول مضادات الذهان، لكنه سبب وجيه للعناية بنفسك في الحر، أيضاً قال ورتزل إن معالجة أزمة المناخ، وهي أصل المشكلة، هي بالطبع الحل الأكثر أهمية، وأضاف أن ما هو ضروري أيضاً على مستوى السياسات هو توسيع نطاق الوصول إلى مراكز التبريد والموارد الأخرى، وتوفير المزيد من التمويل للأبحاث التي من شأنها أن تساعدنا على فهم تأثير الحرارة على الصحة العقلية بشكل أفضل.

هناك خطوات يمكن للأفراد والمجتمعات اتخاذها لحماية الأشخاص الضعفاء عندما يأتي الطقس الحار، قال كرانك، ضع كريماً واقياً من الشمس وارتدِ قبعات وملابس فضفاضة ذات ألوان فاتحة، ويمكن أن يساعد الاستحمام بالماء البارد أيضاً في الحفاظ على انخفاض درجة الحرارة الأساسية.

إذا لم تكن شخصاً معرضاً لخطر أكبر وتتساءل كيف يمكنك المساعدة، فمارس التعاطف والوعي من خلال الاحتفاظ بزجاجات المياه في سيارتك لتوزيعها على الأشخاص الأكثر عرضة لخطر الأذى الناجم عن الحرارة الشديدة.

(كريستن روجرز، CNN)