تآمرت مجموعة من العوامل لإفساد عطلات ملايين الأشخاص حول العالم هذا العام؛ إذ اجتمعت الكوارث البيئية، واضطرابات رحلات الطيران، وقذارة الشواطئ مع تغير المناخ، وارتفاع الأسعار، والازدحام الشديد لتدمير عطلات الكثيرين في هذا الصيف الكارثي.

وعلى الرغم من أن تلك المواقف كان لها أبعاد مأساوية تفوق بكثير مجرد إفساد إجازات البعض، فإن إجازة الصيف تمثل للكثيرين فرصة سنوية للاستجمام والراحة وسط حياة مزدحمة بالمتاعب والأعباء.

الحرارة الشديدة

وجد محبو الدفء وإشراقة الشمس هذا العام ما يفوق مطالبهم بكثير، إذ شهد جنوب أوروبا موجة حارة غير مسبوقة أفسدت أوقات السائحين والسكان المحليين على حد سواء، وأعلنت وكالة «ناسا» أن شهر يوليو تموز الماضي هو أكثر الأشهر حرارة منذ بدء تسجيل القراءات في عام 1880.

وفي إيطاليا، صدرت تحذيرات من ارتفاع الحرارة، إلى جانب إرشادات للسياح والسكان بشأن تجنب أشعة الشمس المباشرة والبحث عن الأماكن الظليلة واستخدام مكيفات الهواء، أما في اليونان، فأغلقت السلطات المواقع السياحية الرئيسية -بما في ذلك الأكروبوليس في أثينا- خلال الفترات شديدة الحرارة.

إغلاق الأكروبوليس في اليونان خلال الفترة الأشد حرارة في الصيف
إغلاق الأكروبوليس في اليونان خلال الفترة الأشد حرارة في الصيف

بسبب الحرارة الشديدة، تغيرت أنماط السياحة بشكل واضح، فوفقاً للجنة السفر الأوروبية التي تتخذ من بروكسل مقراً لها، انخفض عدد السياح الأوروبيين الذين يخططون للسفر إلى وجهات البحر الأبيض المتوسط في الصيف والخريف بنسبة 10 في المئة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، بينما تزايد الاهتمام بالمناطق الأكثر برودة مثل أيرلندا والدنمارك.

وفي الولايات المتحدة، حذّرت اللافتات السائحين من التنزه بعد الساعة 10 صباحاً في «ديث فاللي»، ولحق ذلك إغلاق الموقع بشكل كامل بسبب الفيضانات.

إغلاق الأكروبوليس في اليونان خلال الفترة الأشد حرارة في الصيف
تم وضع لافتات في «دبث فاللي» تحث السياح على عدم التنزه بعد العاشرة صباحاً

أما في الصين، فتدفق الزوّار إلى جبال «فلامينغ» في مقاطعة «شينجيانغ» لتجربة درجات الحرارة الحارقة المنبعثة من منحدرات الحجر الرملي الأحمر بالقرب من توربان، وأظهر التلفزيون الصيني الرسمي التقاط السائحين صوراً لأنفسهم بجوار مقياس حرارة ضخم يظهر درجة حرارة تبلغ 80 درجة مئوية.

حرائق الغابات

وحتماً، أدى ارتفاع الحرارة إلى حرائق غابات قياسية في أجزاء متعددة من العالم، ففي يوليو تموز اندلعت حرائق في البرتغال وإسبانيا وتركيا واليونان، وكانت جزيرة رودس السياحية الشهيرة هي الأكثر تضرراً بعد أن اندلع حريق وسط الجزيرة يوم 18 يوليو تموز وامتد إلى السواحل الشرقية والجنوبية، مهدداً المنتجعات الشاطئية.

ومع اقتراب النيران، أُجلي ما يقرب من 20 ألف شخص عن طريق البر والبحر، ولم يتمكن بعضهم من استعادة جوازات السفر والأمتعة الشخصية الأخرى، وألغت شركات الطيران والسياحة الرحلات الجوية والإجازات، وأُرسِلت طائراتٌ فارغة لإعادة السائحين بعدما تقطعت بهم السبل.

بل وعرضت اليونان لاحقاً إجازات مجانية للمتضررين في ربيع أو خريف 2024.

وفي أغسطس آب، عانت إحدى جزر الكناري المعتدلة في إسبانيا من حرائق الغابات، ما اضطر أكثر من 12 ألف شخص إلى الفرار من منازلهم، كما اندلعت حرائق في مناطق متفرقة بإيطاليا، ما أدى إلى إجلاء المنازل والفنادق، وعانت الجزائر أيضاً من حرائق الغابات.

كيف أفسد التغير المناخي عطلات الملايين في 2023؟
الحرائق تندلع في جزر الكناري من بين مناطق أخرى هذا الصيف.

في الوقت نفسه، شهدت كندا أسوأ موسم لحرائق الغابات في التاريخ، حيث سجلت أكثر من 1000 حريق منذ أبريل نيسان، وأُجلي آلاف الأشخاص عبر الأقاليم الشمالية الغربية وكولومبيا البريطانية.

وأسفر حريق الغابات في هاواي عن مقتل 115 شخصاً على الأقل، وتدمير العديد من المعالم التاريخية والثقافية في لاهاينا، بما في ذلك متحف بالدوين هوم -وهو منزل يعود تاريخه إلى ثلاثينيات القرن التاسع عشر ويُعتقد أنه الأقدم في ماوي- بالإضافة لمتحفي «لاهينا للتراث» و«وو هينج».

كيف أفسد التغير المناخي عطلات الملايين في 2023؟
دمرت الحرائق مدينة «لاهينا» التاريخية في جزيرة «ماوي» بـ«هاواي»

العواصف العاتية

وبعد الحرائق جاءت العواصف، ليستمر سيناريو الدمار واسع النطاق و فوضى السفر.

ففي الولايات المتحدة، ضرب إعصار «هيلاري» الساحل الغربي في أغسطس آب، ما أدى إلى هطول أمطار مدمرة وفيضانات، وهطلت على مدينة «بالم سبرينغز» الصحراوية كميات قياسية من الأمطار التي تجاوزت خلال ساعة واحدة ما تمطره السماء عادة خلال عام كامل، وفي نهاية الصيف ضربت عاصفة «إيداليا» فلوريدا والولايات الجنوبية الأخرى مع اقتراب عطلة عيد العمال.

وعندما ضرب إعصار «لان» مقاطعة «واكاياما» بجنوب اليابان في 15 أغسطس آب، تعطلت القطارات فائقة السرعة، كما ألغت الخطوط الجوية اليابانية وخطوط «أول نيبون» الجوية مجموعة من الرحلات.

كيف أفسد التغير المناخي عطلات الملايين في 2023؟
تعطلت خدمات السكك الحديدية عالية السرعة في اليابان بسبب الإعصار

المياه أصبحت دافئة

هدد ارتفاع درجة حرارة الماء الناجم عن التغير المُناخي بانقراض بعض أنواع الشعب المرجانية، إذ تسببت درجات الحرارة العالية في تبييض ألوان الشعاب المرجانية بشكل يجعلها أكثر عرضة للموت، ووجد أحد التقارير الصادرة عن مؤسسة «كورال ريستوريشن فونديشن» موت كل المرجان في منطقة «سومبريرو ريف» في فلوريدا.

كيف أفسد التغير المناخي عطلات الملايين في 2023؟
تسبب ارتفاع حرارة البحر في تبييض جماعي غير مسبوق للشعاب المرجانية حول جزر «فلوريدا كيز»

وقال كيري أونيل، كبير العلماء في «فلوريدا أكواريوم»، لشبكة CNN «هذا يشبه موت جميع الأشجار في الغابات المطيرة» وأضاف «هذه هي النسخة المائية من أزمة الغابات المطيرة، إذ تشبه اختفاء الأشجار في الغابات، وتؤدي الشعب المرجانية الدور المحوري نفسه».

تدر الشعاب المرجانية مليارات الدولارات لاقتصاد فلوريدا من خلال صيد الأسماك والسياحة وتوفير فرص العمل.

قذارة المياه

وفي تناقض صارخ مع الحرارة الحارقة في جنوب أوروبا، عانت المملكة المتحدة من موجة طويلة من الطقس المتقلب الممطر في شهري يوليو تموز وأغسطس آب، ما أدى إلى إلغاء العديد من الإجازات الصيفية وغيرها من الفعاليات الرياضية والثقافية في بريطانيا.

كيف أفسد التغير المناخي عطلات الملايين في 2023؟
طقس متقلب في المملكة المتحدة هذا الصيف

ربما كان غياب الطقس الشاطئي أمراً جيداً في المملكة المتحدة، حيث يواجه رواد الشاطئ البريطانيون وعشاق الرياضات المائية مشكلات متزايدة تتعلق بجودة المياه بسبب إلقاء المزيد من مياه الصرف الصحي في البحر، الأمر الذي يتسبب في تسميم مياه الشواطئ.

فوضى الطيران والنقل

في حين تماسكت خطوط الطيران الأميركية بشكل ما خلال هذا الصيف، شهدت الخطوط الأوروبية عدداً من الأحداث غير المواتية، وسط إضرابات متكررة وتهديدات بالإضراب من قِبل مراقبي الحركة الجوية، والطيارين، وأطقم الطائرات، ما أدى إلى إلغاء آلاف الرحلات الجوية.

في أواخر أغسطس آب، أدى خلل في مراقبة الحركة الجوية إلى تقييد حركة الطيران في المملكة المتحدة، ما تسبب في تأخيرات وإلغاءات واسعة النطاق في جميع أنحاء القارة لعدة أيام.

كيف أفسد التغير المناخي عطلات الملايين في 2023؟
مطار «هيثرو» بالمملكة المتحدة

تعرضت المملكة المتحدة أيضاً لسلسلة مستمرة من إضرابات السكك الحديدية في عام 2023، ما أثر على حركة السفر، في حين طالت فترات الانتظار في محطات العبّارات الدولية في المملكة المتحدة، مثل ميناء «دوفر»، بسبب الوقت الإضافي اللازم لتفتيش جوازات السفر، بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

الازدحام وزيادة الأسعار

على الرغم من كل التحديات التي شهدها موسم العطلات هذا العام، هرع السائحون بالآلاف إلى السفر، ربما كنوعٍ من الانتعاش من عمليات الإغلاق التي فرضها فيروس كورونا، ما تسبب في ازدحام شديد في بعض الأماكن السياحية.

في فرنسا، تعرضت مواقع مثل جبل القديس ميشيل لضغوط شديدة لدرجة بدء حملات لإرسال السياح إلى أماكن أخرى، أو الدعوة لتوزيع الزيارات على مدار العام.

كيف أفسد التغير المناخي عطلات الملايين في 2023؟
جبل القديس ميشيل مكتظ بالزوار في فرنسا

وأعلنت مدينة البندقية الإيطالية لأول مرة عن رسم دخول جديد قدره 5 يوروهات، أي ما يعادل 5.4 دولار، للمسافرين الذين لا يخططون لقضاء الليلة فيها، لتقليل الأعداد، وقال مسؤولون يونانيون إن عدداً محدوداً فقط من الزوار سيُسمح لهم بزيارة الأكروبوليس بداية من سبتمبر أيلول للحفاظ على النصب التذكاري.

وفي إسبانيا، وضع مجموعة من السكان المحليين لافتات غير صحيحة تحذر من قناديل البحر والصخور المتساقطة كمحاولة للحد من الزحام.

إجازات سعيدة للمحظوظين

على الرغم من فساد عطلات عدد هائل من السائحين، استمتع عدد أكبر بعطلاتهم هذا العام، فمقابل كل سلسة تغريدات غاضبة كُتبت من صالات المغادرة بالمطارات، كان هناك على الأرجح عدد أكبر من صور لوجوه مبتسمة على الشواطئ.

روب هودجيتس (CNN)