«والله يا أستاذ معندناش عربيات علشان نبيعها» أقسمت مروة بالعامية المصرية للمتصل قبل أن تنهي المكالمة.

أكدت مروة موظفة الاستقبال بمركز لبيع وصيانة السيارات بمحافظة الجيزة أن هذا المتصل «ليس الشخص الوحيد الذي يبحث عن شراء سيارة جديدة.. أستقبل أكثر من عشرة اتصالات في اليوم من أشخاص يسألون السؤال نفسه».

يبلغ حجم سوق السيارات في مصر نحو 200 ألف سيارة جديدة كل عام، لكنه يشهد تقلبات عاصفة منذ الإغلاق الذي فُرض لمكافحة انتشار جائحة كوفيد-19، فسجل عام 2020 انخفاضاً ملحوظاً، إذ لم تصل المبيعات إلى 170 ألف سيارة ركوب، ثم ارتفعت المبيعات في عام 2021 لتصل إلى 215 ألف مركبة بزيادة 28 في المئة، بحسب تقرير مجلس معلومات سوق السيارات «أميك».

وبحسب المجلس، انخفضت مبيعات السيارات الخاصة في نوفمبر تشرين الثاني الماضي بنسبة تقارب 74 في المئة، ووصلت المبيعات بصعوبة إلى 5209 سيارات مقابل 19 ألفاً و734 سيارة في الشهر نفسه من العام السابق.

ويتوقع تقرير لـ«فيتش سوليوشنز» عن مستقبل سوق السيارات في مصر أن تصل مبيعات سيارات الركوب في مصر إلى نحو 375 ألف سيارة بحلول عام 2031.

كان للحرب الروسية الأوكرانية تأثير على صناعة السيارات في العالم، إذ شهدت أسعار المعادن كالألومنيوم والنيكل حالة من عدم الاستقرار بسبب التعثر في سلاسل التوريد، كما شهدت «ميشلان» الإطارات انقطاعاً في إمدادات اللدائن من روسيا، ما دفع شركة تصنيع الإطارات الفرنسية إلى إغلاق بعض مصانعها في مارس آذار من العام الماضي، كما تسببت الحرب في خروج نحو 20 مليار دولار من الأموال الساخنة من السوق المصرية، ما أدى إلى شح الدولار وصعوبة تدبيره في البنوك، ما أصاب المستوردين بالشلل التام.

وازداد الأمر سوءاً بفعل أزمة شح رقائق أشباه الموصلات في 2022، والتي قلصت المعروض من السيارات الجديدة ودفعت الأسعار للارتفاع، مما حد بدوره من أعداد المشترين المحتملين.

دفعت كل هذه العوامل موزعي وتجار السيارات في مصر إلى تطبيق سعر إضافي أو (أوفر برايس) على ثمن السيارة الأصلي، قد يصل هذا المبلغ أحياناً إلى نصف ثمن السيارة الأصلي مقابل توفيرها الفوري للمشتري، لم تتوقف هذه الظاهرة التي بدأت قبل نحو عامٍ ونصف العام على الرغم من محاولة جهاز حماية المستهلك المصري كبح انتشارها.

يقول تامر سمير، المسؤول عن قطاع تمويل بيع السيارات بمجموعة كونتكت المالية التي تستحوذ على نصف سوق بيع السيارات بالتقسيط في مصر، لـ«CNN الاقتصادية» إن «أغلب السيارات التي بيعت في مصر منذ مارس هي سيارات محلية التجميع. في عام 2021 شكلت مبيعات السيارات الجديدة نحو 70 في المئة، أي أن السيارات صُنعت في عام البيع نفسه، ولكن في عام 2022 انعكس الوضع برمته بسبب غياب السيارات عن السوق واضطررنا إلى توجيه التمويلات لشراء السيارات المستعملة كي نحافظ على حجم أعمالنا. 60 في المئة من السيارات التي قمنا بتمويل شرائها كانت مستعملة».

وقال كريم النجار، رئيس شركة «كيان إيجيبت» وكيل مجموعة فولكس فاغن في لقاء مع «CNN الاقتصادية» إن الشركة «سجلت مبيعات تاريخية في الربع الأول من عام 2022، ثم توقفنا تماماً عن البيع بسبب تطبيق قرار الاعتمادات المستندية في شهر مارس من العام نفسه، وسعِدنا جداً بإلغاء العمل بهذا القرار نهاية العام الماضي، ولكننا نقف في الموقف نفسه اليوم، حيث إن البنوك لا تقوم بتدبير الدولار لنا وبالتالي لا نستطيع استيراد سيارات جديدة».

أطلقت الحكومة المصرية في سبتمبر أيلول مبادرة تتيح للمصريين المقيمين في الخارج استقدام سيارة ركوب شخصية إلى مصر دون رسوم جمركية. يهدف القرار إلى زيادة إيرادات الدولة من العملة الأمريكية ومساعدة فئة من المواطنين على توفير السيارات من خارج السوق المصرية التي تشهد عدم استقرار.

ينص القرار على إعفاء السيارة من الجمارك مقابل توريد المستفيد مبلغاً بالدولار الأميركي، يتحدد لكل سيارة على حدة، على أن يقوم المستفيد باسترداد المبلغ كاملاً بعد خمس سنوات، بالجنيه المصري حسب سعر صرف الدولار بعد انقضاء السنوات الخمس، وسينتهي العمل به في شهر مارس آذار المقبل، بحسب تصريحات منسوبة لسها جندي وزيرة الهجرة.

لكن الإقبال جاء مخالفاً للتوقعات الحكومة بسبب شرط يستثني من الإعفاء السيارات الأوروبية المشحونة من الموانئ الخليجية.

وفي مايو أيار، قررت ثماني شركات سيارات عالمية تحويل إنتاجها لوكلائها في مصر إلى أسواق خارجية بسبب الأزمة التي فرضتها الأوضاع الاقتصادية والإجراءات الاحترازية التي فرضتها الدولة.. كان من ضمنها مجموعة فولكس فاغن التي يمثلها في مصر كريم النجار.

يقول النجار «انتظار السيارات في مخازن الشركة المُصنعة في أوروبا كان مكلفاً لنا. تلقينا فواتير عديدة بإجراء صيانات للحفاظ على حالة السيارات ما اضطرنا في النهاية إلى بيع السيارات في تركيا. نأمل أن يكون العام القادم أفضل ولكن هذا يبدو صعباً، فحتى الآن لم تشهد السوق المصرية دخول سيارة واحدة من طراز 2023. لم أعرف موقفاً مشابهاً منذ دخولي مجال وكالة السيارات».

شركة «كيان إيجيبت» هي وكيل لخمس شركات سيارات أوروبية تابعة لمجموعة «فولكس فاغن» الألمانية، وتسيطر «كيان» على نحو ستة في المئة من سوق السيارات في مصر بمبيعات تصل إلى نحو 12 ألف سيارة.

هذا الارتباك لا يهز قطاع استيراد السيارات فقط، لكنه يشمل كذلك قطع الغيار.. كريم وهدان العضو المنتدب لمجموعة «وهدان أوتو لصيانة السيارات» التي تعمل في السوق المصرية منذ خمسين عاماً قال في لقاء مع «CNN الاقتصادية» إنه يؤرقه «نقص قطع الغيار التي تتعلق بالسلامة مثل مكونات المكابح والإطارات. لكن هذا لا يعني أن بقية قطع الغيار ليست مهمة، لو لم تكن بذات الأهمية لما وضعتها الشركات المصنعة في السيارات. هناك سيارات معطلة بسبب نقص الزجاج الأمامي أو قطع أخرى».

وفي ظل هذه المشاكل والتعقيدات، تدرس الشركات خفض النفقات.

يقول النجار «عبرنا العام الماضي دون تخفيض في العمالة، ولكن إذا استمر الوضع بهذه الصعوبة فقد نضطر مع الأسف إلى تسريح بعض الموظفين من الأقسام غير الهندسية. الحل هو أن تترك الحكومة للوكلاء إمكانية تدبير الدولار كي يستطيعوا الاستمرار في العمل، وأنا أعتقد أنه إذا تم هذا فستختفي ظاهرة (الأوفر برايس) وسينخفض ثمن السيارة 200 ألف جنيه على الأقل».

في شركة «وهدان» أصبحت الأسئلة الوجودية هي محور التفكير؛ يقول كريم وهدان «درسنا إمكانية تغيير النشاط والخروج من مجال صيانة السيارات لأننا لم نشهد أزمة مشابهة منذ بدأنا قبل خمسين عاماً، لكننا نحّينا الفكرة جانباً ورأينا أن الأفضل هو الهروب إلى الأمام، فمن الأفضل الاتجاه إلى التصنيع المحلي لبعض قطع الغيار المعتمدة من المصانع الأوروبية والآسيوية، وربما صناعة السيارات كاملة لاحقاً».

خالد سعد، الأمين العام لرابطة مصنعي السيارات في مصر، أكد في اتصالٍ هاتفي مع «CNN الاقتصادية» أن «مكونات صناعة السيارات في مصر تصل إلى 45 في المئة من قيمة السيارة؛ 30 في المئة مكونات محلية الصنع تُستخدم في تصنيع السيارة و15 في المئة استثمارات، كلما ارتفعت هذه النسبة زادت حصيلة الدولار التصديري، وسُمح لنا باستيراد السيارات دون إضافة عبء على التزامات الدولة الدولارية».

وحتى ذلك الحين، ستظل الشركات تبحث عن حلول بديلة، بينما يظل حلم تملك السيارة يداعب خيال أعداد متزايدة من المصريين.