سبعة أيام قاسية مرت كالدهر على قطاع المصارف في الولايات المتحدة، أثارت ذعراً في أوساط المودعين، وأفضت إلى تدخل حكومي بغية الإنقاذ، لترسم مشاهد سقوط مدوية أعادت للأذهان شبح الأزمة المالية العالمية في 2008.
تدخل حكومي للإنقاذ
مشاهد عدة لهلع كبير أصاب مصارف وول ستريت، فقد انخفض مؤشر الدولار بنسبة 0.9 في المئة منذ بداية مارس آذار الجاري، ليشهد أسوأ أداء له في شهر خلال تداولات 14 مارس الجاري.
كما انخفض العائد على سندات الخزينة الأميركية لأجل سنتين بواقع 100 نقطة أساس، بعد ثلاثة أيام من انهيار بنك سيليكون فالي، مسجلاً أكبر انخفاض على مدار ثلاثة أيام منذ 22 أكتوبر تشرين الأول 1987، ما دفع كل من المصارف الخاصة وكذلك الحكومة الأميركية، على التدخل لإنقاذ المشهد.
فقد قدمت مجموعة من 11 بنكًا، بما في ذلك جي بي مورغان، «سيتي غروب»، «بنك أوف أميركا» وغيرهم، ودائع غير مؤمنة بقيمة 30 مليار دولار للمساعدة في دعم البنك المحاصر «First Republic Bank» لتلافي وصوله للإفلاس أو للتعثر.
وكان الهدف من هذه الخطوة هو المساعدة في بناء الثقة في النظام المصرفي الأميركي في أعقاب انهيار « سيليكون فالي بنك» و«سيغناتشير بنك».
من جهتها، تدخلت الحكومة الأميركية لمنع انتقال الأزمة إلى القطاع المصرفي ككل، مؤكدة أن المودعين سيتمكنوا من الوصول الكامل إلى أموالهم.
بنوك أوروبا
تراجع مؤشر البنوك الأوروبية «ستوكس يوروب 600» بأكثر من 14 في المئة منذ بداية مارس الجاري، وقد خسر حوالي 13 نقطة منذ انهيار سيليكون فالي بنك في العاشر من الشهر الجاري.
لكن هذا التراجع لم يدم طويلا، فقد افتتح جلسة الجمعة على ارتفاع بـ0.6 في المئة، وارتفعت أسهم البنوك قرابة 3 في المئة، وسرعان ما تدارك بنك «كريدي سويس» انهيار أسهمه، ليقفز نحو 40 في المئة الخميس، إثر التدخل السريع للبنك المركزي السويسري الذي حال دون انهيار ثاني أكبر بنوكه.
بنوك الخليج ودروس أزمة 2008
ويرى عمرو زكريا أن بنوك الخليج تعلمت كثيرا من أزمة 2008، ولديها بنوك مركزية قوية جدا ولديها ملاءة ضخمة تمكنها من التدخل مباشرة في حال تعثر أي مصرف محلي، وهو ما يؤكده تصريح ايمن السياري محافظ «البنك المركزي» السعودي الذي قال إن معدل تغطية السيولة يقارب 180 في المئة، كما أن معدل كفاية رأس المال للبنوك السعودية يقارب 20 في المئة.
وبحسب السياري فإنه من المستبعد أن تقوم محافظ استثمارية خليجية أو حتى صناديق استثمار خليجية بشراء حصص مقدّرة من البنوك التي واجهت تعثرات مالية مؤخرا، تماما كما حدث في أعقاب الأزمة المالية عام 2008.
وتطرق السياري إلى حصة «البنك الأهلي» السعودي في «كريدي سويس»، جازماً بأنه لولا القوانين التي تمنع تملك جهات أجنبية حصص تفوق عشرة في المئة لاتخذ قراراً برفع حصته في البنك السويسري.
من جهته، قال المحلل الائتماني في «ستاندرد اند بورز غلوبال» محمد داماك «في ضوء التمويل الجيد للبنوك وملف السيولة والدعم الحكومي المتوقع عند الحاجة، فإن فرصة قيام البنوك الخليجية ببيع كميات كبيرة من الأوراق المالية الاستثمارية تبدو محدودة».
وأضاف داماك «مع ذلك، حتى ولو فعلت، سيكون التأثير على الربحية وليس على الرسملة لغالبية البنوك المصنفة».
وذكرت «ستاندرد اند بورز غلوبال» للتصنيف الائتماني في تقريرها الصادر الخميس، أن غالبية انكشاف البنوك الخليجية في الولايات المتحدة أقل من خمسة في المئة من إجمالي الأصول، وهو أمر يدل على عدم إمكانية تعرضها لمخاطر كبيرة خلال الأزمة الحالية.
لا خطر على مصارف أميركا
وقال عمرو زكريا، مؤسس «ماركت تريدر أكاديمي الأميركية»، في حديث لـ«CNN الاقتصادية» إن «هناك خمسة آلاف بنك إقليمي وحوالي خمسة آلاف مؤسسة ائتمانية متخصصة بقطاعات معينة في الولايات المتحدة، ولا يمكن أن تدع الإدارة الأميركية كل هذه البنوك تنهار أو حتى تتعثر».
وأشار زكريا إلى أن هجرة رؤوس الأموال من بنوك صغيرة إلى بنوك كبرى مثل «جي بي مورغان»، و «بنك أوف أميركا» سرعان ما انتبه الفيدرالي الأميركي ووزارة الخزانة إلى أن انتقال الأموال خطر جدا على الاقتصاد – المبني على الاقتراض أساساً، وكذلك على الثقة بالمصارف، لذلك تدخل بسرعة وبإجراءات استثنائية.
ولفت زكريا إلى أن الخطوات الاستثنائية وأهمها رفع غطاء التأمين إلى سقف غير محدود عوضا عن كونه 250 ألف دولار، منع بشكل كبير إمكانية انتقال العدوى إلى بنوك أخرى، وحدّ من تفاقم الأزمة.
وتابع «التحوط كان مؤقتاً ونجحت الحكومة في طمأنة المودعين، الأمر الذي أوقف عمليات السحب الضخمة أو حتى نقل الودائع إلى مصارف كبرى».
كيف يجب أن يتصرف المودعون بعد انهيار «بنك سيليكون فالي»؟
يرى زكريا أن تقسيم الحسابات الضخمة إلى 3 أو 4 أرصدة وتوزيعها على عدة بنوك قد يحمي المودعين، في إطار تقسيمها بحد التأمين عند 250 ألف دولار لكل حساب، وهو ما تضمنه المؤسسة الفيدرالية للتأمين على الودائع (FDIC).
ولفت زكريا إلى إمكانية الاتجاه نحو شراء السندات وهي الضمانة الأكبر، أما حملة الأسهم فهم آخر فئة يتم تعويضها في حالة الانهيار.
بنوك أوروبا تجاوزت الأزمة
وقال زكريا إن البنوك المركزية العالمية تعلمت درسا كبيرا بعد الأزمة العالمية في 2008، وهو التدخل من الإشارة الأولى لأي أزمة لتفادي السقوط الحر، مشيراً إلى أنه في خلال 14 سنة مضت استحدثت البنوك المركزية أدوات كثيرة لمساعدة البنوك في تسييل الأصول غير سائلة».
كما أشار إلى وجود فرق كبير بين أزمة 2008 وأزمة 2023، لأنه في 2008 البنوك لجأت إلى المخاطرة بشكل كبير في أصولها، أما اليوم، فاستثمارات البنوك أغلبها في سندات الخزينة، وهو ما يعتبر خسائر مؤقتة ستعود للارتفاع حين تستحق آجالها.
وتابع زكريا أن «سيليكون فالي بنك» و«سيغناتشر بنك» كان لديهم أزمة سيولة حصرا، لكن أصولهم أو محفظتهم الاستثمارية كانت ممتازة، وهو الأمر الذي ينفي إمكانية حصول سيناريو الدومينو.
هل انتهت تداعيات أزمة سيليكون فالي؟
برأي الخبير في أسواق المال عمرو زكريا، فإن أخطر مرحلة في هذه الأزمة قد مرّت، موضحاً أن تدخل الفيدرالي، والبنوك الكبرى في أول 48 ساعة على الأزمة استدراكاً الأمر.
لكن ما يجب إيضاحه أن الهيئات الرقابية بعد اليوم ستشدد متطلباتها خصوصا على البنوك الصغيرة لتحسين موجوداتها، وستتم مراقبتها بشكل متشدد.
اجتماع الفيدرالي المقبل
وتوقع زكريا أن يواصل الفيدرالي الأميركي رفع الفائدة في اجتماعه المقبل بـ25 نقطة أساس، حال لم يرفع ستكون رسالة غير مطمئنة للأسواق، وكذلك فلن يتخلى عن مشواره الطويل لمحاولة كبح التضخم التي بدأها منذ نحو عام.
العملات المشفرة
ورجح زكريا ارتفاع سعر بتكوين إلى 30 ألف دولار و تخطى 40 ألف دولار نهاية العام الجاري، على خلفية الأزمة وانهيار الثقة في الكثير من أوعية الاستثمار.