عقب انهيار بعض البنوك الأميركية وما ترتب عليه من مخاوف بعض المودعين، كانت الأسواق تترقب موسم نتائج أعمال القطاع للربع الأول من 2023 لرسم صورة أوضح عن قوة البنوك وتأثير الأزمة بشكل عام عليها، وأتت هذه النتائج إيجابية بشكل عام، لا سيما بسبب معدلات الفائدة المرتفعة وسط سياسة تشديد نقدي من قبل الفيدرالي.
أكبر مقرض كان أكبر الرابحين
ارتفعت أرباح بنك «جيه بي مورغان»، وهو أكبر مقرض أميركي، بنسبة 52 في المئة على أساس سنوي لتصل إلى 12.6 مليار دولار ومتفوقة على التوقعات، وكانت إيرادات البنك قد سجلت مستويات قياسية في الربع الأول متفوقة أيضاً على توقعات المحللين، إذ صعدت بنسبة 25 في المئة لتصل إلى نحو 39.3 مليار دولار، كما شهد البنك ارتفاعاً مفاجئاً بالودائع بنسبة اثنين في المئة.
وقال الرئيس التنفيذي للبنك، جيمي ديمون في بيان: «لا يزال الاقتصاد الأميركي يرتكز على أسس صحية بشكل عام فلا يزال المستهلكون ينفقون ولديهم ميزانيات قوية، والشركات في حالة جيدة، ولكن -ومع ذلك- فإن غيوم العاصفة التي كنا نراقبها خلال العام الماضي لا تزال تلوح في الأفق، ويزيد اضطراب الصناعة المصرفية من هذه المخاطر، كما أن البنوك من المرجح أن تكبح جماح الإقراض لأنها تصبح أكثر تحفظاً قبل الانكماش المحتمل».
بطل الأزمة المالية خرج أيضاً منتصراً
تفوقت كذلك أرباح «بنك أوف أميركا»، وهو ثاني أكبر مقرض، على التقديرات، لا سيما بعد تسجيل تداول أدوات الدخل الثابت مكاسب كبيرة، وارتفعت أرباح البنك للربع الأول في 2023 بنسبة 15 في المئة على أساس سنوي لتصل إلى 8.2 مليار دولار، متجاوزة التوقعات، كما ارتفعت الإيرادات بنسبة 13 في المئة لتصل إلى 26.3 مليار دولار، متجاوزة التوقعات أيضاً، كما أن إيرادات تداول أدوات الدخل الثابت والعملات والسلع ارتفعت بشكل مفاجئ (بنحو 30 في المئة) لتصل إلى 3.4 مليار دولار، وزاد صافي دخل الفائدة بنسبة 25 في المئة ليصل إلى 14.4 مليار دولار.
أفضل الأرباع
وقال المدير المالي للبنك، أليستر بورثويك، في بيان: «يعكس نمو الإيرادات التحسن القوي في صافي دخل الفائدة، بالتزامن مع تسجيل قطاعات المبيعات والتداول أفضل الأرباع».
قسم التداول قاد أرباح سيتي
أعلن «سيتي غروب» عن ارتفاع صافي الدخل والإيرادات بشكل أفضل من المتوقع للربع الأول، مدفوعاً بالمكاسب من الفائدة، كما كان للبنك واحدة من أفضل عوائد تداول الدخل الثابت منذ عقد، وبلغت إيرادات البنك 21.45 مليار دولار مقابل توقعات عند 19.99 مليار دولار، أما صافي الدخل فقد بلغ 4.6 مليار دولار، مقابل توقعات عند 4.3 مليار دولار، وقال الرئيس التنفيذي للبنك، جين فريزر، في بيان «كانت ميزانيتنا العمومية القوية والمُدارة جيداً مصدر قوة لعملائنا، ونواصل إحراز تقدم في تنفيذ استراتيجيتنا التي تركز على أعمالنا الأساسية الخمسة المترابطة مع تبسيط الشركة وتحويلها».
نجحت المصارف الأميركية العملاقة الثلاثة في تحقيق مكاسب استثنائية بسبب رفع معدلات الفائدة، كما أن تلك البنوك استقبلت موجة نزوح للودائع من البنوك الأصغر حجماً حيث اعتبرها المودع «ملاذاً آمناً» لحماية أمواله نتيجة فشل بعض البنوك في الأشهر الأولى من هذا العام على رأسهم سيليكون فالي بنك.
عملاق الصفقات في وول ستريت تخلف عن الركب
فشل بنك «غولدمان ساكس» في مواكبة البنوك العملاقة الأخرى من حيث الدخل الثابت (التي تراجعت بنسبة 17 في المئة)، ما أسهم في هبوط إيرادات المصرف عن توقعات المحللين، ليصبح حتى لحظة كتابة هذا المقال البنك الأميركي الكبير الوحيد الذي سجل انخفاضاً في هذا المجال، وتراجعت أرباحه في الربع الأول من عام 2023 الجاري بنسبة 18 في المئة على أساس سنوي لتصل إلى نحو 3.2 مليار دولار.
وانخفضت الإيرادات بنسبة 5% تصل إلى 12.22 مليار دولار، أي أقل من التوقعات البالغة 12.79 مليار دولار، وأتت والضغوطات من قسم الإقراض ونتائج تداول السندات التي جاءت أضعف من المتوقع، كما سجل البنك خسارة قدرها 470 مليون دولار في قسم الخدمات المصرفية الخاصة والإقراض.
ولأن البنوك هي مرآة الاقتصاد، فالنتائج الإيجابية من المنطقي أن تكون أخباراً سارة، ولكن منذ أيام قليلة صرحت وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين بأن معدلات إقراض البنوك سوف تتباطأ بسبب أزمة المصارف، ما يعني أنّ الصورة الوردية لربحية البنوك قد لا تستمر لباقي العام، كما أن معدلات الفائدة تقترب من ذروتها بحسب ما صرح أكثر من عضو في الاحتياطي الفيدرالي، ناهيك عن مخاوف دخول الاقتصاد الأميركي في ركود تضخمي، وهو ما سيؤثّر في ربحية البنوك، أما أزمة البنوك التي تحدثنا عنها، فقد ألقت بظلالها على النتائج أيضاً، فكل البنوك رفعت من المخصصات بسبب الأزمة، فمثلاً، سيتي غروب خصص 241 مليون دولار في هذا الربع لتغطية خسائر القروض المحتملة، مقارنة بـ138 مليون دولار قبل عام، أما يولز فارغو فخصص 1.21 مليار دولار في الربع لتغطية خسائر القروض المحتملة، مقارنة بمخصصات قدرها 787 مليون دولار في الفترة نفسها قبل عام.
وقال وائل مكارم، كبير استراتيجي الأسواق في «إكسنس» إن رفع الفوائد من قبل الاحتياطي الفدرالي بالطبع كان داعماً أساسياً لأرباح البنوك في الفصل الأول، ولكن لا تزال هناك مخاطر عديدة تترابط في القطاع المصرفي، وخاصة في حال انكماش اقتصادي؛ ما يدفع الأفراد والشركات للتخلف عن سداد الديون، وأضاف مكارم أن بقاء العوائد على السندات في مستويات مرتفعة نسبياً تجذب المستثمرين أكثر من العوائد على ودائع البنوك، وعبر أن من ناحية الثقة، بالطبع الثقة في البنوك الكبيرة هي أكبر وأقوى من البنوك الصغيرة، مضيفاً أنه قد يحصل المزيد من الانهيارات في البنوك الأصغر حجماً مع استمرار لجوء المستثمرين إلى البنوك التي قد تعتبر أكثر أماناً.
فيما قال أحمد نجم رئيس قسم أبحاث السوق في الشرق الأوسط في «XS.com» إن عدداً كبيراً من البنوك فاجأت المستثمرين بنتائج أفضل من المتوقع، ما ساعد على دعم «جو تفاؤلي»، ولكن كانت إصدارات أرباح اليوم على اتجاه مختلف، حيث وضعت أرقام بنك «غولدمان ساكس» حداً لسلسلة من البيانات الإيجابية، ما دفع السوق للهبوط، وبينما نجح «غولدمان ساكس» في تحقيق أرباح، إلا أنه فشل في الوصول إلى مستوى الإيرادات التي توقعها السوق على عكس البنوك الأخرى، لذلك أدى الفارق مع نتائج البنوك الأخرى إلى تفاقم خسائر سهم «غولدمان ساكس» لأنه كان من بين الأقلية التي سجلت أرقاماً متراجعة، وأضاف أنه من المتوقع أن تعلن مؤسسات مالية أميركية كبيرة أخرى بأرباحها في الأيام المقبلة؛ ما قد يحرك السوق بشكل كبير حيث قد يصبح المستثمرون حذرين بعد أحداث اليوم.