وسط منافسة شرسة في عالم التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، استيقظ العالم على نبأ رحيل المصمم التاريخي لشركة أبل الذي صمّم هواتف آيفون إلى «أوبن ايه آي». فمَن هو جوناثان آيف الذي تتهافت عليه عمالقة وادي السيليكون؟ وما قصته؟
صفقة بالمليارات
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1738926244764-0'); });
نهاية مايو 2025، وتحديداً في الثاني والعشرين من الشهر ذاته، أعلن رئيس أبل سام ألتمان أن المصمم التاريخي للشركة الذي قاد عملية ابتكار هاتف «آيفون» جوناثان آيف المعروف اختصاراً بجوني إيف، سينضم مع فريقه إلى شركة «أوبن ايه آي» بهدف «تصميم سلسلة من الأجهزة المتصلة» لتسهيل استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي.
عملياً، ستستحوذ الشركة المُبتكرة لأداة «تشات جي بي تي» على شركة «آي أو» التي أسسها جوني إيف، حسب ما أفاد رئيس «آي أو» التنفيذي في مقطع فيديو عبر منصة «إكس».
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1739447063276-0'); });
وذكرت تقارير إعلامية عدة أن قيمة الصفقة تبلغ نحو 6,5 مليار دولار، وقال إيف في مقطع الفيديو الذي يظهر محادثة بينه وسام ألتمان في أحد مقاهي سان فرانسيسكو، «إن المنتجات التي نستخدمها للتواصل واستخدام هذه التكنولوجيا الفائقة التصوّر تعود إلى عقود»، مضيفاً «ربما هناك شيء آخر ينبغي ابتكاره».
وأوضح ألتمان أنّ إيف و«أوبن ايه آي» يتعاونان أصلاً منذ سنتين، في شراكة أسفرت عن «تصميمات ملموسة».
وأوضح ألتمان أن فريق جوني آيف سبق أن طوّر نموذجاً أولياً لجهاز متصل دون توفير تفاصيل إضافية، وقال «تمكّنت من اختباره، وهو أحد أروع التقنيات التي شهدها العالم على الإطلاق».
يعتبر المصمم البريطاني جوني آيف أو جوناثان آيف أحد أبرز الشخصيات داخل «أبل»، وكان صديقاً شخصياً للراحل ستيف جوبز، وهو رئيس قسم التصميم الصناعي في «أبل» حالياً، والمسؤول عن تصميم منتجات «أبل» كلها ومنها هواتف «آيفون» وأجهزة «آيباد» و«ماك»، وهو حائز أيضاً رتبة الإمبراطورية البريطانية.
مَن هو جوناثان آيف؟
وُلِد جوناثان بول آيف في 27 فبراير 1967 في تشينغفورد «شرق لندن»، ونشأ في كنف والد كان معلماً في مجال التصميم والتكنولوجيا من سنواته الأولى.
كان جوناثان مختلفاً، فقد كان طفلاً هادئاً، يحب تأمل الأشياء، يفككها، ثم يعيد ترتيبها بحس فني أقرب إلى الموسيقى منه إلى الهندسة، لم تكن أدواته ألعاباً، بل أقلام رصاص ومفكات ومسطرة.
درس جوني في مدرسة والتام فورست الثانوية، ثم التحق بجامعة نورثمبريا، حيث تخصّص في تصميم المنتجات الصناعية. وهناك، بدأت ملامح عبقريته تتشكل.
لم يكن يصمم من أجل الوظيفة فقط، بل من أجل التجربة الكاملة كيف يمسك الإنسان الشيء، كيف يشعر به، كيف يتصل به.
جوناثان آيف العائد من الموت
بينما كان طالباً، لم تكن الحياة دائماً سلسة، في تلك المرحلة تعرّض آيف لحادث غيّر نظرته للأشياء، كان ذلك حادث سيارة، حين اصطدمت مركبته بسيارة أخرى في أحد شوارع نيوكاسل، نجا بأعجوبة لكنه عانى إصابات طفيفة، وإن تركت تلك اللحظة أثراً عميقاً في وجدانه.
لم يكن الألم جسدياً فحسب، بل وجودياً؛ فقد جعلته يعيد التفكير في قيمة الحياة، وأهمية التفاصيل، ومدى هشاشة الأشياء وكل هذا لاحقاً انعكس في تصاميمه التي كانت تفيض بالعناية والرقة والتوازن.
دعوة أميركية غيّرت حياة جوناثان آيف
بعد تخرجه، شارك في تأسيس شركة صغيرة للتصميم اسمها Tangerine، لكنه لم يكن مرتاحاً في بيئة تجارية تفضّل الكلفة على الجمال، حتى جاء اليوم الذي غيّرت دعوة من شركة أميركية صاعدة وقتها كان اسمها أبل كل شيء، ولم يكن يعلم أن تلك الدعوة ستكون بداية رحلة ستجعله أحد أكثر المصممين تأثيراً في تاريخ التكنولوجيا.
عندما انضم جوناثان آيف إلى شركة أبل عام 1992، كانت الشركة تمر بمرحلة صعبة، فلم تكن أبل آنذاك القوة الإبداعية التي نعرفها اليوم، بل كانت شركة تتخبط بين محاولات متكررة للعودة إلى المسار.
على وشك الاستقالة
عُيّن مصمماً صناعياً، لكنه شعر بالإحباط في البداية، إذ كانت رؤيته الجمالية تصطدم بعقبات بيروقراطية ومحدودية خيال بعض المديرين. كان يشعر، كما قال لاحقاً، أنه «على وشك الاستقالة»، لكن القدر كان يحضر مفاجأة كبرى.
وفي عام 1997، عاد ستيف جوبز إلى أبل بعد سنوات من الإقصاء، كان يحمل حلماً لا يقل طموحاً عن أحلام آيف، لكنه كان بحاجة إلى مَن يترجم هذا الحلم إلى واقع ملموس.. شخص يرى في التصميم أكثر من مجرد مظهر، بل قلب وروح المنتج.. وعندما التقى جوناثان آيف، عرف فوراً أنه وجد شريكه المثالي.
جوناثان آيف وستيف جوبز.. لغة نادرة
كان اللقاء بينهما أشبه بتحالف بين شاعرين يتحدثان لغة نادرة لا يفهمها سواهما، ويقول آيف عن جوبز: «لقد كان يفهم التصميم، لمجرد أنه كان يشعر به».
بالمقابل قال جوبز عن آيف: «هو روحي التوأم في آبل.. أفكاره ليست فقط جميلة، بل عميقة».
خلق جوني وستيف تحالفاً خطيراً لا يُسمع بل يرى، وكانت أولى ثمار هذا التحالف كانت آي ماك في 1998 وهو جهاز كمبيوتر بلون شفاف، يشبه قطعة من الفن المعاصر، فلم يكن مجرد جهاز مكتبي بل إعلان ثورة.
ثم تتابعت سلسلة الأسطورة من جوني تحت رعاية جوبز بدءاً من أي بود مروراً بآيفون وصولاً إلى آيباد.
فعلى مدى أكثر من عقدين، أصبح آيف وجوبز ثنائياً أسطورياً، وبينما كان جوبز يعبّر بالكلمات، كان آيف يعبّر بالمواد والضوء والظل.
وعندما رحل جوبز عام 2011، كان آيف من أكثر من تأثروا برحيله، وقال عنه: «كان أعز أصدقائي.. وفقدانه مثل فقدان جزء من نفسي».
بعد رحلة أكثر من مؤثرة بدأت من النجاة من الموت بأعجوبة وصولاً إلى عوالم أبل وآيفون الخفية.. ماذا يحمل جوناثان آيف العائد من الموت لـ«أوبن إيه آي»؟