عندما ارتفع الذهب فوق 2370 دولاراً للأوقية، يوم الخميس 6 يونيو حزيران 2024، لم يتخيل البعض أن يغلق المعدن النفيس الأسبوع على أكثر من 50 دولاراً هبوطاً دون 2320 دولاراً للأوقية يوم الجمعة.
ومدد الذهب خسائره السابقة ليتم تداوله دون 2320 دولاراً للأوقية يوم الجمعة، في أدنى مستوى له خلال شهر، تحت ضغط التحول المتشدد في التوقعات الخاصة بمجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، مع انخفاض مشتريات البنوك المركزية في آسيا.
وأضاف الاقتصاد الأميركي 272 ألف وظيفة في مايو، أي ما يقرب من 100 ألف أكثر من متوسط توقعات السوق لدعم مرونة سوق العمل، ما يدعم التوقعات بأن بنك الاحتياطي الفيدرالي سوف يؤخر المزيد من بدء تخفيضات أسعار الفائدة، كما انخفضت احتمالات تيسير بنك الاحتياطي الفيدرالي في سبتمبر بشكل حاد إلى 55 في المئة من 68 في المئة قبل الإصدار.
وفي الوقت نفسه، أوقف بنك الشعب الصيني إقباله الشديد على شراء الذهب في شهر مايو أيار الماضي، بالإضافة إلى الآمال بأن البنوك المركزية الكبرى ستبدأ خفض أسعار الفائدة قريباً، كان الطلب على السبائك من البنوك المركزية في آسيا هو المحرك الرئيسي للارتفاع الذي دفع أسعار الذهب إلى مستوى قياسي بلغ 2450 دولاراً في شهر مايو أيار.
أسعار الذهب في أسبوع
وانخفض سعر الذهب اليوم بنسبة 3.53 في المئة يوم الجمعة، وعلى مدار الأسبوع هبط بنسبة 1.46 في المئة، كما هبط بنسبة 0.68 في المئة على مدار الشهر، فيما احتفظ الذهب ببعض مكاسبه على مدار السنة الأخيرة، حيث ارتفع الذهب بمعدل سنوي بنحو 16.53 في المئة، وفقاً لتريدنج إيكونوميكس.
وكان الذهب بدأ هذا الأسبوع عند سعر 2330 دولاراً للأوقية يوم 3 يونيو حزيران.
سوق الذهب العالمية
تعد سياسة التخلي عن الدولار الأميركي أحد أهم الأسباب، إذ يشكّل تجميد احتياطيات روسيا من الذهب والعملات الأجنبية في حسابات البنوك الأوروبية والأميركية بعد اندلاع العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا سابقة خطيرة، حفزت الدول النامية بشكل متزايد على التخلي عن العملة الأميركية لصالح أصول مالية أخرى، بما في ذلك الذهب.
ونما الطلب الاستثماري على الذهب كملاذ آمن بشكل ملحوظ مع قيام البنوك المركزية في أنحاء مختلفة من العالم بزيادة الاحتياطي من الذهب، مع ارتفاع معدلات التضخم العالمية، وهي عوامل أسهمت في زيادة المخاوف، بجانب النمو السريع لديون الحكومة الأميركية.
ومنذ نهاية عام 2023، قامت العديد من الدول بزيادة حيازاتها من الذهب، وهي الصين والهند وتركيا وبولندا وقطر وبيلاروسيا وصربيا والتشيك وقرغيزستان وبنغلاديش ومالطا.
كما يمثل صعود المخاوف الجيوسياسية حول العالم سبباً في زيادة أسعار الذهب ونمو الطلب عليه، فمثلاً مؤخراً أسهمت الحرب الروسية الأوكرانية وحرب غزة بين حماس وإسرائيل بشكل مباشر في الارتفاع الحالي لأسعار الذهب، كما أدت المخاطر الجيوسياسية المصاحبة لذلك إلى تحفيز البنوك المركزية في دول الجنوب العالمي وآسيا والشرق الأوسط وأوروبا الشرقية على زيادة الاحتياطي من الذهب.
وأظهر تقرير صادر عن مجلس الذهب العالمي أن البنوك المركزية في هذه الدول اشترت نحو 800 طن من الذهب في الفترة من يناير كانون الأول إلى سبتمبر أيلول 2023، بزيادة 14% على عام 2022.
ويعتقد بعض المحللين أن طلب البنوك المركزية على الذهب سيكون أحد المحفزات الرئيسية لارتفاع أسعار الذهب في عام 2024 وما بعده، ووفقاً لتقرير مجلس الذهب العالمي، سيؤدي أي تصعيد إلى تأثير إيجابي على أسعار الذهب والفضة.
احتمالات خفض أسعار الفائدة
يبلغ سعر الفائدة الحالي في أميركا 5.5 في المئة، وسط تباطؤ التضخم إلى 3.1 في المئة في يناير كانون الثاني 2024، وفقاً لتصريحات رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول، قد يتم خفض أسعار الفائدة وتخفيف تشديد السياسة النقدية في وقت مبكر من هذا العام، على الأرجح خلال اجتماع الفيدرالي في يونيو حزيران الجاري.
ومع ذلك، أوضح بأول أنه يتعين على الفيدرالي ضمان انخفاض التضخم بشكل ثابت إلى نحو 2 في المئة لخفض أسعار الفائدة.
كما أعلنت المتحدثة باسم البنك المركزي الأوروبي كريستين لاغارد عزمها تخفيف السياسة النقدية في اجتماع يونيو حزيران، وبحسب ما ورد حتى الآن، أبقى البنك المركزي الأوروبي السعر دون تغيير عند 4.5 في المئة في اجتماعه الأخير الذي عقد في مارس آذار.
ويمكن أن تؤدي أسعار الفائدة المنخفضة إلى استعادة شهية المستثمرين للمخاطرة واستئناف تدفق الأموال من الأصول الآمنة مثل الذهب، فكلما انخفضت أسعار الفائدة ارتفعت أسعار الذهب والعكس صحيح.
مخاوف الركود تزيد الطلب على الذهب
يصنف الذهب على مر التاريخ في مقدمة الأصول ذات الملاذات الآمنة، وقد شهدت أسعار الذهب ارتفاعات قوية طوال الفترة الماضية، حيث عادت من جديد إلى مستويات 2000 دولار للأونصة، مع زيادة مخاوف انزلاق الاقتصاد العالمي إلى الركود، حيث يزيد الطلب على المعدن الأصفر كأداة رئيسية للتحوط ضد التضخم الذي وصل إلى أعلى مستوياته على الإطلاق، طبقاً لما قاله رائد الخضر رئيس قسم أبحاث الأسواق المالية في مجموعة «إكويتي Equiti».
يبرز خطر الركود الاقتصادي بشكل جلي في اقتصاديات كل من أوروبا والولايات المتحدة، على سبيل المثال ارتفع عدد حالات إفلاس الشركات في الولايات المتحدة ومنطقة اليورو بنسبة 18% و30%على التوالي في العام الماضي.
في ألمانيا، إحدى الاقتصادات الرائدة في الاتحاد الأوروبي، أفلست 25% من الشركات في عام 2023 أكثر من عام 2022. وفي إنجلترا والسويد والدنمارك وفنلندا، تجاوز عدد الشركات التي أفلست في عام 2023 ذروة الأزمة المالية التي حدثت بين عامي 2008 و2009.
تعود هذه المؤشرات من ناحية إلى ارتفاع أسعار الفائدة وتكاليف الاقتراض، ومن ناحية أخرى إلى إلغاء الدعم الحكومي المقدم خلال فترة جائحة كورونا، كما أن استمرار ارتفاع أسعار الطاقة له تأثير مباشر أيضاً على السعر.
على الرغم من مخاطر إغلاق الحكومة الأميركية، واجهت حكومة البلاد صعوبة في التوصل إلى حل وسط بشأن الميزانية الفيدرالية البالغة 1.6 تريليون دولار لعام 2024.
أدى تضافر هذه العوامل إلى إفلاس العديد من الشركات، ووفقاً لوكالة التصنيف الائتماني Moody’s، سيستمر عدد الشركات التي ستعلن إفلاسها في الارتفاع خلال عام 2024.
يتم تداول الذهب في الغالب في سوق OTC لندن، وسوق العقود الآجلة الأميركية (COMEX) وبورصة شنغهاي للذهب (SGE)، والعقد المستقبلي القياسي هو 100 أونصة تروي.
ويعد الذهب استثماراً جذاباً خلال فترات عدم اليقين السياسي والاقتصادي.
ونصف استهلاك الذهب في العالم يكون في المجوهرات، و40 في المئة في الاستثمارات، و10 في المئة في الصناعة، وأكبر المنتجين للذهب في العالم هم الصين وأستراليا والولايات المتحدة وجنوب إفريقيا وروسيا وبيرو وإندونيسيا، وأكبر مستهلكي المجوهرات الذهبية في العالم هم الهند والصين والولايات المتحدة وتركيا والمملكة العربية السعودية وروسيا والإمارات العربية المتحدة.