تسجّل أسعار الكاكاو ارتفاعاً في الأسواق المالية، لكن هذا الارتفاع يفيد مزارعي هذه الحبوب ومصنّعي مشتقاتها وكذلك المضاربين و صانعي الشوكولاتة على نحو متفاوت.
ففي مارس آذار الماضي، ارتفعت الأسعار إلى أكثر من 10 آلاف دولار للطن في نيويورك من جراء تراجع المحاصيل في غرب إفريقيا بسبب سوء الأحوال الجوية والأمراض التي تقضي على المزارع القديمة.
لكن الأسعار تراجعت منذ ذلك الحين عن ذروتها، إلا أنها لا تزال أعلى بثلاثة أضعاف مقارنة بعام 2023.
تفاوت كبير في أسعار الكاكاو
في ساحل العاج و غانا، أكبر منتجي الكاكاو في العالم، تحدّد السلطات الأسعار في أكتوبر تشرين الأول على أساس الأشهر السابقة، ولكن بحلول الفترة المشار إليها تكون المحاصيل «بغالبيتها قد بيعت مسبقاً»، وفق تانكريد فواتورييه من منظمة البحث والتعاون الزراعي الفرنسية «سيراد».
هذا الأمر يحدّ من تأثير تقلبات أسعار الكاكاو، سواء صعوداً أو هبوطاً، لكن هذه الطفرة لا تفيد على نحو مباشر صغار المنتجين الذين تقتصر مكاسبهم عادة على ما يكفيهم بالكاد.
إلى ذلك، رفعت السلطات سعر المحاصيل المتوسطة في أبريل نيسان الماضي بنسبة 50 في المئة إلى ما بين 2300 و2500 دولار للطن، وهي زيادة متواضعة مقارنة بما يمكن أن يتقاضاه المزارعون في البورصات العالمية.
وفي البلدان ذات القواعد الأقل تنظيماً، على غرار الكاميرون ونيجيريا والإكوادور والبرازيل، استفاد المزارعون من هذا المنحى بشكل أكبر.
فقد سُمح لهؤلاء المزارعين ببيع حبوبهم لجهات مستعدة للشراء بأسعار تقارب تلك التي تُدفع في الأسواق المالية.
لكن هذا النهج غير المنظّم يأتي مصحوباً بمخاطر.
قال منسق غرفة البن والكاكاو في البيرو ديفيد غونزاليس في تصريح لوكالة فرانس برس إن «ارتفاع الأسعار جعل الإنتاج أكثر جاذبية».
لكن تبقى الخشية من أن إنتاج الكاكاو سيشهد فائضاً في غضون ثلاث إلى خمس سنوات، وهو الوقت الذي يحتاج إليه المزارعون الذين يأملون الاستفادة من زراعة أشجار جديدة، ما سيخفّض الأسعار مجدداً.
وسطاء ينتهزون الفرص
بشكل عام، يتفاوض المصنّعون الرئيسيون لمشتقات الكاكاو ممن يطحنون الحبوب لتحويلها إلى زبدة أو مشروبات كحولية أو مسحوق، ولا سيما «باري كاليبوت» السويسرية و«كارغيل» الأميركية و«أولام» السنغافورية، سنوياً على قسم كبير من إمداداتهم مقدماً.
لكن بعض العقود لم يتم الوفاء بها، ما أجبرهم على البحث عن الكاكاو الذي تشتد الحاجة إليه بتكلفة عالية، وفي بعض الحالات إلى خفض الإنتاج.
أعلنت «باري كاليبوت» في أوائل أبريل نيسان الماضي أنها سحبت أكثر من المعتاد من احتياطياتها النقدية لتمويل مشتريات الحبوب، لكن لديها ما يكفي من الكاكاو لتلبية الطلب.
قد يجد وسطاء أصغر حجماً صعوبة في توفير الأموال اللازمة للتكيف مع الأسعار المرتفعة، ومع ذلك هناك مجموعة من الوسطاء الذين يسعدهم ارتفاع الأسعار.
أشار ستيف ووتريدج من مركز «تروبيكال ريسرش سيرفيسز» لتحليل بيانات السلع الاستوائية إلى احتمال استفادة تجار السوق السوداء من الأنظمة في ساحل العاج وغانا عبر شراء الكاكاو بسعر أعلى قليلاً من الأسعار المحددة وبيع الحبوب في الأسواق المفتوحة في توغو أو غينيا أو ليبيريا أو سيراليون.
فرص متفاوتة
تسجل أسعار الكاكاو ارتفاعاً لأن العرض أقل من الطلب للعام الثالث على التوالي، وفقاً للمنظمة الدولية للكاكاو، وتعوِّل صناديق الاستثمار التي استشعرت تغير الظروف على ارتفاع الأسعار، وتحقق أرباحاً في هذه العملية.
ولكن بدءاً من يناير كانون الثاني من العام الجاري أصبحت الأسعار شديدة التقلّب على نحو لا يروق حتى لصناديق المضاربة الأكثر شهية للربحية.
انسحب مستثمرون كثر من السوق بالكامل فتراجع حجم العقود المتداولة من 334 ألفاً في منتصف يناير كانون الثاني إلى 146 ألفاً في أبريل نيسان، وفق أولي هانسن من «ساكسو بنك».
وفق ووتريدج «لا يمكن تحميل المضاربين مسؤولية تضخيم الأسعار بشكل مصطنع».
من ناحية أخرى، تميل شركات الوساطة التجارية بين الدول وأيضاً صانعو الشوكولاتة إلى التحوّط من انعكاسات الأسعار.
لكن بعدما ارتفعت الأسعار اضطر العديد من هؤلاء لرصد مزيد من الأموال لتغطية خسائرهم المحتملة.
صانعو الشوكولاتة يتكيّفون
نظراً إلى الفارق الزمني بين حصاد الكاكاو والمنتج النهائي، لا ينبغي نظرياً أن ينعكس ارتفاع تكلفة إنتاج الشوكولاتة على رفوف المتاجر بالنسبة لعمالقة القطاع على غرار «مارس» و«موندليز» و«نستله» و«هيرشي» و«فيريرو».
وأكد الرئيس التنفيذي لنستله أولف شنايدر في أبريل نيسان الماضي أن شركته «مغطاة إلى حد كبير» بفضل العقود الآجلة لما تبقى من العام.
لكن مع مرور الوقت، فإن ارتفاع أسعار الكاكاو الخام سيكون له تأثير في نهاية المطاف.
وتجنّباً لتحميل الكلفة لمستهلكين متضررين بالفعل من ارتفاع التضخم، يمكن للمصنعين تغيير وصفاتهم، على غرار زيادة نسبة البندق في نوتيلا على سبيل المثال، أو تقليل حجم الحصة.
حتى بالنسبة لصانعي الشوكولاتة الحرفيين، فإن تكلفة الكاكاو الخام لا تشكّل سوى جزء صغير من المنتج النهائي.