كان عام 2023 استثنائياً في صدماته الاقتصادية بالنسبة للعديد من أشهر الرؤساء التنفيذيين حول العالم، بداية من إيلون ماسك وصولاً إلى غوتام أداني، الغريب في الأمر أن هذه الصدمات لم تشكل مفاجآت، إذ أشارت إليها التوقعات قبل حدوثها لكن أصحابها لم يأخذوا التحذير بعين الاعتبار.
مع الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي طالت محدودي ومتوسطي الدخل، فإن رياح 2023 كانت أقوى حتى من أكبر المليارديرات، وحتى أغنى رجل في العالم.
كيف كان 2023 عاماً لتدمير الأحلام؟
انهارت العديد من البنوك مثل سيليكون فالي وكريدي سويس، وخسرت كبرى الشركات مليارات الدولارات، وسرحت آلاف الموظفين، وسُلط الضوء على عدد من الرؤساء التنفيذيين ما جعلهم الشغل الشاغل للجميع، فمن قرارات ماسك المتهورة، إلى فضيحة بينانس، حتى أضحى 2023 عاماً يتمنون نسيانه، على الرغم من تركه بصمة كبيرة ستخلف تداعيات جمة في 2024، فبعضهم ألحق أضراراً بالغة بسمعته، فيما سيواجه آخرون المزيد من المشكلات مستقبلاً.
إيلون ماسك.. خسائر إكس وتسلا وسبيس إكس
لم تكن قرارات إيلون ماسك المتعلقة بمنصة إكس -تويتر سابقاً- خلال 2023 المثيرة للجدل هي أكبر العقبات التي واجهها الملياردير الأميركي، بل أيضاً شكلت شركتا تسلا وسبيس إكس أعظم مشكلاته.
على الرغم من ارتفاع أسهم شركة تسلا -الشركة الأكثر ربحية له- بأكثر من الضعف خلال 2023، واستعادتها أكثر من نصف القيمة التي فقدتها خلال 2022، وتجاوزت بالفعل رقم مبيعاتها السنوي السابق في الأرباع الثلاثة الأولى فقط من العام، وأخيراً سلمت أول (سايبرترك)؛ لكن كل ذلك لم يجنبها الوقوع في فخ المشكلات.
أعلنت الشركة عن سلسلة من التخفيضات في أسعار سياراتها للحفاظ على الطلب في مواجهة المنافسة المتزايدة على السيارات الكهربائية من شركات صناعة السيارات الأخرى، ما ترك تأثيراً في أرباحها، كما حذر ماسك المستثمرين من تأخير جني الأرباح من (سايبرترك)، الأمر الذي قد يصل إلى عام كامل.
وأجبر منظمو السلامة الفيدراليون شركة تسلا على استدعاء جميع مركباتها التي يزيد عددها على مليوني سيارة على الطرق الأميركية للحد من استخدام نظام القيادة الآلي؛ لأنه يشكل تهديداً للسلامة، وذلك بعدما اضطرت الشركة إلى استدعاء جميع سياراتها الأميركية البالغ عددها 363 ألف سيارة، والمجهزة بما يسمى برنامج (القيادة الذاتية الكاملة)، في وقت سابق من العام.
أما سبيس إكس، فكان عامها أشد قسوة، وبعدما كان ماسك يعد بنقل الناس إلى القمر، دُمرت أحلامه على واقع انفجارين لمركبة الفضاء ( ستارشيب).
وتعليقاً على الأمر، قالت الشركة في منشور «النجاح يأتي مما نتعلمه، واختبار اليوم سيساعدنا في تحسين موثوقية ستارشيب».
وبالطبع جاءت منصة إكس لتشكل الخاسر الأكبر بين أعمال ماسك، من هروب معلنين، إلى ارتفاع معدل خطابات الكراهية، وتراجع المبيعات بنسبة 60 في المئة خلال سبتمبر أيلول.
بوب إيغر.. ديزني تعود إلى نقطة الصفر
رحبت شركة ديزني بعودة بوب إيغر من جديد، سعياً لاستغلاله لإنقاذ الشركة العملاقة في مجال الإعلام من المشكلات التي تلاحقها، علماً أنها شهدت سنوات قوية في ظل رئاسته التنفيذية السابقة التي استمرت من 2005 إلى 2021.
بدت عودة إيغر في البداية بمثابة خطوة رابحة، فقد قدّم حلولاً لوقف نزيف الخسائر عن طريق المزيد من الإعلانات، وزيادة رسوم الاشتراك؛ لكن المشكلات في ديزني، بما في ذلك الخسائر في خدمة البث المباشر (ديزني بلس)، واصلت نموها؛ ما أدى إلى انخفاض الأسهم بشكل أكبر.
وتضررت شركة ديزني وغيرها من الاستوديوهات وخدمات البث المباشر من إضراب نقابة الكتاب الأميركية، ما أدى إلى إيقاف إنتاج الأفلام والتلفزيون.
وبعد عام قاسٍ، أنهت أسهم ديزني العام على ما كانت عليه عندما قرر مجلس إدارتها إعادة إيغر، لتعود إلى نقطة البداية.
غريغ بيكر.. انهيار بنك سيليكون فالي
قبل عام واحد، لم يكن سوى عدد قليل من الناس خارج عالم شركات التكنولوجيا الناشئة قد سمعوا عن بنك سيليكون فالي، وكان عدد أقل من الناس يعرفون غريغ بيكر الرئيس التنفيذي للبنك.
في شهر مارس آذار، عندما كشف بيكر أن البنك يواجه مشكلة سيولة وأنه يأمل في جمع 2.25 مليار دولار من رأس المال، بالتزامن مع رغبته في بيع أصول بقيمة 21 مليار دولار، فقد أشعل ذلك أزمة في النظام المصرفي الأميركي أعادت للأذهان الانهيار المالي عام 2008.
تفاقمت الأزمة بسبب خطة بيكر بيع سندات الخزانة الأميركية، التي من شأنها أن تجعلها تعلن عن خسارة قدرها 1.8 مليار دولار بسبب ارتفاع أسعار الفائدة.
وحقيقة أنه كشف عن المشكلات قبل أن يتمكن من تحديد المستثمرين الذين يحتاج إليهم لحل المشكلة، واعترف بأن أصوله فقدت قدراً كبيراً من قيمتها، كانت سبباً في تهافت المستثمرين على سحب أموالهم من البنك.
كما سارع العملاء إلى سحب نحو مليون دولار في الثانية، أي 42 مليار دولار خلال 10 ساعات، وانهار البنك في غضون 48 ساعة، ما جعله في ذلك الوقت ثاني أكبر انهيار بنك في تاريخ الولايات المتحدة.
لكن المشكلات في البنك تسببت في سلسلة من الانهيارات الأخرى بين البنوك ذات الحجم المماثل، ما أثار المخاوف من انهيار النظام المالي الأميركي على غرار ما أشعل شرارة الركود الكبير.
ولحسن الحظ، لم يحدث ذلك قط، وقد ساعدت الوعود التي بذلتها وزارة الخزانة بتقديم الائتمان للبنوك، ووعدت المؤسسة الفيدرالية للتأمين على الودائع بتعويض المودعين بما يتجاوز الحدود الطبيعية للتأمين، في وقف حالة الذعر.
أما بالنسبة لبيكر، فقد أصبح بالطبع عاطلاً عن العمل وكانت ممتلكاته من الأسهم في البنك عديمة القيمة في الأساس، على الرغم من بيعه 3.6 مليون دولار من أسهمه قبل أسابيع قليلة من الانهيار، لذلك كان لديه ما يكفي من المال لترتيب رحلة عائلية إلى هاواي، الأمر الذي أثار المزيد من الغضب.
أولريش كورنر.. أسوأ أداء لكريدي سويس
بعد أيام فقط من انهيار بنك سيليكون فالي في مارس آذار، أخبر بنك كريدي سويس المستثمرين أنه وجد ضعفاً مادياً في تقاريره المالية، ما يعني أنه لم يقيّم المخاطر بشكل صحيح، وذلك بعد شهر واحد فقط، من إعلان البنك عن أسوأ أداء سنوي له منذ الأزمة المالية العالمية.
وسارع المودعون إلى سحب الأموال خلال تلك الفترة، التي بلغت 67 مليار فرنك سويسري (ما يعادل نحو 75.2 مليار دولار) من حساباتهم في الأشهر الثلاثة الأولى من العام.
في 19 مارس آذار، وافق البنك على أن يشتريه بنك (يو بي إكس) مقابل 3 مليارات فرنك سويسري (3.25 مليار دولار)، أي أقل بنحو 60 في المئة من قيمته.
تشانغبينغ تشاو.. غسل الأموال في بينانس
في أوائل عام 2022، كان خبير العملات المشفرة والرئيس التنفيذي لشركة بينانس، تشانغبينغ تشاو، واحداً ضمن مؤشر بلومبيرغ لأثرياء العالم، بثروة صافية تقدر بنحو 100 مليار دولار.
لكن بحلول نهاية عام 2023، أقر بأنه مذنب في التهم الموجهة إليه في الولايات المتحدة بغسل الأموال، ووافقت بينانس على دفع مبلغ قياسي قدره 4 مليارات دولار كعقوبات وغرامات.
ودفع تشاو نفسه غرامات بقيمة 200 مليون دولار واستقال من منصبه كرئيس تنفيذي لبورصة العملات المشفرة التي أسسها.
لكن مشكلاته لم تنتهِ بعد، فهو يواجه عقوبة السجن لمدة أقصاها 10 سنوات، على الرغم من أن عقوبته النهائية ستكون على الأرجح أقل بكثير، ومن المحتمل أن تضع المبادئ التوجيهية الفيدرالية الحد الأدنى للعقوبة المحتملة على تشاو نحو 18 شهراً.
وقال تشاو حينذاك «لقد ارتكبت أخطاء، ويجب أن أتحمل المسؤوليات».
غوتام أداني.. أكبر عملية خداع
في خريف عام 2022، أصبح رجل الأعمال الهندي غوتام أداني ثاني أغنى شخص في العالم، ليتجاوز مؤسس أمازون جيف بيزوس، وفقاً لمؤشر بلومبيرغ للمليارديرات في ذلك الوقت، إذ قُدرت ثروته الصافية حينذاك بنحو 146.9 مليار دولار.
ظهرت المشكلات في وقت مبكر من العام عندما أصدرت شركة بحوث هيندنبورغ، وهي شركة للبيع على المكشوف تجني الأموال من خلال المراهنة على انخفاض أسهم الشركات، تقريراً اتهمت فيه أداني بتنفيذ أكبر عملية خداع في تاريخ الشركة.
وردت مجموعة أداني على هذا التقرير في 400 صفحة، واصفة إياه بأنه ليس سوى كذبة.
خسر أداني نصف ثروته في غضون أسبوعين، وبعد أن كان يتنقل بين المراكز الخمسة الأولى في قائمة أغنى أثرياء العالم، أصبح متراجعاً بشكل كبير بعد هبوط ثروته، التي كانت تقدر بنحو 120 مليار دولار، إلى أقل من النصف.
يانغ هويان.. أغنى امرأة في آسيا تخسر أكثر من ثلثي ثروتها
لم يمضِ وقت طويل حتى كانت شركة (كونتري غاردن) أكبر شركة بناء منازل في الصين، وكانت يانغ هويان واحدة من أغنى النساء على هذا الكوكب، لكن كل ذلك أصبح ذكرى بالنسبة لها بعد عام صعب شهده قطاع العقارات في الصين.
وفي أكتوبر تشرين الأول، تخلفت الشركة عن سداد سندات بقيمة 500 مليون دولار، وقد اعتُبر ذلك بمثابة إشارة إلى أن سوق العقارات بالغة الأهمية في الصين كانت تعاني من ركود عميق يشكل تهديداً كبيراً لآفاق النمو في البلاد.
في أغسطس آب، قبل هذا التخلف عن السداد، ذكرت بلومبيرغ أن يانغ فقدت ثروة أكبر من أي ملياردير في العالم في العامين الماضيين، إذ انخفضت ثروتها بنسبة 84 في المئة منذ يونيو حزيران 2021، ما يعادل نحو 28.6 مليار دولار.
ضخت يانغ وعائلتها مليارات الدولارات في الشركة في شكل قروض جديدة وشراء أسهم وسندات، لكنهم لن يتمكنوا من تغيير الأمور من تلقاء أنفسهم دون تحسن سوق العقارات في الصين.