في خضم التحديات الكبيرة التي تواجهها شركة بوينغ، يتولى كيلي أورتبرج منصب الرئيس التنفيذي الجديد، في خطوة قد تكون الأهم في مسيرته المهنية وفي تاريخ الشركة الأميركية العريقة، بوينغ التي كانت في يوم من الأيام رمزاً للقوة والابتكار في صناعة الطيران، تجد نفسها الآن محاصرة بمشكلات عديدة تحت قيادة أورتبرج.

وظيفة الأحلام والكابوس في آن واحد

يتعين على أورتبرج التعامل مع قائمة طويلة من المشكلات التي تراكمت على مر السنين، فوظيفته الجديدة تعتبر الأفضل والأسوأ في الشركات الأميركية، من ناحية يمتلك أورتبرج الفرصة لإحداث تحول كبير في شركة عملاقة ومهمة على المستوى العالمي، ومن ناحية أخرى، سيواجه ضغوطاً هائلة من المساهمين، والمنظمين، والعملاء، حتى مكتب التحقيقات الفيدرالي؛ ما يجعل وظيفته تحدياً كبيراً ومصدراً للتوتر المستمر.

إرث كالهون الثقيل

سلف أورتبرج، ديف كالهون، تولى منصب الرئيس التنفيذي في عام 2020، ولكنه ترك وراءه إرثاً ثقيلاً من المشكلات، خلال فترة ولايته، انخفضت قيمة أسهم بوينغ بنحو نصف قيمتها، وأصبحت الشركة تحرق النقد وتغضب العملاء، فضلاً عن تحقيقات فيدرالية متعددة، ورغم هذه المشكلات، حصل كالهون على تعويضات مالية كبيرة، حيث بلغت 33 مليون دولار في العام الماضي، وزادت بنسبة 45% على تعويضاته في عام 2022.

وفقاً لريتشارد أبولافيا، الشريك الإداري في استشارات أيروديناميك، كانت فترة كالهون «درساً متقناً في الكفاءة الزائدة عن الحاجة»، ومع ذلك، شكر رئيس مجلس إدارة بوينغ، ستيفن مولينكوف، كالهون على «قيادته القوية» خلال فترة التحديات.

مشكلات بوينغ المتعددة

تواجه بوينغ مشكلات متعددة على مختلف الجبهات، أزمة الطائرة 737 ماكس، التي شهدت تحطم طائرتين وقتل 346 شخصاً في عامي 2018 و2019، لا تزال تلقي بظلالها على الشركة، بالإضافة إلى ذلك، تعاني بوينغ من مشكلات في أعمالها الدفاعية التي تكبدت خسارة قدرها 913 مليون دولار في الربع الثاني من هذا العام، ولم تقف المشكلات عند هذا الحد، فهناك رائدا فضاء على متن مركبة الفضاء ستارلاينر التابعة لبوينغ عالقان في محطة الفضاء الدولية، دون تحديد موعد لعودتهما.

مستقبل بوينغ تحت قيادة أورتبرج

رغم كل هذه التحديات، هناك تفاؤل كبير بتعيين أورتبرج؛ إذ إن الصناعة تعتبره الشخص المناسب لإحداث التغيير المطلوب، كيلي أورتبرج يحمل شهادة في الهندسة الميكانيكية، وهي ميزة تعتبر مهمة مقارنة بسلفه الذي كان محاسباً وافتقر إلى فهم الثقافة الهندسية للشركة.

أورتبرج بدأ مسيرته المهنية في شركة روكويل كولينز، حيث تسلق الرتب من عام 1987 حتى أصبح الرئيس التنفيذي في عام 2013، تقاعد في عام 2021، ولكنه يحظى باحترام كبير في الصناعة بفضل إدارته لشركة محترمة بثقافة عمل رائعة.

الثقة في أورتبرج

يتوجب على أورتبرج التعامل مع تحديات عديدة، ولكن هناك أيضاً فرص كبيرة، أحد الأمور التي لا تقلقه هو انهيار الشركة بالكامل، حيث إن بوينغ تعتبر كبيرة جداً ومهمة جداً على المستوى العالمي لتفشل، المنافس الوحيد لشركة بوينغ في الطيران التجاري، إيرباص، بالكاد يستطيع مواكبة طلباته الخاصة، ولا يستطيع استيعاب طلبات بوينغ في حالة فشلها.

تعيين أورتبرج يعتبر «أفضل أخبار بوينغ منذ ما يقرب من 20 عاماً»، وفقاً لريتشارد أبولافيا، حتى أشد منتقدي بوينغ، مثل روبرت كليفورد، محامي أسر ضحايا تحطم 737 ماكس، بدا متفائلاً بتعيين أورتبرج، معتبراً إياه شخصاً محترماً في الصناعة.

أورتبرج سيستقر في سياتل، وهي خطوة يُتوقع أن تكون محل ترحيب من موظفي بوينغ الذين بقوا في المنطقة، بينما انتقل مقر الشركة بعيداً، وقد بدأت التكهنات حول إمكانية نقل أورتبرج مقر الشركة مرة أخرى إلى منطقة بوجيت ساوند.

ارتفعت أسهم بوينغ بنسبة 2% بعد الإعلان عن تعيينه؛ ما يعكس تفاؤل وول ستريت بقيادته.

وأمام أورتبرج فرصة فريدة لإحداث تحول كبير في بوينغ؛ إذا نجح سيصبح أسطورة في صناعة الطيران، وإذا فشل سيكون مجرد رئيس تنفيذي آخر غني جداً، الوظيفة قد تكون أفضل وأسوأ وظيفة في الوقت نفسه، حيث تحمل في طياتها تحديات كبيرة وفرصاً لا تضاهى، الأيام المقبلة ستكشف لنا عن مدى قدرته على تحويل الأزمات إلى فرص وتحقيق النجاح المنشود لشركة بوينغ.