تعمل أكبر شركة لخدمات حقول النفط في العالم على التوسع في روسيا بعد خروج منافسيها الغربيين الرئيسيين منذ الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا، حسب ما ذكرت صحيفة فايننشال تايمز.
ويتجنب صناع السياسات الغربيون فرض عقوبات شاملة على خدمات حقول النفط في روسيا بسبب المخاوف من أن يؤدي ذلك إلى خنق صادرات الوقود الأحفوري والتسبب في ارتفاع أسعار النفط العالمية.
في يوليو تموز 2023، تعهدت شركة شلومبرجر، التي تتخذ من هيوستن مقراً لها، علناً بوقف «شحنات المنتجات والتكنولوجيا إلى روسيا» من منشآتها العالمية.
وتُظهِر ملفات الجمارك الروسية أنه بعد فرض هذا الحظر، تباطأت مثل هذه الواردات حتى توقفت بحلول بداية سبتمبر أيلول.
لكن الملفات تُظهر أن الشركة استمرت أيضاً في استيراد المواد من مصادر أخرى، حيث جلبت معدات بقيمة 17.5 مليون دولار بين أغسطس وديسمبر 2023، وهو أحدث تاريخ للسجلات المتاحة، وتم الإعلان عن 2.2 مليون دولار على أنه تم تصنيعها في الأصل بواسطة شلومبرجر أو الشركات التابعة لها.
وقال أحد المقربين من الشركة إن الواردات ليست «من منشأة شلومبرجر وبالتالي فهي متوافقة مع التصريحات العامة لشركة إس إل بي وضمن إرشادات العقوبات الدولية».
وتأتي هذه الإفصاحات في الوقت الذي تقاوم فيه شركة شلومبرجر الضغوط التي تطالبها بالانسحاب من روسيا من جانب جماعات حقوق الإنسان والحكومة الأوكرانية، التي تزعم أن عملها في البلاد يساعد في توليد مليارات الدولارات من عائدات النفط لدعم جهود الكرملين الحربية.
وفي العام الماضي، أضافت الوكالة الوطنية الأوكرانية لمنع الفساد شركة شلومبرجر إلى القائمة السوداء «للرعاة الدوليين للحرب»، وهي جزء من حملة عالمية لكشف الشركات التي تتعامل تجارياً مع موسكو.
انسحبت أكبر شركتين أميركيتين منافستين لشركة شلومبرجر في قطاع خدمات النفط، بيكر هيوز وهاليبرتون، من روسيا بعد غزو موسكو لأوكرانيا.
وقد باعت كلتا الشركتين أعمالهما الروسية إلى مديرين محليين في عام 2022، حيث تحملت الأولى رسوماً بقيمة 365 مليون دولار مرتبطة بالتخلص من الأصول، كما أعلنت شركة ايه بي بي، وهي شركة مقرها سويسرا ومورد لقطاع الطاقة، أنها ستخرج من روسيا في منتصف عام 2022.
وقال بيتر فوسر، رئيس مجلس إدارة شركة إيه بي بي، إن الشركة السويسرية خسرت «قدراً كبيراً من الأعمال» برفضها قبول طلبات جديدة في روسيا وإعلانها عن انسحابها.
وأضاف «نحن ندرك أن بعض الشركات الأخرى ربما لن تحذو حذونا، وبالتالي قد تتمتع بميزة تنافسية، لكنني أعتقد أن هذه وجهة نظر قصيرة الأجل وسوف تُلحق بها ضرراً في مرحلة ما».
ورفضت شركتا بيكر هيوز وهاليبرتون التعليق.
وعلى النقيض من منافسيها الرئيسيين، قالت شركة شلومبرجر إنها لا تخطط لمغادرة روسيا.
ولكن في يوليو تموز 2023، قالت الشركة إنها «توقف شحنات المنتجات والتكنولوجيا إلى روسيا من جميع مرافق إس إل بي في جميع أنحاء العالم».
لقد قامت شركة شلومبرجر ببناء أعمال تجارية كبيرة في روسيا منذ سقوط الاتحاد السوفيتي، في العام الماضي حققت العمليات في البلاد 5% من إيرادات المجموعة البالغة 33.1 مليار دولار، ووظفت نحو 9000 موظف، وفقاً للإيداعات التنظيمية الأميركية، احتفظت الشركة بأصول صافية بقيمة 600 مليون دولار في البلاد في نهاية عام 2023.
إن مقدمي خدمات حقول النفط يضطلعون بمعظم الأعمال الشاقة لصناعة النفط والغاز العالمية، بدءاً من بناء الطرق ومد الأنابيب إلى حفر الآبار وضخ النفط الخام، لكنهم يوفرون أيضاً القدرة على الوصول إلى التقنيات المتطورة التي تشكل أهمية حيوية لدعم عمليات الاستكشاف وتطوير عمليات الحفر المعقدة.
تجنب صناع السياسات الغربيون فرض عقوبات شاملة على خدمات حقول النفط في روسيا بسبب المخاوف من أن يؤدي ذلك إلى خنق صادرات الوقود الأحفوري والتسبب في ارتفاع أسعار النفط العالمية.
وفي مايو أيار، قال مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية إن شركة «شلومبرجر» لم تنتهك العقوبات «حتى الآن»، وإن الشركة لديها فهم واضح «لأماكن الحواجز».
وقال متحدث باسم وزارة الخزانة الأميركية «إن الولايات المتحدة والتحالف الدولي المعارض لروسيا ما زالا ملتزمين بخفض أرباح [فلاديمير] بوتن».
وفي الوقت نفسه، فإن مجرد السعي إلى وقف تدفق النفط الروسي من شأنه أن يخلف عواقب وخيمة على الاقتصاد العالمي.
بعض السلع التي استوردتها شركة إس إل بي إلى روسيا هي من الأنواع التي أعربت حكومات أخرى عن قلقها بشأنها؛ 3.3 مليون دولار من المعدات التي تم شحنها منذ يوليو تموز تنتمي إلى فئات يمكن أن تخضع للضوابط إذا تم تصديرها من الاتحاد الأوروبي إلى البلاد، وتوصف أغلى العناصر في هذه الفئة في الملفات بأنها كابلات كهربائية ومواد كيميائية.
ولكن البضائع تأتي من دول لا تطبق مثل هذه الضوابط، فمعظم تدفق واردات شلومبرجر بقيمة 13 مليون دولار جاء من الصين، في حين جاء مبلغ إضافي قدره 3 ملايين دولار من الهند، وكان الجزء الأغلى من هذه الواردات عبارة عن «أنبوب حفر غير مغناطيسي شديد التحمل» بقيمة 1.3 مليون دولار، تم شحنه من الصين.
قامت شركة شلومبرجر بتوريد المعدات لبعض أكبر شركات النفط في روسيا، بما في ذلك شركة لوك أويل، وفي عامي 2022 و2023 قامت بتزويد شركة لوك أويل بأدوات الحفر والحزم الهيدروليكية.
ارتفعت إيرادات الفرع الروسي الرئيسي لشركة شلومبرجر بمقدار 527 مليون روبل إلى 27.3 مليار روبل (307 ملايين دولار) في عام 2023، مقارنة بالعام السابق، وفقاً لتقرير الشركة الفرعية بموجب معايير المحاسبة الروسية.
وتُظهر وثائق، حصلت عليها منظمة غلوبال ويتنس واطلعت عليها صحيفة فاينانشال تايمز، أن أعمال شركة شلومبرجر في روسيا وقعت في ديسمبر كانون الأول عقداً مع معهد النفط والغاز الروسي Vnigni، الذي يلزم الشركة بمساعدتها في بناء نماذج من رواسب النفط والغاز التي يمكن استخدامها لتطوير المشاريع.
حددت صحيفة فاينانشال تايمز أكثر من 1000 إعلان وظيفة نشرتها الشركة منذ ديسمبر كانون الأول، وتبحث عن وظائف تتراوح من السائقين إلى الكيميائيين والجيولوجيين، وتتراوح المزايا المعروضة من الغداء في العمل والوصول إلى المرافق الرياضية إلى المشاركة في مخططات الأسهم المخفضة.
تظهر عمليات البحث في قواعد بيانات العلامات التجارية والشركات الروسية التي أجرتها فايننشال تايمز أن الشركات التابعة لشركة شلومبرجر الروسية سجلت علامتين تجاريتين جديدتين في يوليو.
وتقول ليلا ستانلي، المحققة البارزة في منظمة جلوبال ويتنس، التي من المقرر أن تُصدر تقريراً عن شركة شلومبرجر يوم الجمعة: «يتعين على صناع القرار أن يقرروا ما إذا كانوا جادين في دعم أوكرانيا أم لا، لا تزال شركات الطاقة الغربية حرة في مساعدة روسيا في إنتاج النفط، وفي تمويل الحرب، وهذا فشل عميق».
تلعب تكنولوجيا وخبرة شلومبرجر دوراً حاسماً في تمكين المشغلين الروس من تطوير مشاريع النفط والغاز بتكلفة أقل وبمخاطر أقل، وفقاً لخبراء الصناعة.
وقال كريج كينيدي، وهو باحث منتسب إلى جامعة هارفارد ونائب رئيس سابق في بنك أوف أميركا: «الشركات التي تبقى في الحرب يُنظر إليها على أنها موالية للكرملين، وسوف تكون في طريقها للحصول على الميداليات في شكل معاملة تفضيلية عندما تنتهي الحرب».