عندما كشف مارك زوكربيرغ عن نظارات «أوريون» في حدث الذكاء الاصطناعي وميتافيرس الذي نظمته شركة «ميتا» الشهر الماضي، وصف هذه النظارات الذكية بتقنية الواقع المعزز بأنها أشبه بـ«آلة زمن».
وقال مؤسس شركة التكنولوجيا الملياردير على منصة الحدث الذي أقيم في مقر الشركة الأم لفيسبوك في مينلو بارك بكاليفورنيا «هذه النظارات موجودة بالفعلK إنها رائعة، وهي لمحة عن مستقبل أعتقد أنه سيكون مثيراً للغاية».
مرت حوالي ثلاث سنوات منذ أن قام زوكربيرغ بتغيير اسم الشركة من «فيسبوك» إلى «ميتا»، ورغم أن الشركة العملاقة أنفقت عشرات مليارات الدولارات في سبيل جعل «الميتافيرس» الذي يعتمد على تقنيات الواقع المعزز والافتراضي شيئاً سائداً، فإن الكثير من المستثمرين لا يزالون يرون أن هذه التكنولوجيا أقرب إلى «حفرة للنقود» منها إلى «آلة زمن».
أعلن زوكربيرغ عن نموذج أولي لنظارات «أوريون» كدليل على أن الشركة تسير على الطريق الصحيح لبناء ما يراه المنصة الحاسوبية القادمة، وهي خطوة تهدف إلى تقليل اعتماد «ميتا» على منصات الهواتف المحمولة المنافسة، مثل «أبل» و«غوغل».
رؤية زوكربيرغ للمنصات
تُعد شركة ميتا بالفعل واحدة من أكبر وأقوى الشركات في العالم، إذ يتجاوز عدد مستخدمي تطبيقاتها الشهيرة مثل فيسبوك وإنستغرام وواتساب وثريدز 3 مليارات مستخدم نشط.
هذا الانتشار الواسع أتاح لشركة ميتا الهيمنة على سوق الإعلانات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وجعل أسهم الشركة مفضلة في «وول ستريت»، وفيما يتعلق بالقيمة السوقية، تأتي ميتا في المرتبة السادسة بعد أبل، ونيفيديا، ومايكروسوفت، وأمازون، وغوغل.
لكن هناك تحديات تواجه ميتا، أبرزها اعتمادها الكبير على شركات أخرى للوصول إلى عملائها، على مدار العقد الماضي، أصبحت الهواتف المحمولة الوسيلة الرئيسية للتفاعل مع منتجات الشركة عبر متاجر التطبيقات وأنظمة التشغيل الخاصة بغوغل وأبل.
هذا الاعتماد على منصات المنافسين تسبب في بعض المشكلات لميتا، ففي عام 2021، أطلقت أبل تحديثاً يتيح للمستخدمين حظر التطبيقات من تتبع نشاطاتهم، ما أثر سلباً على قدرة فيسبوك وإنستغرام في تتبع فاعلية الحملات الإعلانية، وقد كلف هذا التغيير ميتا 10 مليارات دولار في الإيرادات خلال عام 2022.
لماذا تنفق ميتا مبالغ ضخمة على الميتافيرس؟
عندما يُسأل زوكربيرغ عن حجم الإنفاق الكبير على الميتافيرس، يشير غالباً إلى اعتماد الشركة على منصات أخرى.
قسم «مختبرات الواقع» التابع لميتا والمتخصص في الميتافيرس حقق خسائر تشغيلية بقيمة 8.3 مليار دولار خلال النصف الأول من هذا العام، مقابل مبيعات بقيمة 793 مليون دولار فقط. ومنذ عام 2019، تجاوزت خسائر هذا القسم 50 مليار دولار.
لكن زوكربيرغ يرى أن هذه الجهود قد تؤدي إلى فوائد كبيرة في حال حصلت ميتا على سيطرة أكبر على المنصات الحاسوبية التي تعمل عليها تطبيقاتها.
نظارات «أوريون» والسباق مع أبل
في سياق المنافسة مع أبل، أصبح زوكربيرغ من المؤيدين البارزين لبرمجيات المصدر المفتوح، كما أن النظارات الذكية «أوريون» تمثل خطوة نحو تطوير منصة حوسبة جديدة تتيح عرض كائنات افتراضية في مجال رؤية المستخدم.
النظارات تتيح مكالمات الفيديو، والتعرف على الأشياء عبر الذكاء الاصطناعي، وممارسة الألعاب، والتقاط الصور، يمكن التحكم فيها بالصوت أو باستخدام سوار ذكي يفسر حركات اليد الصغيرة.
رغم أنها لا تزال نموذجاً أولياً، فإن «أوريون» قد تكون بمثابة الخطوة الأولى نحو نظام حوسبة جديد كلياً، حيث تسعى ميتا إلى تجاوز هيمنة أبل وغوغل على منصات الهواتف المحمولة.
التحديات أمام ميتا
بالرغم من الجهود المبذولة، يواجه مشروع نظارات «أوريون» العديد من التحديات، من بينها تكلفة الإنتاج الباهظة التي تصل إلى 10,000 دولار لكل وحدة، بالإضافة إلى مخاوف تتعلق بالخصوصية والاستخدام الآمن لهذه التكنولوجيا.
إضافة إلى ذلك، يستذكر العديد من المحللين تجربة «غوغل» الفاشلة في مشروع نظارات غوغل الذكية قبل عقد من الزمن، والتي قوبلت بالسخرية.
لكن على الرغم من كل هذا، نجحت ميتا في تحقيق نجاح مفاجئ من خلال نظارات «راي بان» الذكية، التي باعت ما يقرب من 700,000 وحدة في عامها الأول، وتستمر في التوسع بسرعة مع إضافة مزايا مثل الترجمة الفورية.
مستقبل ميتا في سوق الإعلانات
لا تزال أعمال مختبرات الواقع الخاصة بميتا مثيرة للجدل، يتساءل البعض عن مدى تأثير هذه المشروعات على نشاط ميتا الرئيسي في سوق الإعلانات الذي يمثل 98% من إيرادات الشركة.
في النهاية، يسعى زوكربيرغ إلى تحقيق رؤية بعيدة المدى؛ حيث تصبح ميتا أقل اعتماداً على الشركات الأخرى، وتتمكن من السيطرة بشكل أكبر على منصاتها الحاسوبية، وهو ما يعزز استراتيجيتها طويلة الأجل في عالم التكنولوجيا المتغيرة.