بعد مرور 15 عاماً على الأزمة الاقتصادية الكبرى في عام 2008، خضعت اللوائح التنظيمية المقدمة آنذاك لأقسى اختبار بعدما فشلت في إنقاذ البنوك، كاشفة عن أوجه قصور خطيرة.
إذا نجحت اللوائح التنظيمية، كان بالإمكان طي صفحة انهيار البنوك والتغلب عليها، لكن ما حدث أننا نعيد الكرّة مرة أخرى بالسيناريو نفسه، إذ اضطرت الحكومات للتدخل لمنع موجة الاضطرابات الأخيرة في القطاع المصرفي، وإقراضهم السيولة اللازمة لمنع الأزمة.
ومن خلال الاستفادة من الأموال العامة لدعم المؤسسات الخاصة المتعثرة، أزيح الستار عن المخاطر الهائلة التي لا تزال تشكلها إخفاقات البنوك على دافعي الضرائب والنظام المالي.
قال رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في مينيابوليس، نيل كاشكاري، لمحطة «سي بي إس» يوم الأحد، «لقد دافعت لسنوات عن البنوك التي تعد أكبر من الفشل، لكن الآن هذا التصور محل شك».
كانت وزيرة المالية السويسرية، كارين كيلر-سوتر، استفادت من الأحداث السابقة، عندما قالت «إن هناك احتمالاً لوجود أزمة مالية دولية بعد إعادة هيكلة بنك كريدي سويس، تماشياً مع المبادئ الدولية المتفق عليها لما بعد 2008».
وأضافت لصحيفة «نويه تسوريشر تسايتونغ» السويسرية «إنني أدركت في الأسابيع الأخيرة أن بنكاً ذا أهمية نظامية عالمية لا يمكن أن ينتهي ببساطة، وفقاً لخطة أكبر من أن يفشل، فمن الناحية القانونية سيكون هذا ممكناً، لكن من الناحية العملية فإن الضرر الاقتصادي سيكون ضخماً».
كانت كارين في قلب عمليات محاولات إنقاذ بنك «كريدي سويس»، في الوقت الذي قررت فيه السلطات السويسرية أنه بحاجة إلى استحواذ طارئ منعاً لتكرار مأساة بنك «سيليكون فالي» الأميركي.
نفذت صفقة استحواذ «يو بي إس» على «كريدي سويس»، ما قد يعزز من تفاقم الأزمة المالية بعد التهام مليارات الدولارات من الأموال العامة من خلال القروض والضمانات.
ويثير ذلك أسئلة مقلقة حول ما إذا كانت الإصلاحات التنظيمية جعلت النظام المالي أكثر استقراراً وأقل تهديداً لأموال العامة.
كانت المعايير العالمية للتعامل مع تأرجح البنوك الكبيرة واقترابها من الفشل جزءاً أساسياً من مجموعة قواعد قُدمت بعد الأزمة المالية العالمية، لقد صممت لتعزيز إمكانية تصفية بنك كبير دون زعزعة استقرار النظام المالي أو تعريض دافعي الضرائب لمخاطر الخسائر.
ومع ذلك، عندما واجه العديد من المقرضين المشكلات هذا الشهر، فإن المنظمين لم يستخدموا الآليات التي وعدونا بأنها ستنجح.
قالت أستاذة المالية والاقتصاد في كلية الدراسات العليا في ستانفورد للأعمال، آنات أدماني، «إن اعتبار بعض البنوك أكبر من أن تفشل يمثل مشكلة مستمرة لم تُقدم لها حلول أبداً».
الشك يحوم حول سبل الإنقاذ
ما حدث مع بنك «كريدي سويس»، أن الحكومة السويسرية اضطرت إلى تنفيذ صفقة استحواذ «يو بي إس» لأنه كان الخيار الوحيد القابل للتطبيق، على الرغم من تعرض اقتصاد البلاد لمقرض ضخم واحد.
ولا يزال دافعو الضرائب في أزمة، تصل إلى 9 مليارات فرنك سويسري (أي ما يعادل نحو 9.8 مليار دولار)، وذلك من معدل الخسائر المحتملة عن بعض أصول «كريدي سويس»، بينما فقد بعض المستثمرين جميع سنداتهم.
وضمنت سويسرا بشكل صريح 100 مليار فرنك سويسري (أي ما يعادل نحو 109 مليارات دولار) لدعم «يو بي إس» في حالة الحاجة إليه، على أن يكون قابلاً للسداد.
وبالمثل، كان على المنظمين الأميركيين اتخاذ خطوات غير مسبوقة قوضت قواعد ما بعد الأزمة لضمان عدم انتشار عدوى إفلاس البنوك وانهيارها، وتحوله إلى أزمة مصرفية أكبر.
في خطوة استثنائية، ضمنت المؤسسة الفيدرالية للتأمين على الودائع جميع ودائع بنك «سيليكون فالي»، بما في ذلك تلك التي تزيد على الحد المعتاد البالغ 250 ألف دولار للشخص الواحد، وذلك بدعم صندوق البنوك فقط، دون الحاجة إلى دافعي الضرائب.
لكن هذه الخطوة أثارت جدلًا واسعاً، حول قدرتها الحقيقية على الارتقاء إلى مستوى الإنقاذ.
وكان بنك الاحتياطي الفيدرالي أطلق تسهيلات إقراض طارئة للبنوك بعد انهيار بنكي «سيليكون فالي»، و«سيغنتشر»، ما يعرضه لقروض محفوفة بالمخاطر، قالت أدماني «إنها طريقة للحفاظ على النظام المصرفي من الانهيار، لكنها لا تجعله قوياً».
وأضاف المسؤول السابق في وزارة الخزانة الأميركية، آرون كلاين، لشبكة «CNN»، إن عمليات الإنقاذ لا يمكنها تغيير المسار بمجرد الانطلاق في نقطة البداية لإنقاذ الناس.
هل البنوك آمنة بما فيه الكفاية؟
حتى مع تجاهل القواعد الحالية، فإن إخفاقات البنوك الأخيرة جعلت بعض المشرعين والمنظمين يتجادلون حول التنظيم المصرفي.
على الرغم من مرونة بعض إجراءات البنوك مما كانت عليه قبل الأزمة المالية العالمية، فإن الاضطرابات الأخيرة وضعت تلك الإجراءات تحت مجهر الشك.
أخبر نائب رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي لشؤون الإشراف، مايكل بار، يوم الثلاثاء، اللجنة المصرفية بمجلس الشيوخ الأميركي، أن القواعد الخاصة بالبنوك بحاجة إلى التعزيز.
من جانبها، أعلنت الحكومة السويسرية يوم الأربعاء عن تقييم شامل للإطار التنظيمي التحوطي لتجنب الفشل، على أن تبلغ النتائج الخاصة به إلى البرلمان.
وقال نائب المحافظ للتنظيم التحوطي في بنك إنجلترا، سام وودز، للمشرعين في المملكة المتحدة إنه يجب التساؤل حول تفويض البنوك بالحصول على نقود كافية.
بعد انهيار البنوك، فإننا نرى أن أي مؤسسة يرغب جميع مودعيها في سحب أموالهم في الوقت نفسه، ستكون في مأزق.
إن إزالة مخاطر إدارة البنك بالكامل تتطلب من المقرضين الاحتفاظ بنسبة 100 في المئة، من جميع الودائع نقداً أو كاحتياطيات في البنوك المركزية.
هناك طرق يمكنها مساعدة البنوك لتكون أكثر أماناً، إن مطالبة المقرضين بتمويل أنفسهم بمزيد من الأسهم والدين سيكون أحد الأساليب، وفقاً لقائد اللجنة المستقلة لمراجعة التنظيم المصرفي في المملكة المتحدة بعد أزمة عام 2008، وأستاذ الاقتصاد بجامعة أكسفورد، جون فيكرز.
وأضاف فيكرز لشبكة «CNN» أن ذلك سيوفر حلاً لوجود المزيد من رأس المال السهمي لدحض الخسائر.
قال فيكرز إن «البنوك يجب أن تخضع أيضاً لاختبارات أكثر صرامة وشفافية لتحديد إلى أي مدى يمكنها تحمل الخسائر في مختلف السيناريوهات، مع مراعاة القيمة السوقية لرأس مالها. لا شك أننا شهدنا تقدماً كبيراً في الإصلاحات بعد أزمة 2008/2009، لكن من وجهة نظري فإنهم لم يذهبوا بعيداً بما فيه الكفاية».
كتبت- هنا زيادي وجوليا هوروويتس (CNN)