ما تزال مكاتب الشركات الأميركية شاغرة أو غير مستغلة بكامل طاقتها في شتى أنحاء المدن من دالاس ومينيابوليس إلى نيويورك ولوس أنجلوس، بينما يظل المستثمرون والمنظمون في حالة تأهب قصوى لاضطراب النظام المالي جرّاء أزمة البنوك الأخيرة وأيضاً انكماش مرتقب في سوق العقارات التجارية الأميركية البالغة نحو 20 تريليون دولار.
وقد يزيد هبوط أسعار المباني من معاناة البنوك، ويضيف المزيد من الآثار السلبية المضاعفة.
قال إسوار براساد، أستاذ الاقتصاد بجامعة كورنيل الأميركية «على الرغم من أن هذه المشكلة لم تتضح معالمها بالنسبة للبنوك كافة حتى الآن فإن هناك مخاوف وجيهة بشأن عدوى انتشارها».
وقد يتصاعد القلق بشأن إقراض البنوك للعقارات التجارية في أسوأ السيناريوهات، الأمر الذي يدفع العملاء إلى سحب ودائعهم، وسحب الودائع كان السبب وراء انهيار بنك «سيليكون فالي» الشهر الماضي، ما أدى إلى اضطراب الأسواق المالية وزيادة المخاوف من حدوث ركود في الولايات المتحدة.
وفي رده على سؤال حول مخاطر العقارات التجارية، قال جيروم باول، رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) الشهر الماضي، إن البنوك «قوية ومرنة»، غير أن هناك اهتمام متزايد بشأن العلاقات المتشابكة بين البنوك الأميركية وقطاع العقارات.
قال مايكل رينولدز، مدير الثروات في «غلينميد» للاستثمار وإدارة الثروات، «نتابع الأمر عن كثب»، وعلى الرغم من أنه لا يتوقع أن تصبح قروض مكاتب الشركات مشكلة لجميع البنوك، فقد تقع فيها «مؤسسة أو مؤسستان»، على حد قوله.
وعلى الرغم أن السوق الأميركية تبدو أكثر عرضة للخطر، فإن البنك المركزي الأوروبي وبنك إنجلترا حذرا أيضاً من المخاطر المرتبطة بالعقارات التجارية جرّاء انخفاض توقعات الأسعار.
تعرضت العقارات التجارية، والتي تشمل المكاتب الإدارية والمجمعات السكنية والمخازن ومراكز التسوق، لضغوط كبيرة في الأشهر الأخيرة، إذ هبطت أسعارها في الولايات المتحدة بنسبة 15 في المئة في مارس آذار، وفقاً لبيانات «غرين ستريت» للأبحاث، وأثّرت الزيادة المتسارعة لأسعار الفائدة خلال العام الماضي سلباً، إذ يُموَل شراء المباني التجارية عادةً بقروض كبيرة.
قال مات أندرسون، العضو المنتدب لشركة «تريب»، التي توفر بيانات عن العقارات التجارية، «أشعر بقلق لم أشعر به منذ فترة طويلة».
مخاطر تهدد البنوك
وتُعد القروض العقارية مشكلة محتملة للبنوك نظراً لكبر حجم محفظة ذلك النوع، ووفقاً لبيانات بنك “غولدمان ساكس” فإن البنوك مسؤولة عن نحو 55 في المئة من محافظ القروض العقارية التجارية في الولايات المتحدة، وتمثّل البنوك الإقليمية والأهلية، والتي تتعرض بالفعل لضغوط بعد انهيار بنكي «سيليكون فالي» و«سيغنتشر» في مارس آذار، نحو 23 في المئة من إجمالي تلك القروض.
كان لدى بنك «سيغنتشر» عاشر أكبر محفظة قروض عقارية تجارية في الولايات المتحدة في بداية العام، وفقاً لبيانات «تريب»، أمّا بنك «فيرست ريبابليك»، الذي تلقى مساعدة مالية بقيمة 30 مليار دولار الشهر الماضي من «جي بي مورغان تشيس» ومصارف كبرى أخرى، فقد كان في المرتبة التاسعة، لكن البنكين كان لهما حصة أكبر بكثير من أصولهما مربوطة بالعقارات التجارية من المنافسين الأكبر في هذا المجال مثل «ولز فارغو».
ووفقاً لبيانات «تريب»، يجب على الشركات سداد قروض عقارية تجارية للبنوك بقيمة 270 مليار دولار هذا العام، وتبلغ قروض العقارات المكتبية ما قيمته 80 مليار دولار، أي نحو الثلث.
وسيزيد هبوط أسعار العقارات من صعوبة إعادة التمويل، ومن المرجح أن تطلب البنوك من أصحاب تلك العقارات طرح المزيد من الأسهم، وفي النهاية قد يقرر بعض مالكي المباني الإدارية، خاصة المباني القديمة، أنها لا تستحق كل هذه النفقات بسبب ظروف السوق ويتركونها.
(جوليا هورويتز، CNN)