يعد مشروع نيوم في المملكة العربية السعودية مشروعاً طموحاً يعيد تشكيل مستقبل التنمية الحضرية في المملكة، فهذا المشروع العملاق -الذي أطلقه صاحب السمو الملكي محمد بن سلمان آل سعود، ولي العهد ورئيس الوزراء في السعودية- هو الأضخم من نوعه باستثمارات تُقدر بـ500 مليار دولار.

يهدف مشروع نيوم إلى إنشاء مدينة متطورة لتكون بمثابة منارة للابتكار والاستدامة والنمو الاقتصادي، ولعل أهم ما يميز هذا المشروع الطموح هو أنه يمثل نموذجاً مثالياً للشراكة بين القطاعين العام والخاص، حيث تم تسخير الخبرات والموارد والقدرات الإبداعية لكلا القطاعين لتحقيق حياة استثنائية للأفراد، المساعدة في ازدهار الأعمال، وتشكيل نمط جديد للعيش، بما يتماشى مع رؤية السعودية 2030.

تعد الشراكات بين القطاعين العام والخاص من أهم النماذج التي يوصى بها في أي دولة، إذ تستفيد هذه الشراكات من نقاط القوة في كلا القطاعين لتحقيق الأهداف المشتركة، وذلك من خلال الجمع بين رقابة القطاع العام وكفاءة وابتكار المؤسسات الخاصة، وتقاسم المخاطر والموارد والمسؤوليات، كما يساعد هذا النوع من الشراكات على التنفيذ الناجح للمشاريع واسعة النطاق (مثل مشروع نيوم)، بالإضافة لتعظيم الفوائد للمجتمع والمستهلكين.

واستخدم مشروع نيوم نموذج الشراكة بين القطاعين العام والخاص بشكل ذكي لصالحه، ما نتج عنه إنجازات كبيرة، ويرجع ذلك جزئياً إلى أطر الأعمال التي تم تبنيها داخل نيوم، والتي تدعم التجربة والابتكار في مجالات مثل الروبوتات وقطاع السياحة، بما يتوافق مع هدف الحكومة السعودية المُتمثل في بناء مدينة مستقبلية، يُمكن أن يتعايش فيها البشر والروبوتات والأفاتار.

بالإضافة إلى ذلك، دخلت الحكومة السعودية في شراكات مع مستثمرين عالميين وعدد من عمالقة التكنولوجيا والشركات الناشئة المبتكرة، ما أدى لإنشاء بيئة أعمال متنوعة ومحفزة للابتكار تسهم في خلق فرص العمل والتنويع الاقتصادي.

وسمحت هذه الشراكات لنيوم بالاستفادة من التقنيات المتطورة مثل الذكاء الاصطناعي والبلوكتشين وحلول الطاقة المتجددة، لإنشاء مدينة مستدامة ومتقدمة رقمياً، فهذا التعاون النموذجي مع كبرى شركات القطاع الخاص يمكِّن مشروع نيوم من الإسراع بوتيرة الجدول الزمني للتطوير، وتحسين تخصيص الموارد، وضمان الأسلوب الأمثل للتنفيذ من خلال تبني أفضل الممارسات العالمية.

علاوة على ذلك، يشجع مشروع نيوم نماذج الابتكار المشترك من خلال إطلاق مبادرات (مثل تونومس- أول شركة تابعة لنيوم)، وتنظيم مسابقات المشاريع الخاصة بها.

هذه النماذج الجديدة من الشراكات بين القطاعين العام والخاص ستغير مفهوم التعاون بين الشركات الحكومية والخاصة في مجال المشاريع واسعة النطاق، لا سيما في سياق نيوم.

وفيما يلي بعض المزايا العديدة التي يحققها التعاون بين القطاعين العام والخاص في المشاريع العملاقة:

1. الخبرة والموارد:

من خلال جمع الخبرات والتجارب والموارد في كلا القطاعين، ستتضافر الجهود بشكل أفضل لتحسين نتائج المشروع، وهو ما ينطبق على مشروع نيوم الذي يجمع بين المهارات والمعارف المتنوعة في القطاعين، ما يمكّنه من الاستفادة من أفضل الممارسات العالمية والأفكار المبتكرة.

2. تخفيف المخاطر:

الشراكة بين القطاعين العام والخاص توزع المخاطر والمسؤوليات بين القطاعين، وهذا لا يحمي الأموال العامة فحسب، بل يحفز استثمارات القطاع الخاص أيضاً، كما يسمح نموذج الشراكة بين القطاعين العام والخاص في نيوم بتوزيع أكثر توازناً للمخاطر، ما يضمن استدامة المشروع واستمراريته.

3. الابتكار والكفاءة:

من أهم ما يميز هذه الشراكات هو التكامل بين مرونة القطاع الخاص وقدرته على الابتكار من جهة، والضوابط التنظيمية التي يضعها القطاع العام وتركيزه على المصلحة العامة من جهة أخرى.

يؤدي هذا التآزر إلى اتخاذ قرارات فعالة، وتبسيط العمليات، وتعزيز القدرة على التكيف مع الظروف المتغيرة.

كما مهدت شراكات نيوم الطريق لمبادرات رائدة في مجالات مثل الطاقة المتجددة والبنية التحتية الذكية والاتصال الرقمي.

4. خلق القيمة:

الشراكة بين القطاعين العام والخاص تولد قيمة كبيرة للمجتمع والمستهلكين، يضمن نهج نيوم المتكامل، الذي يجمع بين القطاعات السكنية والتجارية والصناعية، توافر وسائل الراحة المتنوعة، وخلق فرص عمل جديدة، وتحسين جودة الحياة بشكل عام، بالإضافة إلى ذلك تسهم الشراكات بين القطاعين العام والخاص في التنمية الاجتماعية والاقتصادية من خلال خلق فرص العمل، وجذب الاستثمار الأجنبي، وتعزيز النمو الاقتصادي.

هناك اتجاه واضح لزيادة الشراكة بين القطاعين العام والخاص، سواء من خلال الإعلان الصادر في أبريل 2023 من قبل المركز الوطني للتخصيص والشراكة بين القطاعين العام والخاص والذي ضم 200 مشروع داخل المملكة من مختلف القطاعات، أو الإعلان الأخير من قبل ولي العهد السعودي عن الخطة الاستثمارية وخصخصة الأندية الرياضية فهذا الاتجاه يُشكل رسالة واضحة مفادها أن نيوم والمملكة العربية السعودية منفتحتان على الاستثمار.

يعد مشروع نيوم نموذجاً يُحتذى في التنفيذ الفعال للشراكة بين القطاعين العام والخاص، إذ يقدم دروساً قيمة للمشاريع الأخرى واسعة النطاق في جميع أنحاء العالم، كما يسلط نموذج نيوم الضوء على القدرة الهائلة لهذه الشراكات على تطوير المجتمعات، ورفع مستويات المعيشة، ودفع النمو الوطني الشامل.

لتعزيز هذا النموذج الرائد، يُمكن أن يستفيد مشروع نيوم من التقنيات الناشئة مثل البلوكتشين، من أجل تمويل مشاريعه من خلال الترميز (Tokenization) القائم على هذه التقنية.

  • محمد الكندري، الشريك المؤسس والرئيس التنفيذي للتقنية في شركة IR4LAB المدعومة من أرامكو السعودية، يُعرف بشغفه بتقنية البلوكتشين، وشارك في العديد من المؤتمرات كمتحدث عالمي حول التقنيات الحديثة.