بدا الضعف واضحاً على تداولات أسعار النفط خلال الأسابيع القليلة الماضية، ما أثار العديد من التساؤلات في أذهان المتداولين: إلى أين قد تتجه أسعار النفط؟ وهل ستظل متراجعة حتى نهاية العام الجاري؟

ويوم الأحد، أعلنت السعودية عن خفض طوعي آخر للنفط بمقدار مليون برميل يومياً، وبعثت برسالة قوية أخرى إلى الأسواق مفادها أنها بحاجة إلى توخي الحذر بشأن سياسة «أوبك»، ونحن نسرد هنا بعض العوامل التي قد تشرح للمتداولين أسباب وصول النفط إلى المستويات الحالية.

تتعامل «أوبك» بجدية مع الحفاظ على أسعار النفط وستبذل المستحيل لتحقيق ذلك، وعلى الرغم من ذلك، يعتقد بعض المتداولين أن قفزة حالية في أسعار الخام لن تؤدي إلّا لمكاسب قصيرة الأجل ويريدون البيع على المكشوف لأنهم يعلمون أن هذا الارتفاع سيتلاشى بسرعة.

وفيما يلي بعض العوامل التي يجب على المتداولين التمعن فيها فيما يراقبون حركة السعر الحالية.

أسعار النفط

افتتحت أسعار النفط تداولاتها للعام الجاري حول مستويات الـ80 دولاراً للبرميل، لكن لم تتمكن الأسعار من الوصول إلى أعلى مستوى على الإطلاق عند 131 دولاراً والمسجل في مارس آذار من العام الماضي.

ومن هنا تتوجب الإشارة إلى أن هناك العديد من الأسباب التي دعمت هذا الصعود، مثل الحرب الروسية الأوكرانية، وسياسات «أوبك+» التي اتجهت إلى خفض الإمدادات النفطية بشكلٍ ملحوظ، وبالطبع تأثير التخلص من تداعيات تفشي فيروس كورونا وعودة الطلب.

فخلال فترة انتشار فيروس كورونا، هبطت العقود الآجلة للنفط إلى ما دون الصفر للمرة الأولى في تاريخها، حيث تعطل الطلب في العالم بأسره بسبب فيروس كورونا، إلى جانب عدم اضطلاع «أوبك+» بدور يدعم الأسعار آنذاك عبر التحكم في المعروض النفطي، ومع ذلك فسرعان ما قادت المجموعة الأسعار مرة أخرى عقب فترة انتشار فيروس كورونا.

ومنذ ذلك الحين، أصبح العالم بأسره يدرك خطورة تداعيات انهيار أسعار النفط، ما حال دون حدوث اضطراب آخر في الأسعار منذ ذلك الحين، وفي هذا الصدد، أعلنت «أوبك+» عن العديد من تخفيضات المعروض منذ تفشي فيروس كورونا، وكانت الولايات المتحدة تضغط هي الأخرى على «أوبك+» لزيادة إمداداتها.

السعودية، التي تلعب الدور الأهم في «أوبك+»، لم تُلبِ نداء إدارة بايدن الأميركية بعدم خفض المعروض النفطي، رغم مطالبات الرئيس الأميركي بإبقاء أسعار الخام منخفضة، لأنها تغذّي التضخم الأميركي، بما يعاكس حركة النمو الاقتصادي العالمي.

ففي أكتوبر تشرين الأول من العام الماضي، أعلنت «أوبك+» عن خفض الإمدادات بمقدار مليوني برميل يومياً، ثم أعلنت في أبريل نيسان من العام الجاري عن خفض آخر للإنتاج بمقدار 1.5 مليون برميل يومياً.

وفي غضون تلك الخطوات، لم تتلقَ السعودية رد فعل داعماً من قِبل الولايات المتحدة.

السعودية تعلن عن خفض آخر

وهذا الأسبوع، أعلنت «أوبك» عن خفض طوعي آخر لإنتاج النفط، وما كان مثيراً للاهتمام هذه المرة هو أن السعودية وحدها تحملت معظم العبء.

بشكلٍ عام، هناك دائماً بعض الجدل بين الأعضاء وبعض الضغط الذي يمارسه اللاعبون الكبار على اللاعبين الأصغر لتحمل نصيبهم.

وهناك دائماً بعض التنازلات المقدمة لبعض البلدان التي يُسمح لها بالحفاظ على إنتاجها عند المستوى نفسه.

لكن هذه المرة، لم تهتم السعودية بهذه اللعبة، وبعثت بأقوى رسالة إلى السوق من خلال قرار التخفيض.

من المهم التأكيد على أن السعودية هي أكبر منتج للنفط بين دول أوبك، لكن الأهم هو نبرة هذه الرسالة، التي تقول بوضوح إن على المتداولين الذين يرغبون في البيع على المكشوف أن يفكروا بعناية فائقة.

هل يتواصل انخفاض أسعار النفط؟

من المهم معرفة الأسباب وراء تراجع أسعار النفط قبل الانتقال إلى مناقشة مسارها في المستقبل، فثمة عدد من العوامل المهمة والمؤثرة في سعر النفط، لكن ثمة عوامل تؤثر تأثيراً عكسياً في الوقت الحالي:

أولاً، العالم بأسره يحارب ارتفاع معدلات التضخم؛ البنوك المركزية في أنحاء العالم، وخاصة في أوروبا والولايات المتحدة وأستراليا ونيوزيلندا، تضطلع بدور نشط للغاية في احتواء التضخم، وخيارهم في ذلك هو تشديد السياسة النقدية، والأداة هي أسعار الفائدة.

ترفع هذه البنوك أسعار الفائدة الرئيسية لترويض التضخم، والأثر الجانبي لهذا هو إبطاء النمو الاقتصادي، ما يضعف الطلب على النفط، ويعني تراجع الطلب أفقاً محدوداً لارتفاع أسعار الخام واحتمالاً أكبر لتراجعها. وهذا العامل كان يدفع أسعار النفط للهبوط على نحو خاص.

ثانياً، كان ثمة تفاؤل كبير بين بنوك وول ستريت، التي اعتقدت أن انتعاش الطلب الصيني سيدعم أسعار النفط بقوة، وكانت وجهة النظر أن الصين، وهي مستهلك رئيسي للنفط، ستخرج من إغلاقات كوفيد، ومع عودة أنشطة الشركات، ستكون هناك دفعة قوية من ذلك، وهو ما سيرفع أسعار الخام ويقلل الحاجة إلى تقليص المعروض.

وفي الواقع، فإن محللين كثيرين ومعلقين كانوا يتغنون بأن أوبك ستضطر إلى زيادة إنتاجها مع تنامي الطلب بعد تجاوز أزمة كوفيد.

ويرى المتعاملون أن أسعار النفط المرتفعة من المرجح أن تغذّي التضخم في أنحاء العالم، وحقيقة أن السعودية أعلنت خفضاً للإنتاج سيعطي دعماً للتضخم في حد ذاته وسيزيد من صعوبة المهمة الملقاة على عاتق البنوك المركزية التي تحاول محاربة التضخم.

وكان من المتوقع أن يرفع مجلس الاحتياطي الفيدرالي سعر الفائدة هذا الشهر مجدداً بسبب التضخم الذي لا يتزحزح. والآن بما أن السعودية قد أعلنت خفضاً إنتاجياً آخر وبعد أن جاءت بيانات الوظائف الأميركية أقوى من المتوقع، فمن المرجّح أن نرى زيادة أخرى من مجلس الاحتياطي، وهذا قد يكبح الدورة الاقتصادية أكثر، ما سيكون له أثر عكسي على أسعار النفط. وهو ما سيتفقده معظم المراهنين على تراجع السوق، إذ يعتقدون أن موجة الصعود الحالية ستتبدد قريبا وأن المسار الأسهل مازال هو مسار تراجع الأسعار.

حركة أسعار النفط الخام اليومية

مستويات حساسية أوبك

يوضح الرسم البياني أن على المتداولين مراقبة مستوى 65 دولاراً للبرميل عن كثب، فعند تلك المستويات قد نرى ردود الفعل من قبل أعضاء «أوبك+»، الذين لطالما تعهدوا باستقرار الأسعار.

فحين انخفضت أسعار النفط إلى ما دون مستوى الدعم البالغ 65 دولاراً للبرميل، صرح وزير الطاقة السعودي بأن المستثمرين يجب أن يتداولوا مراكزهم النفطية بحذر شديد.

الرسالة التي يريد الأمير عبد العزيز بن سلمان إرسالها هي نفسها كما كانت من قبل، وبمقتضاها إذا استمرت أسعار الخام في الهبوط، فإن لديهم طريقة سهلة لإعادة الأسعار إلى المستوى الذي يريدونه، فكل ما عليهم هو الضغط على زر «خفض الإمدادات النفطية».

المستوى الذي نعتقد أن السعودية تريد الأسعار حوله هو 80 دولاراً للبرميل، ولقد رأينا رد فعل المملكة وأعضاء آخرين في «أوبك+» عندما بدأ السعر بالانخفاض أكثر عن هذه المستويات.

المستويات الفنية التي يجب مراقبتها

من خلال النظرة الفنية، يجري تداول سعر النفط الخام إلى حدٍ كبير في نطاق عرضي، ويظهر الرسم البياني لسعر النفط الخام من قبل «أفاتريد» شيئين مهمين للمتداول:

أولاً، يعطي مؤشر القوة النسبية فرصة شراء مثالية للغاية لمتداولي النفط في المرات الأخيرة حين انخفضت الأسعار إلى ما دون مستوى الثلاثين دولاراً، كما هو موضح في الدوائر الخضراء على الرسم البياني.

ثانيًا، يظهر مستوى ذروة الشراء لمؤشر القوة النسبية، كما هو موضح في الدائرة الحمراء، فرصة كبيرة للمتداولين للبيع، ويقوم المتداولون بالشراء عندما ينخفض ​​مؤشر القوة النسبية إلى ما دون مستوى الثلاثين، ويقومون بالبيع عندما يصل مؤشر القوة النسبية إلى مستوى السبعين.

وفي الوقت الحالي، المستويان اللذان من المحتمل أن يخلقا رد فعل من «أوبك+» يجري تحديدهما بواسطة الأسهم.

ويوضح السهم الأخضر نقطة سعر النفط التي عند اختبارها مرة أخرى أو إذا انخفضت الأسعار إلى ما دونها، فمن المرجّح أن يكون هناك المزيد من التصريحات والإجراءات من قبل أعضاء «أوبك+» لرفع الأسعار مجدداً، أي من المحتمل أن تكون هناك إجراءات لخفض إمدادات النفط.

أما السهم الأحمر فهو في الأساس منطقة تصبح فيها الأمور مؤاتية أكثر، ففي هذه المرحلة قد نسمع بعض المحادثات حول زيادة محتملة في المعروض، ولكن من المستبعد أن نرى أي إجراء فعلي، لأن السعوديين ما زالوا في ارتياح بشأن هذا السعر.

الخلاصة

يجب أن يولي المتداولون المزيد من الاهتمام لاستراتيجيات التداول الخاصة بهم عند النظر إلى أسعار النفط، والتي تتأثر في الوقت الحالي سلباً بمخاوف الانكماش الاقتصادي، وارتفاع التضخم، وقضايا سقف الدين الأميركي.

إلى جانب ذلك، يتعرض مجلس الاحتياطي الأميركي إلى ضغوط، ومن المحتمل أن يتجه إلى رفع أسعار الفائدة الشهر المقبل أيضاً، وإذا فعل ذلك، فقد يُثير ذلك المزيد من الرياح المعاكسة لأكبر اقتصاد في العالم.

يعني هذا أن أسعار النفط قد تبدأ في إظهار الضعف مرة أخرى، لكن من المحتمل أن نشهد رد فعل تلقائياً على ذلك من قبل «أوبك+» التي قد تعلن عن خفض آخر لإمدادات الخام.

* نعيم إسلام متداول سابق في صناديق التحوط ولديه أكثر من 15 عاماً من الخبرة في مجال الخدمات المصرفية الاستثمارية. عمل إسلام مع «بنك أوف أميركا» في تداول الأسهم، ومع «بنك نيويورك» في تداول صناديق التحوط، وهو متخصص في تقنيات البلوكتشين والأصول التقليدية، ومؤسس ورئيس قسم المعلومات في Zaye Capital Markets المتخصصة في تقديم الأبحاث حول الأصول التقليدية والرقمية، كما شارك في تأسيس Compare Broker.

** الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر «CNN الاقتصادية».