تلعب وسائل التواصل الاجتماعي دوراً جوهرياً في حياة الفرد والمجتمع، إذ تؤثر بشكل قوي على جوانب الحياة الاجتماعية وتسهم في تعزيز القدرات من خلال تزويد الأفراد بالمعلومات بطرق مبتكرة.
لكن ماذا يحدث إذا أصبح هذا التأثير الإيجابي معروضاً للبيع؟
وكيف ستكون حياتنا إذا أصبحت تتلوّن بحسب الألوان المستخدمة من المؤثرين بغية الربح المادي؟ وهل حقّاً بدأت شركات الأدوية الكبيرة تتآمر للتربح من آلام الناس ومعاناتهم؟
خلال تصفحك وسائل التواصل الاجتماعي على جوّالك، قد يلفت انتباهك أحد مقاطع الفيديو المصورة كونه يتكلم عن معاناة مشابهة لمعاناتك.. وما أكثرهم المؤثرين اليوم وما أجملهم أولئك الذين يشاركوننا تجاربهم الشخصية وخاصةً تلك التي لها علاقة بالصحة النفسية.. هذه المشاركة لا شكّ أنها تنشر الوعي وتؤكّد للمشاهد أنه ليس وحيداً في دائرة معاناته.
إلى هنا الوضع سليم.. لكن ماذا إذا كان هذا المؤثّر يتقاضى أجراً من شركات الأدوية للترويج لمنتجاتها؟ هنا تبدأ الخطورة: أشخاص غير مؤهلين وغير متدرّبين في السلك النفسي وشق الصحة النفسية بدؤوا يقنعون المشاهدين بأدوية معيّنة ويشجعونهم على شرائها بهدف زيادة ربحهم وربح الشركات الممولة تحت شعار مساعدة المرضى على التحسن.. هذه الدعاية يمكن أن تنقص من المعلومات الأساسية المهمة لكل شخص بحاجة إلى علاج.
ولعلّ أكثر فئة معرّضة لهذا النوع من التضليل هم المراهقون، إذ بدؤوا يشخصون أنفسهم بأنفسهم من خلال التأثر بمشهد أو فيديو قصير يتكلم عن العوارض التي يشعرون بها.
فمنهم من يصنّف نفسه كشخص يعاني من عوارض التوحد أو من الاكتئاب أو حتى من فرط الحركة.. لكن طبعاً، وبعد اللجوء إلى عيادة طب أو علاج نفسي يتضح أنه لا يعاني من أي شكلٍ من أشكال الأمراض النفسية المذكورة أو المشكلات النفسية التي شخصها بنفسه، أو أنه يعاني من مشكلة أخرى.
هذا دليل واضح على أن التبعية العمياء لهؤلاء المؤثرين بدأت تؤذي المشاهد وتضلله: إن استعمال الإنترنت للتشخيص الذاتي يمكن أن يؤدي إلى الأذى مع العلم أن الكثيرين قد استفادوا من بعض المنشورات للبحث عن الحقيقة والتوجه إلى الطريق السليم لحل الموضوع.
لقد استقبلت في عيادتي عدداً لا يستهان به من الأشخاص الذين من خلال تعلّقهم بالمؤثرين توصّلوا إلى تشخيص ذاتي لحالتهم:
«أنا متأكدة أنني أعاني من فرط الحركة إذ إنني لا أركز لوقت طويل وأعاني من مشكلات بالتواصل الاجتماعي».
هذا تصريح لإحدى مرضى عيادتي، ليتضح بعد تحويلها إلى طبيب نفسي وبعد عدة جلسات نفسية أنها تعاني من اكتئاب شديد مصحوب بأفكار سوداوية وهي بحاجة لتدخل طبي ونفسي سريع.
هذا المثال يدل على أن التشخيص الذاتي من خلال التأثر بالمؤثرين يمكن أن يكون خطراً على الشخص لأنه يمكن أن يلجأ إلى دواء لا يعالج مشكلته، وذلك لأن التشخيص العيادي لم يوضع بشكل فعّال ومناسب للحالة.
من هنا أوجّه رسالة لكل شخص يعاني أو يظن أنه يعاني أية مشكلة نفسية أن يتلقى التشخيص العيادي المناسب لحالته لكي يتابع مسيرة علاجية سليمة.
التشخيص النفسي يأتي على مراحل عدّة، فالطبيب أو الأخصائي يمكن أن يلجأ أولاً إلى التشخيص الطبي لإزالة الأسباب الصحية ومن ثم يضع الخطة اللازمة لتشخيص واضح، يبدأ بجمع المعلومات وتاريخ الشخص مع الحالة، مروراً بالمقارنة مع الحقائق التي توصّل لها حول طبيعة الاضطراب، وصولاً إلى الفحص والتحليل العيادي وتفسير العوارض وذلك لوضع خطة علاجية فعالة للفرد.
صحتكم النفسية ليست للبيع ولا للتجارة.. تعاملوا مع مشكلاتكم النفسية بشكل سليم.
* شيرين يوسف أخصائية في علم النفس العيادي ومعالجة نفسية.
** الآراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر «CNN الاقتصادية».