في ميدان ثقافة الاستهلاك، ثمة ظاهرة تُعرف بـ«الاستهلاك التفاخري»، وهي ممارسة يتباهى فيها الأفراد بثرواتهم ومكاناتهم الاجتماعية من خلال اقتناء السلع والخدمات.
وبينما ترجع هذه الفكرة إلى قرون مضت، فقد اتخذت تجلياً جديداً في عصر وسائل التواصل الاجتماعي.
في الأزمنة السابقة، كان الناس يستعرضون ثراءهم بفخر من خلال شراء ملابس فخمة وسيارات فاخرة ومنازل باهرة، لكن أثر التباهي كان محصوراً في نطاق جغرافي واجتماعي محدود نسبياً.
أما الآن، فقد غيّر العصر الرقمي المشهد، متيحاً للأفراد عرض ثرواتهم عبر الكوكب وببضع نقرات بسيطة. فقد أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي، مثل إنستغرام وفيسبوك ويوتيوب، مسارات افتراضية حيث يعرض الناس آخر مقتنياتهم، ما يتيح للعالم رؤية عروض الازدهار الفجة التي يقدمونها.
وللأسف، فإن هذا الشكل المعاصر للاستهلاك التفاخري يؤدي إلى مجموعة من الآثار الضارة. فهو يغذي المادية المفرطة ويوقع الأفراد في أسر الديون ويفاقم مشكلات البيئة، ما يجعل السعادة الحقيقية أكثر تعقيداً.
إن أحد أخطر آثار الاستهلاك التفاخري يكمن في زرعه للمادية المتفشية، فمع التعرض المستمر لتدفق من صور ثروات الآخرين، قد يشعر الأفراد بالدافع لامتلاك العناصر نفسها لتحقيق السعادة.
ويؤدي هذا إلى دورة لا نهاية لها من الإنفاق، حيث يسعى الأفراد لمواكبة أقرانهم، فيما يشار إليه في كثير من الأحيان بظاهرة «مواكبة الجيران».
وعلاوةً على ذلك، يؤدي الاستهلاك التفاخري في كثير من الأحيان إلى تراكم الديون، فعندما يستسلم الناس لسحر المشتريات غير الضرورية، يجدون أنفسهم غالباً محاصرين بالتزامات مالية.
تحمل هذه الحالة عواقب خطيرة، مثل التقييم الائتماني المنخفض ومعدلات الفائدة المرتفعة، ما يلقي بظلال على الوضع المالي للمنخرطين في تلك الممارسة.
وبالإضافة إلى تعزيز المادية والديون يفاقم الاستهلاك التفاخري مشكلات البيئة، إن إنتاج السلع والخدمات يتطلب استهلاك موارد مثل الطاقة والماء والمواد الخام، ويؤدي هذا الاستهلاك غير المقيد إلى إنتاج نفايات كبيرة، ما يلوث البيئة ويسهم في تدهور النظم البيئية.
لمواجهة الآثار الضارة للاستهلاك التفاخري، تكمن إحدى السبل المحتملة في فرض الضرائب، فمن خلال فرض ضريبة على الاستهلاك التفاخري يمكننا تشجيع الأفراد على عدم التلذذ بالمشتريات الزائدة، سيساعد ذلك في التقليل من إنتاج النفايات والحد من التلوث، ويمكن توجيه العائدات الناتجة عن مثل هذه الضرائب إلى برامج تعالج الآثار السلبية للمادية، بما في ذلك خدمات الصحة النفسية ومبادرات حماية البيئة.
ويمكن أن تكون تكنولوجيا المنصات الرقمية التي زادت من تفاقم هذه الظاهرة جزءاً مهماً من الحل.
إذ يمكن فرض مبدأ «الضريبة لكل إعجاب»، حيث يتم تحديد الضريبة ومعدلها على بعض السلع والخدمات بناءً على العدد الإجمالي من «الإعجابات» و«المشاركات» التي تحظى بها السلعة أو الخدمة.
يمكن أن يكون هذا المبدأ أداة لتحديد العناصر التي تندرج تحت فئة الاستهلاك التفاخري.
وبالطبع، لا يمكن إنشاء قائمة من هذا القبيل عبر جميع فئات السلع والخدمات، حيث يجب أن تكون هناك استثناءات، مثل الخدمات العامة والمستهلكات الأخرى التي تندرج ضمن نطاق الخير العام.
يمكن إذاً إنشاء قائمة من السلع والخدمات من خلال «الإعجابات» و«المشاركات» على وسائل التواصل الاجتماعي لفرض ضريبة خاصة على الاستهلاك التفاخري. ويمكن تطبيق هذا المبدأ أيضاً من قبل البلدات والمدن التي تسعى إلى تقليل عدد الزوار الذين لا يمكن التحكم فيهم إلى بعض المواقع السياحية.
يُمكن أن تُفرض ضريبة معينة على السلع والخدمات التي يتم استهلاكها بالقرب من المواقع السياحية الشهيرة المحددة من خلال «الإعجابات» و«المشاركات» على منصات وسائل التواصل الاجتماعي.
وستفرض المتاجر والحانات والمطاعم والفنادق ومرافق التجارة الأخرى في مدى جغرافي محدد بالقرب من مكان جذب وسائل التواصل الاجتماعي ضريبة خاصة على منتجاتهم وخدماتهم نيابة عن الحكومات المحلية.
وبالتزامن مع الضرائب، يمكن توظيف العديد من الاستراتيجيات الأخرى لمكافحة مشكلة الاستهلاك التفاخري. تشمل هذه الاستراتيجيات حملات التوعية التي تسلط الضوء على الآثار السلبية للاستهلاك البارز على القدرة على تخصيص الموارد لتحسين المجتمع وحفظ بيئتنا الطبيعية.
لقد قدمت الجامعات في جميع أنحاء العالم عدداً متزايداً من الدورات والبرامج حول العمل البيئي والاستدامة والتجارة العادلة ومواضيع أخرى متعلقة بما يعرف الآن بشكل شائع بمسائل ESG (البيئة والمجتمع والحوكمة).
لكن بالنسبة لمسألة الاستهلاك التفاخري وتأثيرها على سوء توجيه الموارد الاجتماعية والطبيعية، فإن السياسات الحكومية ما زالت لا تمنحها الاهتمام الكافي، وتعد الضريبة على الاستهلاك التفاخري الناتجة عن التأثيرات الرقمية خطوة في هذا الاتجاه.
* الدكتور سامي محروم هو مدير التعليم التنفيذي في جامعة نيويورك أبوظبي وأستاذ الممارسات الإدارية في كلية سولفاي بروكسل للاقتصاد ومستشار الابتكار والسياسات لدى العديد من المنظمات في أوروبا والشرق الأوسط.
** الآراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر «CNN الاقتصادية».