الإيرادات النفطية التي حققتها دول الخليج جراء ارتفاع أسعار النفط ساهمت في تحقيقها فوائض في موازناتها تقدر بحوالي ثلاثمئة مليار دولار، بحسب صندوق النقد الدولي.

هذه الفوائض أدت إلى اتساع الحيز المالي وهامش الاستثمارات في دول الخليج، في وقت كانت الحال معاكسة في معظم اقتصادات العالم، الأمر الذي منح هذه الدول فسحة كبيرة لزيادة الاستثمارات التي تتجه اليوم إلى قطاع التكنولوجيا والقطاعات التي تساهم في رفع الإنتاجية.

منذ نحو عشر سنوات، لم يعد إنفاق حكومات دول الخليج يقتصر على التمكين الاجتماعي والنفقات التشغيلية فقط، إنما تعداه إلى المجال التكنولوجي الذي بات اليوم يحتل حيزاً أكبر من موازنات الحكومات.

فالإمارات مثلاً تستثمر اليوم بما قيمته خمسين مليار دولار في مجال الميتافيرس، والسعودية تضخ مبالغ طائلة في مشروع «نيوم» تفوق التريليون دولار. أما البحرين، فتستثمر في بناء جزر صناعية.

لا شك أن كل هذه الاستثمارات تساهم في رفع الإنتاجية، مما سيكون له وقعه الكبير على اقتصادات هذه الدول.

الأمر الأهم هو أن جميع الاقتصادات في دول الخليج، لا سيما السعودية والإمارات، تذهب باتجاه استراتيجية تنويع مصادر ومحركات النمو الذي يجعل وقع الاستثمار الإضافي كبيراً.

تعي دول الخليج اليوم أن الارتفاع الذي نشهده في أسعار النفط ليس ظاهرة مستدامة، وأن التحدي الأساسي الذي يواجه هذا القطاع هو التغير المناخي والتحول العالمي الى الطاقات النظيفة. وهو مسار بدأ في اجتماع باريس عام 2015، وصولاً إلى شرم الشيخ ومروراً بغلاسكو، حيث تعهدت الدول بالتزامات كبيرة للخروج تدريجياً من الوقود الأحفوري.

وبالتالي، فإن كل السياسات التي تتجه الى الطاقة النظيفة تعتبر تحولاً هيكلياً مستداماً، وسوف تتحقق على حساب الوقود الأحفوري، أي النفط والغاز.

لكن عوامل عدة أخرت بدء مسار تحقيق الالتزامات نحو الطاقة النظيفة والإبقاء على الوقود الأحفوري، منها عودة أسعار النفط إلى المنحى التصاعدي والحرب الروسية–الأوكرانية واضطراب سلاسل الإمداد بعد جائحة كورونا، إضافة إلى مخلفات أزمة 2008 الاقتصادية التي لا نزال نلملم جراحها وتسببت هذه الأخرى في تأخير الاستثمارات إلى قطاع الطاقة البديلة. ناهيك عن الحرب التجارية القائمة اليوم بين الولايات المتحدة والصين.

دول الخليج تحاول من جهتها منذ عقد تقريباً الاستثمار بمشاريع الطاقة المتجددة – وتحديداً في الطاقة الشمسية والهيدروجين – حيث باتت مصدراً مهماً للطاقة البديلة، لا بل من بين أبرز صنّاع هذه السوق على الصعيد العالمي.

وتوازياً، تواكب الجهود الخليجية اليوم تلك الأوروبية للبحث عن بديل للغاز الروسي، وهو ما بلورته الزيارات الأوروبية المتكررة الى دول الخليج والعقود التي تم توقيعها، والتي أظهرت أن دول الخليج – لا سيما السعودية – تحتل موقعاً ريادياً في سوق الهيدروجين والطاقة المتجددة.

وجهود دول الخليج بارزة أيضاً، وبقوة، في التوجه العالمي للبحث عن حلول لتغير المناخ، وهو ما لمسناه في مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالمناخ (كوب 27) الذي انعقد في شرم الشيخ في نوفمبر تشرين الثاني.

صحيح أنه مسار طويل لكن الدول النفطية تخطوه بثبات لتصبح ريادية في الانتقال الى الطاقة البديلة.