كتبت جوليا هورويتز (CNN)

رغم مغادرة شُحنات الحبوب للموانئ الأوكرانية من جديد، وانخفاض سعر الأسمدة ​​بشكل حاد، وتقديم مليارات الدولارات من المساعدات، لا يزال العالم في قبضة أسوأ أزمة غذاء في التاريخ الحديث.

وربما تكون ظروف السوق تحسنت في الأشهر الأخيرة، لكن الخبراء لا يتوقعون تعافيًا وشيكًا مع استمرار الحرب الروسية في أوكرانيا، والتي هزت النُظم الزراعية العالمية في الوقت الذي تصارع فيه الدول تقلبات الطقس وتداعيات الوباء.

يُعني ذلك المزيد من الضغط على المجتمعات الفقيرة، كما أنه يزيد من خطر حدوث مجاعات في بلدان مثل الصومال، التي تتصارع مع ما تصفه الأمم المتحدة بأنه حالة طوارئ غذائية «كارثية».

وقال كاري فاول، المبعوث الأمريكي الخاص بالأمن الغذائي العالمي، لشبكة «CNN»: «لا تزال جميع الأسباب الرئيسية لأزمة الغذاء مستمرة؛ الصراع الروسي، وكوفيد، وتغير المناخ، وارتفاع أسعار الوقود»، مضيفًا: «أعتقد أنه يتعين علينا الاستعداد لأن يكون عام 2023 عامًا صعبًا».

ومن جانبه، أشار ديفيد بيزلي، رئيس برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة، إلى أن وكالته تلقت 14 مليار دولار في عام 2022، وهو مبلغ غير مسبوق شمل أكثر من 7 مليارات دولار من الولايات المتحدة، مما ساعد في توصيل الطعام والمساعدات لحوالي 160 مليون شخص.

وقال فاولر: «إن صفوف الأشخاص الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي تنمو بوتيرة أسرع من قدرتنا على تقديم المساعدة الإنسانية.. لا يمكننا الخروج من هذه الأزمة من خلال توفير المساعدات الغذائية».

أسعار الغذاء عند مستويات قياسية

كانت أسعار الغذاء بالفعل عند أعلى مستوياتها منذ عقد حتى قبل الغزو الروسي لأوكرانيا، بسبب تعثر سلاسل التوريد وتقلبات الطقس الشديدة، كما بلغت أسعار الغاز الطبيعي، وهو عنصر أساسي في صناعة الأسمدة القائمة على النيتروجين، مستويات قياسية.

وتزود أوكرانيا السوق العالمية عادة بحوالي 45 مليون طن متري من الحبوب سنويًا، وهي أكبر مُصدر لزيت عباد الشمس في العالم، وشكلت مع روسيا حوالي ربع صادرات القمح العالمية في عام 2019.

لذلك مع نشوب الحرب وإغلاق القوات الروسية للموانئ الأوكرانية، تعرض النظام الغذائي المتوتر لصدمة أخرى.

وقال آبي ماكسمان، الرئيس التنفيذي لمنظمة «أوكسفام أميركا»: «كان لأزمة أوكرانيا هذا التأثير السلبي المستمر على أسعار الغذاء العالمية و أضافت المزيد من التقلبات».

وأدى ذلك إلى ارتفاع مؤشر أسعار الغذاء لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة «الفاو» إلى أعلى مستوياته منذ عام 2005، إذ زاد بأكثر من 14 في المئة العام الماضي مقارنة بعام 2021.

وفي عام 2022، قفز عدد الأشخاص الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي إلى 345 مليونًا من 135 مليونًا في عام 2019.

بين الآمال والمخاوف

من ناحية أخرى، كانت هناك مؤشرات على التحسن في الفترة الآخيرة، إذ انخفض مؤشر «الفاو» على مدار تسعة أشهر متتالية، وكانت قيمته في ديسمبر كانون الأول أقل من نظيرتها قبل عام واحد.

ويمكن إرجاع ذلك إلى الانخفاض الحاد في أسعار الزيوت النباتية، بالإضافة إلى ارتفاع الإمدادات وانخفاض الطلب ​​مع تباطؤ الاقتصاد ومخاوف الركود.

كما أتاح اتفاق استئناف صادرات أوكرانيا الغذائية عبر البحر الأسود، شحن أكثر من 12 مليون طن متري من الحبوب والمواد الغذائية الأخرى حتى بداية ديسمبر كانون الأول، وساعد أيضًا انخفاض سعر الطاقة في خفض تكلفة الأسمدة.

وقال جوناثان هينز، كبير المحللين لدى «جرو إنتليجينس»، وهي شركة بحثية: «في الوقت الحالي، تسير الأمور في الاتجاه الصحيح”.

لكن المخاوف تظل قائمة، فلا تزال الأسمدة باهظة الثمن، ويستخدم المزارعون كميات أقل لتوفير التكاليف؛ ما قد يؤدي إلى الحد من غلة المحاصيل في المواسم القادمة.

بالإضافة إلى ذلك، قال مسؤولون أوكرانيون وأمريكيون إن روسيا تقوم بعمليات تفتيش بطيئة للسفن المحملة بالحبوب في موانئ البحر الأسود، مما يؤدي إلى عمليات تأخير مُكلفة.

كما يشكل الطقس القاسي الذي لا يمكن التنبؤ به خطرًا إضافيًا، إذ شهدت الأشهر الإثني عشر شهرًا الماضية درجات حرارة غير مسبوقة في أوروبا، وفيضانات مدمرة في باكستان، وجفافاً في منطقة حزام الذرة بالولايات المتحدة، وجفافاً آخر شديداً في أمريكا الجنوبية مرتبط بظاهرة النينيا.

للحرب تكاليف آخرى!

ساهم الاضطراب في سوق الغذاء العالمي في تزايد صفوف الفقراء والجوعى حول العالم، وهؤلاء الذين يراقبون الظروف.. قلقون بشأن المستقبل.

وقالت دينا إسبوزيتو، منسقة شؤون أزمة الغذاء العالمية لدى الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية: «نحن حقًا في لحظة نشهد فيها فقرًا متزايدًا بسبب كل هذه الصدمات، لا سيما في أفريقيا».

وفي الصيف الماضي، قال أحد كبار مديري التغذية في عيادة تُديرها لجنة الإنقاذ الدولية في مقديشو لشبكة «CNN»، إن عدد الحالات لديهم ارتفع بنسبة 80 في المئة في شهر واحد، وشهدت العيادة زيادة مذهلة قدرها 265 في المئة في حالات سوء التغذية الحاد لدى الأطفال دون سن الخامسة.

وقال ماكسمان: «آثار الحرب تؤذي أولئك الذين ليس لهم علاقة بما يحدث أكثر من غيرهم».

ومن المقرر أن يناقش قادة الحكومات ورجال الأعمال هذه القضية خلال المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس بسويسرا هذا الأسبوع، إذ من المنتظر مناقشة الحاضرين لموضوعات تتعلق بتكاليف الطاقة، والحفاظ على الأمن العالمي، والذكاء الاصطناعي، والتحولات الديموغرافية.