تبخر في مصر حلم الحصول على مليون جنيه، لا نعرف متى تحديداً اختفى الحديث عما أسماه المصريون الأرنب في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، ولكن دون شك لم يعد المليون مليوناً وتآكلت قيمته حتى إنه أصبح لا يساوي سوى نحو 20 ألف دولار اليوم بعد أن كان يساوي نحو 190 ألف دولار قبل نحو 20 عاماً.
وكان حلم الحصول على المليون الأول أو رحلة المليون بمثابة الحلم الأميركي الذي يراود خيال من يعيشون في مصر، وكان يشاع وقتها في مجال الأعمال والتجارة أن المليون الأول كفيلٌ بتوليد الملايين التالية بسرعة كبيرة ومن هنا جاء لفظ الأرنب ربما.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1738926244764-0'); });
إسراء الشابة العشرينية تطمح اليوم في السفر إلى إحدى دول الخليج العربي للعمل في مجال وساطة بيع العقارات، وذلك «رغبة في توفير نحو 5 ملايين جنيه لشراء وحدة سكنية في إحدى ضواحي القاهرة، وسيارة شخصية لتساعدها على الانتقال».
قفزت أسعار العقارات والسيارات في مصر بشكل كبير طوال العامين الماضيين بسبب انخفاض قيمة الجنيه المصري أمام الدولار الأميركي، حيث شهد الجنيه المصري خمس عمليات تخفيض وتعويم بين نوفمبر تشرين الثاني 2016 ومارس آذار 2024.
شهدت أعمال الدراما في مصر تناول المليون جنيه بشكل من التعظيم، فهو ظل رقماً كبيراً بمقاييس ذلك الوقت، وقتها جسد الفنان عادل إمام شخصية (إبراهيم الطاير)، كان يطمح في إنشاء فندق بمبلغ 750 ألف جنيه كان قد استولى عليه من مجموعة من الأشقياء، وهذا المبلغ كان كافياً في السبعينيات لبناء فندق، وبحسب البيانات التاريخية كان سعر غرام الذهب من عيار 24 وقتها نحو 10 دولارات وسعر الدولار كان نحو 40 قرشاً، أي أن سعر غرام الذهب كان أربعة جنيهات بينما يبلغ اليوم نحو 4300 جنيه، وحسب حسابات سي إن إن الاقتصادية المبنية على أسعار الذهب فإن مليون جنيه في نهاية سبعينيات القرن الماضي تساوي اليوم 1.075 مليار جنيه.
إبراهيم عطا الله وُلِد وقت بث (إبراهيم الطاير)، يعمل إبراهيم مديراً في إحدى شركات السياحة، قال إبراهيم ساخراً في لقاء مع CNN الاقتصادية «عندما بدأت العمل في السياحة عام 2002 كان حلمي تأسيس شركة سياحة، كنت أحتاج وقتها إلى نحو مليون جنيه كي أقوم ببداية نشاط الشركة، مرت الأعوام ولم أُكوِّن مدخرات كافية لتحقيق حلمي، وظللت أتنقل بين الشركات، وإذا قمنا اليوم بإعادة الحسابات ودراسات الجدوى لتأسيس شركة سياحة في مصر؛ فسيتوجب عليَّ توفير نحو 15 مليون جنيه لتأسيس الشركة، وهو أمرٌ شبهُ مستحيل».
أما مجدي عشم الذي يعمل في مجال الاستيراد، فقال في اتصال مع CNN الاقتصادية إنه عندما بدأ العمل عام 1998 جلب أربع حاويات من ألمانيا بتكلفة إجمالية بلغت 120 ألف جنيه، بينما اليوم تبلغ قيمة الأرضيات التي يدفعها للموانئ بين 500 ألف جنيه ومليون جنيه في الشهر الواحد.
هاني أبوالفتوح، الرئيس التنفيذي لشركة «الراية» للاستشارات المالية، قال في اتصال مع CNN الاقتصادية، «إن التدهور الذي أصاب الجنيه المصري منذ منتصف السبعينيات ناتج عن قرارات الحكومات المتتالية، وتبنيها سياسات تعتمد على موارد دخل قومي شديدة الهشاشة والتأثر بالعوامل الخارجية مثل قناة السويس والسياحة وتحويلات المصريين المقيمين في الخارج»، وأضاف أبو الفتوح أن «الحكومات المتعاقبة تعاملت مع ملفي الصناعة والزراعة بقدر كبير من التبسيط، مثل الاستسهال في استيراد القمح، والاعتماد على الاستيراد المفرط للكثير من المنتجات، ما تسبب في تآكل مدخرات المصريين واختفاء كلمة مليونير من مناقشات المصريين والتي كانت تعني الكثير في الماضي».
قد يساعد مليون جنيه اليوم على شراء سيارة آسيوية محلية التجميع، أو سداد دفعة تعاقد على إحدى الوحدات السكنية، ولكنه أصبح غير كافٍ لشراء المزيد أو تأمين تقاعد ولن يلد ملايين متتالية، ولكن المصريين أو غالبيتهم لا يتحدثون في عام 2025 عن الحصول على المليار الأول، على ما يبدو فإن الوصول إلى رصيد يشمل تسعة أصفار بعد رقم واحد أمرٌ صعب التحقيق.