في 10 فبراير 2025، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب فرض رسوم جمركية بنسبة 25 في المئة على واردات الصلب والألمنيوم، معللاً ذلك بحماية الصناعة الأميركية وتعزيز الإنتاج المحلي.
هذا القرار يعيد للأذهان ما حدث في 2002، حين فقد الاقتصاد الأميركي 200 ألف وظيفة وتكبد خسائر بقيمة 4 مليارات دولار من الأجور والمرتبات خلال 18 شهراً بسبب رسوم مماثلة.
كذلك في 2015، ساعد فرض الرسوم الجمركية على الصلب شركات الصلب الأميركية، لكنه في المقابل أضر الصناعات الأخرى التي تعتمد على الصلب كمادة خام، مثل صناعة السيارات.
فإن شركات الصلب الأميركية التي ستستفيد من هذه الرسوم كانت توظف آنذاك نحو 140 ألف عامل فقط، بينما قطاع السيارات وقتها، الذي يوظّف 5 ملايين شخص، وجد نفسه في مواجهة مباشرة مع سياسات تجارية قد تؤثر سلباً في الصناعة بدلاً من دعمها.
وفي 2018، فرضت الإدارة رسوماً مماثلة، ما كلّف الشركات والمستهلكين 11.5 مليار دولار سنوياً، مع فقدان 75 ألف وظيفة في قطاع التصنيع، وفقاً لمعهد بيترسون للاقتصاد الدولي.
اليوم، تواجه شركات السيارات الكبرى مثل تسلا، وجنرال موتورز، وفورد تحديات جديدة تتمثل في ارتفاع تكاليف الإنتاج، وتراجع القدرة التنافسية، واحتمالية خفض الوظائف.
تأثيرات الرسوم الجمركية في صناعة السيارات… وهل يعيد التاريخ نفسه؟
أعربت شركات كبرى مثل فورد عن قلقها من تأثير هذه الرسوم في تكاليف الإنتاج، حيث تخطط بعض الشركات لزيادة مخزوناتها أو تغيير مزيج وارداتها للتخفيف من تأثير هذه الرسوم. ومع ذلك، لا تزال هناك حالة من عدم اليقين بشأن الإعفاءات المحتملة أو كيفية تطبيق هذه الرسوم، ما يزيد من تعقيد التخطيط المستقبلي لهذه الشركات.
تعتمد شركات السيارات في الولايات المتحدة على واردات الصلب والألمنيوم في عمليات التصنيع، ومع ارتفاع التكاليف، يمكن أن تحدث التأثيرات التالية: زيادة تكاليف الإنتاج، تهديد الوظائف، والتأثير في شركات السيارات الكبرى، والاستثمارات.
1. ارتفاع تكاليف المواد الخام والإنتاج
تعتمد صناعة السيارات الأميركية على الصلب والألمنيوم كمكونات أساسية.. ارتفاع أسعار هذه المواد بسبب الرسوم سيؤدي إلى زيادة تكاليف الإنتاج، ما سينعكس على أسعار السيارات والطلب في السوق.
في 2018، ارتفعت تكاليف الصلب بنسبة 20 في المئة، ما زاد تكلفة إنتاج السيارات بين 250 إلى 400 دولار لكل وحدة، ومع إنتاج 10 ملايين سيارة سنوياً، قد تصل التكلفة الإضافية إلى 4 مليارات دولار سنوياً.
2.التأثير في سوق العمل
أما بالنسبة لسوق العمل، عند فرض الرسوم الجمركية عام 2002، خسر الاقتصاد الأميركي 200 ألف وظيفة، معظمها في القطاعات المستهلكة للصلب. وفي 2015، وصل عدد الموظفين في قطاع السيارات إلى 5 ملايين شخص، فإن ارتفاع التكاليف قد يدفع الشركات إلى خفض العمالة لمواجهة الخسائر.
3. مقارنة بعام 2018.. كيف تغيرت القيم السوقية للشركات الأميركية الكبرى؟
وفقاً لموقع كومبانيز ماركت كاب، في فبراير شباط 2025، تحتل تسلا المركز الأول عالمياً بين شركات السيارات بقيمة سوقية تبلغ 1.056 تريليون دولار، متفوقة على جنرال موتورز (46.46 مليار دولار) وفورد (36.50 مليار دولار).
ومقارنة بعام 2018، عندما تراوحت قيمة تسلا بين 42 و61 مليار دولار، يظهر أن الشركات التقليدية لم تحقق نمواً مماثلاً، ما يجعلها أكثر عرضة للتأثر بالرسوم الجمركية الجديدة.
4. التأثير في الاستثمارات
أما على صعيد الاستثمارات، فقد تتأثر خطط تطوير تقنيات السيارات الكهربائية سلباً بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج، ما قد يُبطئ من وتيرة الابتكار في هذا المجال. في المقابل، قد تستفيد الشركات الأوروبية والصينية من هذه التطورات، نظراً لاعتمادها على مصادر مواد خام أقل تكلفة، ما يمنحها ميزة تنافسية ويضع الشركات الأميركية أمام تحديات أكبر في الأسواق العالمية.
يمكن أيضاً النظر لأزمات أخرى، فعلى سبيل المثال أزمة كوفيد كشفت عن هشاشة سلاسل التوريد العالمية، ما أدى إلى ارتفاع أسعار المعادن، وأن الرسوم الجمركية الجديدة قد تزيد الضغوط على الصناعة الأميركية التي لا تزال تتعافى من تلك التداعيات.
فقد تأثرت سلسلة توريد المعادن عالمياً، إذ تأثر قطاع السيارات الأميركي بشكلٍ كبير من تباطؤ الصادرات الصينية للمدخلات الوسيطة، إذ تُقدَّر الخسائر بنحو 845 مليون دولار في حال انخفضت صادرات الصين من هذه المنتجات بنسبة 2 في المئة.
هذه الخسارة تُعدّ الأكبر بين القطاعات الأميركية المتضررة، بعد قطاع المعادن والمنتجات المعدنية (1030 مليون دولار) وقطاع المكاتب والآلات المكتبية (778 مليون دولار).
ووفقاً لبيانات أونكتاد، بلغت خسائر سوق المعادن العالمي بشكل إجمالي بسبب الجائحة نحو 1.8 مليار دولار.
ما هي السيناريوهات المحتملة؟
1. السيناريو الأول: نقل المصانع إلى الخارج.. «هروب المصانع وفقدان الريادة من أميركا»
في حال استمرار الرسوم الجمركية، قد تلجأ الشركات إلى نقل التصنيع إلى المكسيك وكندا، إذ لا تُطبق هذه الرسوم. منذ توقيع اتفاقية التجارة بين الولايات المتحدة والمكسيك وكندا، (USMCA) زادت الاستثمارات في قطاع السيارات المكسيكي بنسبة 17 في المئة بين 2019 و2023.
ووفقاً للمكتب الأميركي للإحصاء، بلغت واردات الصلب والألمنيوم 29 مليار دولار في 2024، ما يعني أن التكاليف الإضافية قد تصل إلى 7.25 مليار دولار سنوياً، بناءً على تقييم أحد اقتصاديين CNN الاقتصادية.
2. السيناريو الثاني: دعم حكومي لتعويض التكاليف.. «الضرائب مقابل الرسوم»
في 2018، قدمت الإدارة الأميركية حزمة تخفيضات ضريبية بقيمة 1.5 تريليون دولار لدعم الشركات المتضررة من التعريفات الجمركية. إذا تكرر السيناريو نفسه في 2025، قد يتم تقديم إعفاءات ضريبية جديدة بقيمة 5-10 مليارات دولار لتعويض الشركات، لكن ذلك قد يزيد العجز التجاري، الذي بلغ 1.18 تريليون دولار في 2024، بناءً على تقييم أحد اقتصاديين CNN الاقتصادية.
3. السيناريو الثالث: مفاوضات جديدة بشأن التعريفات الجمركية.. «إعادة التفاوض وتخفيف الأضرار»
في 2002، عندما فرضت إدارة بوش تعريفات على الصلب، اضطرت الشركات الصناعية الكبرى للضغط على الحكومة، وتم إلغاء التعريفات في أقل من عامين. الآن، قد تضغط تسلا وفورد وجنرال موتورز لإعادة التفاوض، خاصة أن 60 في المئة من واردات الصلب الأميركية تأتي من الصين وكندا والمكسيك.
4. السيناريو الأكثر احتمالاً.. «مزيج من الإيجابيات والسلبيات»
يبدو أن الإدارة الأميركية ستسعى إلى تحقيق توازن بين حماية صناعة الصلب وعدم الإضرار بقطاع السيارات. قد نشهد مزيجًا من الدعم الحكومي والمفاوضات التجارية لتخفيف التأثيرات السلبية. ومع ذلك، يبقى الخطر قائماً، إذ قد تؤدي هذه الرسوم إلى فقدان آلاف الوظائف وانخفاض الإنتاج المحلي، كما حدث في 2018.
في النهاية، رغم أن الهدف الرسمي لهذه الرسوم هو دعم الصناعة الأميركية، فإن التجارب السابقة تشير إلى أن تأثيراتها السلبية قد تفوق الفوائد المحتملة. السؤال الأهم: هل ستكون هذه الإجراءات فعّالة حقاً في تحقيق هدفها أم أنها مجرد عبء إضافي على الاقتصاد الأميركي؟