بينما تسعى المملكة العربية السعودية لتنويع اقتصادها وتقليل الاعتماد على النفط، تواجه تحديات مالية متزايدة، أبرزها العجز المزدوج في الموازنة والحساب الجاري، وهو ما يعكس تكلفة تنفيذ رؤية 2030 الطموحة، في ظل تخفيضات إنتاج النفط التي فرضها تحالف «أوبك+»، سجل الاقتصاد السعودي نمواً محدوداً، في حين ارتفعت مستويات الدين العام إلى مستويات قياسية، ومع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، تزداد حالة عدم اليقين حول مستقبل أسعار النفط وتأثيرها على الاقتصاد السعودي.
وفيما يلي نتناول تفاصيل التحديات التي تواجه الطموح الاقتصادي السعودي، وفقاً للتقرير المنشور في «بي إن بي باريبا».
النمو مستمر رغم تحديات النفط
بعد انكماش الاقتصاد بنسبة 0.8 في المئة في 2023، عاد للنمو في 2024 لكنه ظل أقل من التوقعات بسبب استمرار تخفيضات إنتاج النفط، بلغ متوسط إنتاج السعودية 9 ملايين برميل يومياً في 2024، مقارنة بـ9.6 مليون برميل يومياً في 2023 و10.5 مليون برميل يومياً في 2022؛ نتيجة لذلك، بلغ النمو الاقتصادي 1.3 في المئة فقط في 2024، بعيداً عن التوقعات الأولية التي كانت تشير إلى 4.4 في المئة.
في 2025، يُتوقع أن ينمو الاقتصاد بنسبة 3.4 في المئة وفق تقديرات «بي إن بي باريبا»، مدعوماً بالنمو القوي في القطاعات غير النفطية التي سجلت نمواً بنسبة 3.9 في المئة في 2024، مدفوعة بزيادة الاستثمار (+4.1 في المئة) وإنفاق المستهلكين (+2.9 في المئة)، ومن المتوقع أن تحافظ هذه القطاعات على زخمها بفضل مشروعات البنية التحتية الضخمة في رؤية 2030، وانخفاض معدل البطالة إلى مستوى قياسي بلغ 3.7 في المئة.
الإنفاق الحكومي والدين العام .. ضغوط متزايدة
يأتي هذا النمو غير النفطي بتكلفة مرتفعة، حيث زاد الإنفاق الحكومي بنسبة 30 في المئة خلال السنوات الثلاث الماضية لدعم رؤية 2030، في المقابل، انخفضت إيرادات النفط التي تشكل أكثر من 60 في المئة من إيرادات الموازنة بسبب انخفاض الأسعار والإنتاج، ما أدى إلى توسع العجز المالي إلى 2.9 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في 2024، ومن المتوقع أن يرتفع إلى 3.7 في المئة في 2025، أما الحساب الجاري، فقد سجل عجزاً بقيمة 9 مليارات دولار في الربع الثالث من 2024، وهي المرة الأولى منذ الجائحة التي تشهد فيها السعودية هذا العجز. تحتاج المملكة الآن إلى سعر نفط يبلغ 80 دولاراً للبرميل لتحقيق التوازن في الحساب الجاري، مقارنة بـ55 دولاراً في 2022.
التضخم تحت السيطرة
على الرغم من الطلب المحلي القوي وارتفاع الإيجارات بأكثر من 10 في المئة نتيجة التوسع العمراني وزيادة القُوى العاملة، ظل التضخم محدودًا عند 1.7 في المئة في 2024 مقارنة بـ 2.3 في المئة في 2023، ومن المتوقع ألا يتجاوز 2 في المئة في 2025، يُعزى ذلك إلى ارتباط الريال السعودي بالدولار الأميركي؛ ما ساعد في استقرار الأسعار.
كما أن السياسة النقدية للسعودية مرتبطة بسياسات الفيدرالي الأميركي، حيث ارتفع سعر الفائدة الرئيسي من 1 في المئة في 2022 إلى 6 في المئة في منتصف 2023 قبل أن ينخفض تدريجياً إلى 5 في المئة في 2024. ورغم ذلك، حافظت القروض المصرفية على نمو يفوق 10 في المئة، مدفوعة بالطلب القوي من الشركات.
عودة ترامب وإنتاج النفط
عودة ترامب إلى البيت الأبيض قد تؤثر بشكل كبير على الاقتصاد السعودي، خاصة في مجال الطاقة، يهدف ترامب إلى زيادة إنتاج النفط الأميركي والضغط لخفض الأسعار عالمياً، ما قد يدفع السعودية إلى رفع إنتاجها في مرحلة ما.
على صعيد التجارة، لا يُتوقع أن تستهدف الرسوم الجمركية الأميركية السعودية بشكل مباشر، لكن تصاعد التوترات بين واشنطن وبكين قد يضع الرياض في موقف صعب بين شريكيها الاستراتيجيين، في 2023، كانت الصين الشريك التجاري الأول للسعودية بحصة 18 في المئة من إجمالي التجارة، مقابل 6.5 في المئة فقط للولايات المتحدة.
هل تستطيع السعودية الموازنة بين النمو والاستدامة المالية؟
بينما تستمر المملكة في تنفيذ رؤية 2030، تتزايد الضغوط المالية مع ارتفاع العجز والديون، ورغم أن الاقتصاد غير النفطي يُظهر مرونة، فإن انخفاض عائدات النفط يجعل تحقيق التوازن المالي أكثر صعوبة، مع عودة ترامب وزيادة عدم اليقين في أسواق الطاقة، ستحتاج السعودية إلى استراتيجيات أكثر توازناً بين الإنفاق الحكومي والاستدامة المالية لضمان استقرارها الاقتصادي على المدى الطويل.