وفي مقابلات خاصة مع CNN الاقتصادية على هامش اجتماعات البنك الإسلامي للتنمية، قدّم كل من محافظ البنك المركزي ووزير الثروة السمكية في جزر المالديف نظرة معمّقة بشأن الاستراتيجيات الوطنية لمواجهة التحديات الهيكلية، من التغير المناخي، إلى تنويع الاقتصاد، مروراً بتطوير التمويل الإسلامي.
وأوضح أن اقتصاد بلاده لا يزال يعتمد بشكل كبير على السياحة، ولكن الرؤية اليوم تتمثل في تحويل هذا الاعتماد إلى نقطة انطلاق لتوسيع القطاع المالي، لا سيما من خلال أدوات التمويل الإسلامي.
وأضاف منور أن «السياحة يمكن أن تكون مُمكّناً لنا في هذا السياق»، لافتاً إلى أن هناك نية واضحة لأن تصبح المالديف «لاعباً رئيسياً في المنطقة» في هذا السوق المتخصص.
وذكّر منوّر بأن المالديف كانت من أوائل الدول التي أصدرت صكوكاً إسلامية، حين أطلقت صكوكاً بقيمة 500 مليون دولار في عامي 2018 و2019، بالتعاون مع المؤسسة الإسلامية لتنمية القطاع الخاص ومجموعة التنمية الإسلامية، ومع اقتراب موعد استحقاق تلك الصكوك العام المقبل، هناك نية لإعادة الإصدار، ما يدل على استمرارية الالتزام بهذا التوجه.
كما تحدث المحافظ عن تطوير البنية التنظيمية داخل البلاد، مؤكداً أن السوق المحلية تشهد تجهيزاً لإطار تنظيمي متكامل لإصدار الصكوك الإسلامية، في خطة تستمر من ثلاث إلى خمس سنوات.
وأوضح أن البنك المركزي يعمل بشكل وثيق مع البنك الإسلامي للتنمية لاكتساب الخبرات الضرورية من دول رائدة مثل ماليزيا وإندونيسيا، مضيفاً: «هذه الدول تشبهنا في العديد من التحديات والفرص، ونحن نسعى لتكييف تلك التجارب بما يتلاءم مع سياقنا الوطني».
بالإضافة إلى المسارات التقليدية في السياحة والصيد، تتجه جزر المالديف اليوم نحو طموح مالي متقدّم يتمثل في بناء مركز مالي عالمي حديث يعزز من مكانتها الاقتصادية، ففي مقابلة سابقة مع CNN الاقتصادية، كشف نديم حسين، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة Planetary Capital، عن مشروع استثماري بقيمة 8.8 مليار دولار لإنشاء مركز مالي في المالديف يُعدّ الأحدث في العالم من حيث التكنولوجيا والبنية التحتية؛ المشروع الذي يمتد على مدى عقدين، يهدف إلى استقطاب التمويل الإسلامي، والخدمات المالية الخضراء، وتكنولوجيا «الويب 3»، ما يعزز التكامل مع رؤية البنك المركزي في مضاعفة حجم القطاع المالي خلال السنوات القادمة، ويعكس هذا التوجه تلاقي الرؤية الحكومية مع المبادرات الاستثمارية الكبرى نحو اقتصاد أكثر تنوعاً وابتكاراً.
من جانبه، قدّم أحمد شيام، وزير الثروة السمكية وموارد المحيطات، نظرة صريحة حول التحديات البيئية التي تواجه قطاع الصيد في البلاد، وهو ثاني أكبر مسهم في الاقتصاد بعد السياحة.
ولفت إلى أن نحو 17,000 شخص يعملون بشكل مباشر في هذا القطاع، ما يجعله أحد الأعمدة الاجتماعية والاقتصادية للبلاد.
غير أن تغير المناخ، وخاصة ارتفاع حرارة سطح المياه، يهدد هذا النمط التقليدي من الصيد، وأوضح الوزير أن جزر المالديف تعتمد على الصيد السطحي باستخدام أساليب صيد مستدامة، تشمل «العصا والخيط» لصيد سمك سكيبجاك و«الخيط اليدوي» لصيد التونة الصفراء، إلا أن ارتفاع درجات حرارة سطح البحر يؤدي إلى هروب الأسماك إلى الأعماق، ما يجعل صيدها أكثر صعوبة.
واستشهد الوزير بما حدث في العام الماضي، حين شهدت البلاد آثاراً شديدة لظاهرتي إل نينيو والديبول الإيجابي؛ ونتيجة لذلك قال إن كمية الصيد «انخفضت بنسبة 50 في المئة مقارنةً بالسنوات العادية»، ما دفع الوزارة إلى التفكير ببدائل أكثر استدامة.
ولمواجهة هذه التحديات، تعمل الحكومة على إدخال سياسات تهدف إلى خفض استهلاك الطاقة في قطاع الصيد بنسبة 33 في المئة، خصوصاً من خلال اعتماد الطاقة المتجددة في تشغيل قوارب الصيد.
كما شرعت الوزارة في تنفيذ مشروع بالشراكة مع البنك الإسلامي للتنمية وصندوق الحياة وسبل العيش (LLF)، يهدف إلى إدخال نظام تبريد مياه البحر (RSW).
وأوضح شيام أن هذا النظام «يساعد الصيادين على تقليل استهلاك الطاقة، وتوفير الوقت، والأهم من ذلك، الحفاظ على جودة الأسماك»، مشيراً إلى أن المشروع حاز اهتماماً كبيراً من مجتمع الصيادين، لما له من تأثير مباشر وملموس على حياتهم اليومية.
وأكد أن المشروع لم يُصمم من فوق إلى تحت، بل جرى تطويره من خلال حوار مباشر مع المجتمعات الساحلية المعنية، قائلاً: «نحن على تواصل دائم مع مجتمع الصيادين، وقد وجدوا المشروع جذاباً وعملياً».
ما يجمع بين حديث المحافظ والوزير هو إدراك واضح بأن مستقبل المالديف لا يمكن أن يقوم على السياحة فقط، بل يجب أن يشمل قطاعات إنتاجية ومالية جديدة.
واللافت أن أدوات هذا التحول تتضمن توظيفاً ذكياً للأدوات الموجودة (مثل السياحة والصيد)، وربطها بنماذج مالية وتنموية حديثة مثل التمويل الإسلامي والتكنولوجيا الخضراء.
وتلعب الشراكات مع مؤسسات مثل البنك الإسلامي للتنمية دوراً محورياً في هذا التحول؛ فسواء في تطوير الصكوك، أو إدخال أنظمة الطاقة المستدامة، أو تصميم الأطر التنظيمية، فإن هذه المؤسسات تقدم الخبرات والدعم الفني الذي يساعد على ترجمة الرؤية الوطنية إلى برامج عملية قابلة للتنفيذ.