تعد المالديف واحدة من أشهر الوجهات السياحية في العالم، إذ تجذب مئات الآلاف من السياح سنوياً، وخلال عام 2023 بلغت إيرادات الدولة الصغيرة الواقعة في المحيط الهندي من السياحة نحو 5 مليارات دولار، إلا أنها تواجه خطر الإفلاس.. والسؤال الذي يطرح نفسه: أين ذهبت الدولارات التي أنفقها السياح في هذا البلد المشهور بشواطئه البيضاء ومنتجعاته الفاخرة؟

تشير التقارير الأخيرة إلى أن وكالات التصنيف الائتماني، مثل فيتش، قد خفضت تصنيف المالديف إلى درجة «CC»، ما يشير إلى احتمال كبير لعدم قدرتها على سداد ديونها. هذا التحذير يأتي على الرغم من العائدات الضخمة التي تجنيها البلاد من قطاع السياحة.

في ظل هذا الوضع المالي الحرج، يتساءل المراقبون ما إذا كانت المالديف قادرة على تجنب الإفلاس، أو أنها ستضطر إلى اللجوء إلى الدائنين الدوليين للحصول على مساعدة مالية.

أين ذهبت الأموال؟

من المعروف أن قطاع السياحة يمثل أكثر من 60% من دخل المالديف القومي، إذ تعتمد البلاد بشكل كبير على تدفق السياح من مختلف أنحاء العالم.

وفي ظل هذه العائدات الكبيرة، يتساءل الكثيرون عن الأسباب التي دفعت البلاد إلى هذه الأزمة المالية الحادة.

يشير الخبراء إلى أن هناك عوامل متعددة أسهمت في هذا التدهور الاقتصادي، من أبرزها الإنفاق الحكومي الكبير وسوء إدارة الموارد المالية.

وفقاً لتقرير صادر عن وكالة التصنيف الائتماني فيتش، فإن الحكومة المالديفية أفرطت في الاقتراض لتمويل مشاريع بنية تحتية طموحة دون وجود خطة واضحة لسداد هذه الديون، وهذا ما أكده ديليب ساتيامورثي، الخبير الاقتصادي لدى معهد التنمية الآسيوي، الذي أشار إلى أن «المشاريع الكبرى التي تم تنفيذها في المالديف قد تحولت إلى عبء ثقيل على الاقتصاد المحلي بدلاً من أن تكون محركاً للتنمية المستدامة، حيث لم ترافقها إدارة فعالة للموارد المتاحة».

بالإضافة إلى ذلك، يوضح تقرير صندوق النقد الدولي أن ضعف الحوكمة المالية وغياب الرقابة اللازمة على الإنفاق الحكومي أديا إلى تفاقم الأزمة.

ويشير ريتشارد كوزول-رايت، المدير في مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد)، إلى أن «المالديف قامت بتمويل المشاريع الحكومية عبر الاستدانة من الخارج، لكن هذه الديون لم تُستخدم بشكل فعال في تعزيز القدرات الاقتصادية المحلية، ما أدى إلى عجزها عن سدادها».

الإنفاق الحكومي الضخم

يعتبر الإنفاق الحكومي الضخم في المالديف واحداً من أبرز العوامل التي أسهمت في تدهور الوضع الاقتصادي للبلاد؛ خلال العقد الماضي قامت الحكومة بتنفيذ سلسلة من المشاريع الكبرى في البنية التحتية، مثل توسيع المطار الدولي وتطوير منتجعات فاخرة، في محاولة لجذب المزيد من السياح والاستثمارات الأجنبية.

ومع ذلك، كانت هذه المشاريع تعتمد بشكل كبير على الاقتراض الخارجي، ما أدى إلى ارتفاع حاد في نسبة الدين العام.

وفقاً لتقرير صادر عن صندوق النقد الدولي في عام 2023، وصلت نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي في المالديف إلى 130%، ما يعكس عبئاً مالياً كبيراً على الدولة.

ويشير التقرير إلى أن «الحكومة المالديفية قد تجاوزت حدود الإنفاق المعقول في محاولة لتحقيق نمو اقتصادي سريع، ولكن هذا النمو لم يكن مستداماً بسبب سوء إدارة المشاريع وعدم تحقيق العائدات المتوقعة».

بالإضافة إلى ذلك، يشير تقرير صادر عن البنك الدولي إلى أن «مشاريع البنية التحتية التي نفذتها الحكومة كانت تفتقر إلى دراسات جدوى اقتصادية قوية، حيث تم التركيز على الإنفاق السريع دون مراعاة للآثار الطويلة الأمد على الاقتصاد الوطني.» ويضيف التقرير أن العديد من هذه المشاريع لم تحقق الأهداف المرجوة منها، ما أسفر عن إهدار الموارد المالية المتاحة وزيادة الضغوط على الميزانية العامة.

ويوضح ماركوس كولينز، أستاذ الاقتصاد في جامعة أكسفورد، أن «الإنفاق الحكومي في المالديف كان يفوق بكثير قدرة الاقتصاد على تحمل الديون، وقد أدى الاعتماد على القروض الدولية لتمويل مشاريع غير مربحة إلى تراكم الديون بسرعة، ما زاد من هشاشة الاقتصاد المحلي».

مايا باتيل، كبيرة المستشارين الاقتصاديين في البنك الآسيوي للتنمية، تشير إلى أن «المالديف كانت بحاجة إلى اتباع سياسات إنفاق أكثر تحفظاً؛ إن استثمار الموارد المالية في مشاريع تنموية مستدامة بدلاً من الإنفاق الكبير على مشاريع سياحية غير مضمونة العوائد كان يمكن أن يساعد في تجنب هذه الأزمة المالية».

بالإضافة إلى الإنفاق الحكومي المفرط، هناك اتهامات بسوء إدارة الموارد المالية، حيث لم يتم توجيه العائدات السياحية بالشكل الصحيح؛ بدلاً من استثمار هذه الأموال في مشاريع تنموية مستدامة أو سداد الديون تم توجيهها نحو تمويل نفقات حكومية متزايدة، مثل الرواتب العامة والنفقات التشغيلية.

التحديات المالية والدين الخارجي

التحديات المالية والدين الخارجي يشكلان جزءاً كبيراً من الأزمة الاقتصادية التي تعيشها المالديف اليوم؛ فالاعتماد المتزايد على القروض الخارجية لتمويل الإنفاق الحكومي والمشاريع الكبرى أدى إلى ارتفاع هائل في الديون، ما وضع البلاد تحت ضغوط مالية غير مسبوقة.

خلال العقد الماضي، شهدت المالديف زيادة كبيرة في الدين الخارجي، حيث لجأت الحكومة إلى الاقتراض من الأسواق الدولية والبنوك متعددة الأطراف لتمويل مشاريع البنية التحتية وتوسيع قطاع السياحة.

وفقاً لبيانات صندوق النقد الدولي، تضاعف الدين الخارجي للمالديف بين عامي 2015 و2023، ما جعلها واحدة من أكثر الدول اعتماداً على الديون في المنطقة.

انخفضت احتياطيات النقد الأجنبي الإجمالية في جزر المالديف بنحو 20% إلى 395 مليون دولار أميركي في يوليو 2024 من 492 مليون دولار أميركي في مايو 2024، وهو أدنى مستوى لها منذ ديسمبر 2016، وبلغت الاحتياطيات الإجمالية بعد خصم الالتزامات الأجنبية قصيرة الأجل أدنى مستوى لها على الإطلاق عند 44 مليون دولار أميركي فقط، ويعكس هذا الانخفاض استمرار ارتفاع عجز الحساب الجاري، وارتفاع خدمة الدين الخارجي، واستمرار تدخلات سلطة النقد في جزر المالديف لدعم ربط الروفية- عملة مالديف- بالدولار الأميركي.

كما أن لدى الحكومة التزامات بخدمة الدين الخارجي السيادي بقيمة 50 مليون دولار أميركي تستحق في الربع الرابع من عام 2024 و64 مليون دولار أميركي في شكل ديون خارجية مضمونة من قبل الحكومة.

وفي هذا السياق، يشير تقرير صندوق النقد الدولي إلى أن نسبة الدين الخارجي إلى الناتج المحلي الإجمالي للمالديف تجاوزت 100% في عام 2023، ما يعني أن البلاد مدينة بمقدار يعادل قيمة ما تنتجه من سلع وخدمات في عام كامل، هذه النسبة العالية تجعل من الصعب على الحكومة المالديفية سداد ديونها دون اللجوء إلى تدابير تقشفية قاسية أو إعادة هيكلة ديونها.

إضافة إلى ذلك، فإن ارتفاع أسعار الفائدة العالمية، جنباً إلى جنب مع انخفاض التصنيف الائتماني للمالديف إلى «CC» من قبل وكالة فيتش، يزيد من صعوبة الحصول على تمويل جديد؛ هذا التصنيف المنخفض يعكس مخاوف السوق من قدرة المالديف على الوفاء بالتزاماتها المالية، ما يزيد من تكلفة الاقتراض ويقلل من فرص البلاد في إعادة تمويل ديونها الحالية بشروط ميسرة.

ومع تزايد الدين الخارجي، تواجه المالديف تحديات إضافية في جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، إذ إن المستثمرين غالباً ما ينظرون إلى الدول ذات الديون المرتفعة والتصنيفات الائتمانية المنخفضة على أنها مخاطر استثمارية عالية، ما يؤدي إلى تراجع تدفقات الاستثمار الأجنبي ويضع مزيداً من الضغوط على الاقتصاد المحلي.

ويشير جوناثان هاريس، المحلل المالي في مؤسسة «إيكونومست إنتليجنس يونيت»، إلى أن «الاعتماد المفرط على الديون الخارجية قد دفع المالديف إلى نقطة حرجة، ومع انخفاض التصنيف الائتماني تواجه البلاد تحديات هائلة في إعادة تمويل ديونها أو الحصول على قروض جديدة بشروط مناسبة».

وسارة كيتس، خبيرة الاقتصاد في البنك الدولي، تضيف أن «التحديات المالية التي تواجهها المالديف تجعل من الضروري إعادة النظر في سياساتها المالية، فإعادة هيكلة الديون قد تكون حلاً مؤقتاً، ولكن على المدى الطويل يجب التركيز على تحسين إدارة الموارد وتعزيز القطاعات الاقتصادية غير التقليدية».

لقد زادت الديون الخارجية للمالديف بشكل كبير خلال العقد الأخير، ما وضع البلاد تحت ضغط مالي هائل، ومع تراجع الثقة في الاقتصاد المحلي، وانخفاض التصنيف الائتماني إلى «CC» تتضاءل فرص البلاد في الحصول على تمويل إضافي من الأسواق الدولية.

وهذا الوضع يجعل المالديف في موقف صعب، إذ يتوجب عليها البحث عن حلول بديلة لتجنب الإفلاس.

ويبقى السؤال مطروحاً: أين ذهبت دولارات السياح؟