كتبت- صوفيا سيفي وجوليا هرويتس (CNN)
يعيش بائع الخضراوات الباكستاني محمد رضاقات، البالغ من العمر 27 عاماً، حالة من القلق، فهو يحمل هموماً كثيرة بدايةً من جهله بأسعار البصل خلال الأسبوع المقبل، وصولاً إلى كيفية توفير الوقود الذي يحتاج إليه للحفاظ على دفء أسرته في المنزل.
وقال رضاقات لشبكة «سي إن إن» (CNN) «كل ما تخبرنا به الحكومة هو أن الأمور ستزداد سوءاً».
ويعكس قلقه الحالة المزاجية العامة للشعب الباكستاني بأكمله، الذي يسابق الزمن في مواجهة انهيار اقتصادي، ففي ظل أزمة نقص الدولار الأميركي، تمتلك باكستان حالياً ما يكفي من العملات الأجنبية في احتياطياتها لسداد ثلاثة أسابيع فقط من وارداتها.
وتتوالى الأزمات في باكستان، إذ تراكمت الآلاف من حاويات الشحن في الموانئ، وارتفعت تكلفة السلع الأساسية للمعيشة بشكل كبير مثل الغذاء والطاقة، وتصطف طوابير طويلة في محطات الوقود، إذ تتباين وتتأرجح الأسعار في دولة يبلغ عدد سكانها نحو 220 مليون نسمة.
أدى انقطاع التيار الكهربائي على مستوى البلاد خلال الشهر الماضي إلى زيادة قلق المواطنين بعدما أغرق السكان في ظلام دامس، الأمر الذي أدى إلى إغلاق شبكات النقل، وأجبرت المستشفيات على الاعتماد على المولدات الاحتياطية؛ في الوقت الذي لم يحدد فيه المسؤولون سبب انقطاع التيار الكهربائي.
ويتزايد الضغط على حكومة رئيس الوزراء الباكستاني، شهباز شريف؛ من أجل توفير تمويل طارئ يقدر بمليارات الدولارات من صندوق النقد الدولي، الذي قام بدوره بإرسال وفد إلى البلاد هذا الأسبوع لإجراء المزيد من المحادثات.
كما هبطت قيمة العملة الباكستانية الروبية مؤخراً مقابل الدولار الأميركي، لتصل إلى مستويات غير مسبوقة بعدما خففت السلطات من الضوابط المفروضة على العملة، وفاءً بشرط الاقتراض من صندوق النقد الدولي.
وقاومت الحكومة الباكستانية التغييرات المطلوبة من صندوق النقد الدولي، مثل تخفيف دعم الوقود؛ والتي من شأنها التسبب في موجة جديدة من ارتفاع الأسعار على المدى القصير.
وقالت الخبيرة الاقتصادية، الرئيسة السابقة لقسم التحليل في مركز البحوث الاقتصادية في باكستان، مها رحمن «نحن بحاجة لاتفاقية صندوق النقد الدولي، للمضي قدماً وسريعاً حتى نتمكن من إنقاذ البلاد».
أزمة متفاقمة
تشهد باكستان ما يسميه الاقتصاديون «أزمة ميزان المدفوعات»؛ إذ قامت الدولة بإنفاق الكثير على التجارة مقابل إيرادات أقل، ما أدى إلى انخفاض مخزونها من العملات الأجنبية والتأثير سلباً على قيمة الروبية.
وبالتالي، أسهمت تلك الديناميكيات في ارتفاع نسبة الفائدة على الديون من المقرضين الأجانب، كما امتد تأثيرها إلى ارتفاع تكلفة استيراد السلع، ما أدى إلى انخفاض أكبر في حجم الاحتياطي، خاصةً مع تفاقم الأزمة.
ومع الزيادات المتتالية في الأسعار، تواجه باكستان أزمة رفع البنك المركزي لسعر الفائدة الرئيسي إلى 17 في المئة، في محاولة للحد من معدل التضخم السنوي الذي يقارب نحو 28 في المئة.
أرجع طارق عباس، رئيس بحوث الاستثمار في شركة عارف حبيب إحدى أكبر شركات السمسرة في الأوراق المالية، أسباب تفاقم الأزمة إلى وجود بعض القضايا التي تواجهها باكستان، مثل التأثير السلبي لعدم الاستقرار السياسي ومحاولات دعم العملة المحلية على معدلات الاستثمار والصادرات.
كما أدت الفيضانات القياسية، خلال الصيف الماضي، إلى تحمل البلاد أعباء تمويلية ضخمة لإعادة الإعمار، ما شكّل ضغطاً على موازنة الدولة، وقدر البنك الدولي الاحتياجات التمويلية للبلاد لمواجهة تلك الأضرار والخسائر بنحو 16 مليار دولار.
يأتي ذلك في الوقت الذي أسهمت فيه الظروف العالمية سلباً على الأوضاع بباكستان، ما جعل الوضع أسوأ، فقد ألقى التباطؤ الاقتصادي العالمي بثقله من خلال تراجع الطلب على الصادرات الباكستانية، في حين أدى الارتفاع الحاد في قيمة الدولار الأميركي خلال العام الماضي، إلى زيادة الضغط على الدول التي تستورد كميات كبيرة من الغذاء والوقود، وبالتالي ارتفعت أسعار هذه السلع بالفعل بسبب الوباء والحرب الروسية الأوكرانية.
وقد كرر صندوق النقد الدولي تحذيراته، من تأثير تلك العوامل على الاقتصادات الهشة، بينما تشير بعض التوقعات إلى ارتفاع نمو اقتصادات الأسواق الناشئة والبلدان النامية، وإن كان بشكل طفيف هذا العام، خاصةً مع تراجع الدولار عن مستوياته المرتفعة، وانخفاض معدلات التضخم العالمي وانتعاش الطلب في الصين، إلا أن القدرة على إدارة أعباء الديون تشكل مصدراً للقلق.
وأطلق الصندوق توقعاته خلال هذا الأسبوع، ويرى أن نسبة 15 في المئة من البلدان منخفضة الدخل تعاني بالفعل ضائقة المديونية، بينما يتعرض نحو 45 في المئة لمخاطر الوفاء بالتزاماتها، في حين أن نحو 25 في المئة من اقتصادات الأسواق الناشئة عرضة لمخاطر عالية.
ولجأت كل من تونس ومصر وغانا إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي بمليارات الدولارات خلال الأشهر الأخيرة.
كما كتب صندوق النقد الدولي في توقعاته الاقتصادية العالمية هذا الأسبوع «إن هذه الاقتصادات في تراجع مستمر؛ خاصةً مع تفاعل عوامل عديدة، من أهمها ارتفاع مستويات الديون بسبب الوباء، وانخفاض معدلات النمو وارتفاع تكاليف الاقتراض، كما أن أكثر الدول تأثراً تلك التي لديها احتياجات تمويلية كبيرة على المدى القريب بالدولار الأميركي.
سراب الحلول السهلة
ولكي تتجنب باكستان التخلف عن السداد، يجب أن تنجح المحادثات الحالية مع صندوق النقد الدولي لإعادة تفعيل برنامج المساعدات المتعثر، وفقاً للمستثمرين والاقتصاديين.
وصل وفد من صندوق النقد الدولي، يوم الثلاثاء، ومن المقرر أن تستمر المحادثات حتى 9 فبراير شباط الجاري.
وقال الزميل غير المقيم في المجلس الأطلسي، عمار حبيب خان «إن قرض صندوق النقد الدولي يعد أمراً بالغ الأهمية».
من جهته، يقول الرئيس التنفيذي لشركة إيلفنستون (Elphinstone)، الناشئة التي تستهدف المستثمرين الباكستانيين، فاروق ترمزي، «إن استئناف برنامج صندوق النقد الدولي، لن يحل جميع المشكلات؛ لأن القضايا الرئيسية التي تعاني منها باكستان ليست اقتصادية، بل سياسية، فالحكومة الحالية لا ترغب في إجراء تغييرات جذرية».
واشتدت وطأة الأزمة الاقتصادية في باكستان بعد المواجهة السياسية بين شريف وسلفه، عمران خان، العام الماضي، وأطيح بالأخير في تصويت حجب الثقة في أبريل نيسان، بعد أن اتهمه شريف بسوء الإدارة الاقتصادية.
ظل الوضع مضطرباً منذ ذلك الحين، فقد مرت باكستان بثلاثة وزراء مالية في أقل من عام، كان الاثنان الأخيران جزءاً من الحكومة الحالية، ما أثار تساؤلات حول ما إذا كان شريف قادراً على التمسك بالسلطة، ومن المتوقع أن تجري البلاد انتخابات عامة هذا الصيف.
تأتي تلك الاضطرابات في الوقت الذي تواجه فيه باكستان موجة جديدة من هجمات المتشددين، ففي وقت سابق من هذا الأسبوع، واجهت البلاد واحدة من أكثر الهجمات دموية منذ سنوات؛ إذ استهدف تفجير انتحاري مسجداً في مدينة بيشاور، ما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 100 شخص.
ومع كل تلك الأزمات، تزداد معاناة المواطنين، هناك العديد من المزارعين يحتاجون إلى المساعدة بعدما فقدوا محاصيل القطن والتمر والسكر والأرز بسبب الفيضانات، وتوقع البنك الدولي في أكتوبر تشرين الأول الماضي، أن هناك نحو 9 ملايين باكستاني يمكن أن يُدفعوا إلى براثن الفقر في حال لم تبذل جهود الإغاثة الحاسمة لمساعدة الفقراء.
ويزيد التضخم المرتفع من آلام الأسر التي تكافح لتغطية نفقاتها. إذ أفادت بيانات صادرة هذا الأسبوع بارتفاع أسعار المواد الغذائية في يناير كانون الثاني بنسبة 43 في المئة على أساس سنوي.
وفي الآونة الأخيرة، فقد رجل في إقليم السند جنوبي البلاد حياته في تدافع للحصول على دقيق مدعوم من السلطات المحلية، وسُحق حتى الموت من قبل الحشود التي تتدافع للغرض ذاته، ما أثار حفيظة الرأي العام.