أظهرت بيانات البنك المركزي أن ديون مصر الخارجية وصلت إلى 154.98 مليار دولار في نهاية الربع الثالث من عام 2022، مرتفعة بنحو 13 في المئة مقارنة بالفترة نفسها من عام 2021، ورغم أن الرقم المسجل أقل بـ720 مليون دولار، أي نحو نصف في المئة، عن الربع الثاني، فإنه يظل ضخماً بالمعايير التاريخية.
يثير توسع الحكومة في الاقتراض، بشقيه الداخلي والخارجي، مخاوف كبيرة في أوساط الخبراء والرأي العام، ورغم أن الدين الخارجي لمصر لم يتجاوز في نهاية الربع الثالث من العام الماضي نسبة 33 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وهي نسبة تظل بعيدة عن نطاق الخطر، فإن الجدل الدائر بشأنه لا يكاد يتوقف.
مع الإشارة إلى أن العام المالي في مصر يبدأ في الأول من يوليو تموز وينتهي في يونيو حزيران من العام الذي يليه، وبالتالي يمكن اعتبار أن الأرقام الواردة أعلاه تعود للربع الأول من العام المالي بالنسبة لمصر.
بند خدمة الدين.. 54 في المئة من إجمالي الإنفاق
خصصت وزارة المالية المصرية 54 في المئة من إجمالي الإنفاق في موازنة السنة المالية الحالية 2022-2023 لخدمة الدين، كما أن مصر تتصدر قائمة الدول العربية الأكثر استدانة، وتحتل المركز الثاني بعد الأرجنتين كثاني أكبر مقترض من صندوق النقد الدولي الذي تشكل تمويلاته 15 في المئة من ديون مصر، بينما يتوزع الباقي بشكل رئيسي بين ودائع خليجية وأذون خزانة دولية.
أوجه إنفاق الأموال المقترضة تثير تحفظ عمرو عدلي، أستاذ الاقتصاد بكلية العلوم السياسية في الجامعة الأميركية بالقاهرة، الذي شرح لـ«CNN الاقتصادية» أن «وضع الدين الحالي لا ينم عن اقتصاد صحي» على اعتبار أن «زيادة الدين الخارجي في السنوات الماضية كان موجهاً في الأساس لإعادة بناء الاحتياطيات الأجنبية التي كانت تستخدم في سد عجز الميزان الجاري وفاتورة واردات مصر الضخمة، كما كان يستخدم لسد التزامات الدين، بينما استمر نصيب الاستثمار في الانخفاض».
ويرى أن بلوغ الدين هذا المستوى سيتسبب في «اختلالات مالية ضخمة في موازنة الدولة، أهمها ميزان المدفوعات».
وقف المشاريع التي لم يبدأ تنفيذها
شهدت سنوات حكم الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إنفاقاً مكثفاً على البنية التحتية ومشاريع ضخمة مثل العاصمة الإدارية الجديدة التي تشيّدها الدولة في الشرق من القاهرة، في حين كان لتداعيات جائحة كورونا التي عصفت بالقطاع السياحي -أحد مصادر العملة الصعبة الرئيسية لمصر- تأثير كبير أيضاً على زيادة أعباء الديون.
ارتفاع الدين وخدمته دفعا الحكومة المصرية في بداية يناير كانون الثاني الماضي إلى تبني قرار وقف جميع المشروعات التي لم يتم البدء في إنشائها، كما دفع مصر بعدها بنحو شهر إلى إعلان خطة لطرح 32 شركة عامة أمام الاستثمار.
وجاء قرار الطروحات لسد فجوة تمويلية تبلغ نحو 18 مليار جنيه، بحسب بيانات قرض صندوق النقد الدولي.
تنفيذ برنامج الطروحات
أستاذ التمويل في جامعة القاهرة هشام إبراهيم قال من جهته في حديث هاتفي لـ«CNN الاقتصادية» إن «احتفاظ الدولة بالملكية ليس أمراً مفيداً، لو أن الدولة نشّطت حركة الطروحات للأصول في الأعوام الماضية، لما وجدنا أنفسنا في هذا الموقف اليوم، لكن لا بأس، فهذه الطروحات ستؤدي إلى تحسين مناخ الاستثمار ودخول أموال جديدة إلى سوق المال، كما ستساهم في إنعاش الموازنة العامة للدولة التي تحتاج إلى الكثير من الأموال في الوقت الحالي».
ويضيف «الحل هو تحويل نوع التمويلات التي تأتي إلى مصر، وبدلاً من الاعتماد على تمويلات تدخل في بند الدين، تتحول إلى استثمارات، بلفظ آخر يجب الإسراع في الخصخصة».
لكن الخصخصة لم تكن في أي وقت خياراً يحظى بالقبول الشعبي في مصر، وثارت حديثاً ضجة كبيرة عندما وافق مجلس النواب على مشروع قانون رأى فيه البعض مدخلاً إلى بيع أصول قناة السويس، وهو ما نفاه رئيس هيئة القناة لاحقاً، بل والرئيس المصري نفسه.
وبحسب وثائق قرض صندوق النقد الدولي الأخير لمصر، ستبيع الدولة أصولاً بقيمة 2.5 مليار دولار من حصص في شركات مملوكة لها بحلول يونيو حزيران 2023، ويتوقع الصندوق أن تبيع مصر ما قيمته 4.6 مليار دولار خلال العام المالي المقبل.
وكان رئيس لجنة الموازنة في مجلس النواب المصري فخري الفقي، أكد لـ«CNN الاقتصادية» في وقت سابق، أنه «بالإضافة إلى دفعات القروض التي ستتدفق على مصر خلال 2023، وحصيلة بيع بعض الأصول، يجب ألا ننسى أن إنتاج مصر من الغاز يرتفع، ومن المنتظر أيضاً أن ترتفع إيرادات قناة السويس، كل هذه التدفقات ستساعد مصر على سداد التزاماتها الدولية».