يواجه النظام المالي العالمي اختبارات عسيرة نتيجة تسارع التضخم وتزايد أسعار الفائدة في الوقت الذي لا يزال فيه التضخم مرتفعاً بشدة عن المعدلات التي تستهدفها البنوك المركزية في العديد من البلدان، بحسب تقرير صندوق النقد الدولي الصادر يوم الثلاثاء.
ويرى التقرير أن السؤال الأساسي الآن هو ما إذا كانت الأحداث الأخيرة تنذر بالمزيد من الضغوط التي ستختبر صلابة النظام المالي العالمي، أم أنها مجرد انعكاس فردي للتحديات الناجمة عن تشديد الأوضاع النقدية والمالية بعد أكثر من عشرة أعوام من وفرة السيولة.
وقال البنك في تقرير الاستقرار المالي لشهر أبريل نيسان 2023، «تؤدي الضغوط الناشئة في الأسواق المالية إلى تعقيد مهمة البنوك المركزية، في الوقت الذي تأكد فيه أن الضغوط التضخمية أطول أجلاً مما كان متوقعاً».
وسجلت أسعار الفائدة في الاقتصادات المتقدمة ارتفاعاً حاداً على مدار العام الماضي وبداية العام الجاري، إذ أكدت البنوك المركزية على ضرورة مواصلة تشديد السياسة النقدية لفترة أطول لمكافحة تسارع معدلات التضخم.
وتوقع صندوق النقد الدولي يوم الاثنين، أن الدول النامية ستتجه لخفض أسعار الفائدة تدريجياً، مع اتجاه البنوك الكُبرى إلى تيسير السياسة النقدية، وإعادة أسعار الفائدة مجدداً نحو مستويات ما قبل الجائحة فور السيطرة على التضخم.
التضخم والاستقرار المالي
أشار الصندوق إلى أنه في حالة تفاقم الضغوط المهددة لسلامة النظام المالي في ظل ارتفاع التضخم، قد تنشأ مفاضلات بين أهداف التضخم والاستقرار المالي، لذا من الضروري أن تفصح البنوك المركزية بوضوح عن أهدافها وأغراض سياستها النقدية لتجنب إثارة حالة من عدم اليقين دون داع.
وقال التقرير «ينبغي توفير الأدوات الهادفة إلى معالجة المخاطر المهددة للاستقرار المالي لمساعدة البنوك المركزية في الفصل بين أهداف السياسة النقدية وأهداف الاستقرار المالي».
وأضاف «إذا ما رأى صناع السياسات ضرورة في تصحيح موقف السياسة النقدية لدعم الاستقرار المالي، عليهم الإفصاح بوضوح عن عزمهم المستمر على خفض التضخم إلى مستواه المستهدف بمجرد انحسار الضغوط المالية».
كما يرى الصندوق أنه قد يكون من الملائم تدخل البنوك المركزية في سوق الصرف الأجنبي في حالة افتقارها إلى السيولة، ما دامت الاحتياطيات كافية، والتدخل لن يسفر عن تقويض مصداقية السياسات الاقتصادية الكلية أو يستعاض به عن التصحيحات اللازمة.
وتوقع الصندوق في تقرير توقعات الاقتصاد العالمي انخفاض التضخم العالمي إلى سبعة في المئة خلال العام الجاري بأكمله من 8.7 في المئة في 2022، بعد انخفاض أسعار السلع الأساسية.
كما رجح تراجع أسعار النفط إلى 24 في المئة في العام الجاري و5.8 في المئة في 2024، على أن تظل أسعار السلع الأساسية دون تغيير.
تداعيات التشديد النقدي في ظل الأزمة المصرفية
أوضح «صندوق النقد الدولي» أن السقوط المفاجئ لبنكي «سيليكون فالي» و«سيغنتشر» في الولايات المتحدة، وفقدان الثقة في بنك «كريدي سويس» (أحد أكبر البنوك في أوروبا)، كانا بمثابة تذكرة قوية بالتحديات الناجمة عن تشديد الأوضاع النقدية والمالية.
وأدت مخاوف المستثمرين في الولايات المتحدة من الخسائر المرتبطة بتغييرات أسعار الفائدة إلى بيع أسهم البنوك، بينما وقع التأثير الأكبر على البنوك الأوروبية التي تتداول أسهمها بخصومات كبيرة عن قيمتها الدفترية، في حين تجنبت بنوك الأسواق الناشئة حتى الآن وقوع أي خسائر فادحة في محافظ أوراقها المالية.
وحسب تقديرات خبراء «صندوق النقد الدولي»، فإن تأثير الخسائر غير المحققة في المحافظ المالية، سيكون محدوداً على الأرجح بين بنوك أوروبا واليابان والأسواق الناشئة، وحاداً في بعض البنوك الأخرى.
وتنطبق هذه المخاوف على البنوك الإقليمية الأميركية تحديداً، بسبب انخفاض أسعار أسهمها الأخير الذي قد يهبط بقدرتها الإقراضية بنحو نقطة مئوية العام القادم، بافتراض استقرار جميع العوامل الأخرى.
وبخلاف المؤسسات المالية، أدى الارتفاع الحاد في أسعار الفائدة على قروض العقارات السكنية إلى تقليص الطلب العالمي على المساكن، رغم تراجع متوسط أسعار المساكن في 60 في المئة من الأسواق الصاعدة في النصف الثاني من عام 2022.
وفي الصين، يستمر تباطؤ سوق الإسكان متجاهلاً إعادة فتح الاقتصاد، وبينما تحسنت الأوضاع التمويلية لبعض شركات التطوير العقاري، لا يزال مشترو المساكن يتجنبون الشراء من المطورين العقاريين الأضعف أداء في القطاع الخاص.
ولكن بعد نوبات الضغوط الأخيرة، يتوقع الصندوق أن تبدأ البنوك المركزية العالمية في تيسير السياسة النقدية في وقت مبكر للغاية عما كان متوقعاً في السابق، على الرغم من أن التضخم لا يزال مرتفعاً بشدة عن مستواه المستهدف.