خلف الاضطرابات المرتبطة بقانون المعاشات التقاعدية في فرنسا، أظهر ثاني أكبر اقتصاد في أوروبا مرونة مذهلة منذ جائحة كورونا، وأصبح وجهة جذابة بشكلٍ متزايد للشركات والمستثمرين الذين يتطلعون إلى التوسع في المنطقة.
ونما الاقتصاد الفرنسي بنسبة 0.2 نقطة مئوية في الربع الأول من العام الجاري، حسب ما أفادت وكالة الإحصاء الوطنية الفرنسية يوم الجمعة، بعد ركود في الربع السابق.
وجاء هذا النمو رغم ملايين الاحتجاجات والاضرابات التي أدّت إلى غلق وتعطيل الأعمال في أجزاء من البلاد، إذ تطالب النقابات الحكومة بإلغاء القانون الذي سيرفع سن التقاعد من 62 إلى 64 عاماً.
وكتبت شارلوت دي مونبلييه كبيرة الاقتصاديين لدى «آي إن جي» في مذكرة في مارس آذار، «التجارب السابقة للتوترات الاجتماعية في فرنسا تظهر أن تأثيرها الاقتصادي مؤقت بشكل عام وعادة يُعوّض بالكامل من انتعاش النشاط في الأشهر التالية».
مرونة ومزايا استثنائية
كانت الاحتجاجات الجماهيرية هذا العام هي الأحدث في سلسلة متوالية من الأزمات التي ضربت فرنسا منذ عام 2020، لكن اقتصادها البالغ 2.8 تريليون دولار صمد جيداً، وأظهر مرونة نسبية.
ويتوقع صندوق النقد الدولي نمو الاقتصاد الفرنسي بنسبة 0.7 نقطة مئوية في عام 2023، رغم توقعاته بانكماش اقتصادات ألمانيا والمملكة المتحدة.
وقال النقد الدولي في تقرير في فبراير شباط، «شهدت فرنسا انتعاشاً اقتصادياً قوياً من جائحة كوفيد، وساعد اعتمادها المحدود على الغاز الطبيعي الروسي في إبقاء التضخم دون مستويات بقية الدول الأوروبية الأكثر اعتماداً على موسكو في إمدادات الطاقة».
استفادت فرنسا أيضاً من مزاياها التقليدية، إذ إن لديها أعلى معدلات إنتاجية العمالة بين الدول الصناعية، وتعتبر واجهة سياحية مزدهرة.
كما أنها موطن لبعض أكبر الشركات في العالم، بما في ذلك «لوريال»، و«توتال إنرجيز»، و«إل في إم إتش»، إذ أصبحت الأخيرة يوم الاثنين أول شركة أوروبية تبلغ قيمتها 500 مليار دولار.
مصائب قوم عند قوم فوائد
استفاد القطاع المالي في فرنسا بسبب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، على حساب المملكة المتحدة، وفي عام 2021 سجّلت فرنسا أكبر عدد مشاريع جديدة في القطاع المالي خلال عقد من الزمن، وفقاً لبحث من شركة «إي واي» الاستشارية.
كما نقلت بعض أكبر البنوك في العالم عملاءها من لندن إلى باريس، وزادت من عمليات التوظيف في فرنسا، حتى تمكنت من الاستمرار في تقديم الخدمات للعملاء المقيمين في الاتحاد الأوروبي، والتي لم يعد يمكن توفيرها من بريطانيا.
وفي نوفمبر تشرين الثاني، تفوقت فرنسا على بريطانيا للمرة الأولى لتصبح موطناً لأكبر سوق للأوراق المالية في أوروبا من حيث القيمة.
وبلغت القيمة السوقية الإجمالية لمؤشر «كاك» الفرنسي 3.19 تريليون يورو (3.51 تريليون دولار) بدءاً من يوم الجمعة، لتتجاوز قيمة مؤشر «فوتسي» البريطاني البالغة 2.39 تريليون جنيه إسترليني (2.98 تريليون دولار).
الديون تظهر كعائق أمام الاقتصاد
قال ينس لارسن مدير قسم الجغرافيا الاقتصادية لدى مجموعة «أوراسيا» لشبكة «CNN»، «رغم مرونة اقتصاد فرنسا، إذا أرادت الحكومة أن تعزز استثماراتها، فإنها تحتاج إلى كبح جماح مستويات الإنفاق العام المرتفعة للغاية».
وتصنف الديون الحكومية الفرنسية -كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي- من بين أعلى المعدلات في الاتحاد الأوروبي، إذ بلغت 112 في المئة في نهاية 2022.
وتمتلك البلاد أيضاً ثاني أعلى عبء ضريبي بعد الدنمارك من بين 38 دولة تشكل منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، معظمها من الدول المتقدمة.
وأضاف لارسن أن التغييرات المثيرة للجدل في قانون المعاشات التقاعدية «حاسمة» لإثبات أن فرنسا قابلة للإصلاح، موضحاً أن الإجراءات المخطط لها ستساعد على تعزيز المعروض من العمالة، وتضع المالية العامة على مسار مستدام.
(آنا كوبان – CNN).