تلقي التوترات السياسية بين الصين والغرب بظلالها على الشركات الأجنبية العاملة في الصين، حيث نشطت أخيراً شركات مثل «أبل» و«سامسونغ» و«أديداس» في نقل مقراتها ومصانعها من الصين إلى أسواق مجاورة كتايوان وسنغافورة واليابان وفيتنام والهند.

وزادت حملات المداهمة الأمنية لمقرات الشركات الأجنبية لأهداف تتعلق بأمن البيانات مطلع مايو أيار من فجوة الثقة بين الغرب والصين، وشملت هذه المداهمات شركتي «كيب فيجن» و«باين أند كو» للاستشارات، و«أستيلاس فارما» للأدوية وشركة «مينتز» لأعمال الفحص الفني للشركات.

ووفقاً لوكالة «رويترز»، أعلنت «مايكرون تكنولوجي» تكثيف استثماراتها في اليابان بقيمة أربعة مليارات دولار، بعد عدة أيام من تعرض واردات الشركة من الرقائق للتدقيق من قبل السلطات الصينية.

تتزامن هذه الخطوات مع قرب دخول تعديلات قانون مكافحة التجسس الذي سنته الصين أواخر الشهر الماضي حيز التنفيذ ابتداء من يوليو تموز المقبل.

ويرى روبرت موجينلكي، كبير الباحثين لدى معهد دول الخليج العربية في واشنطن، أن التوجه الصيني باتجاه حماية أمن بياناتها إنما يهدف إلى جعل اقتصاد الصين تنافسياً.

وقال «النظام القانوني والتشريعي لحماية المعلومات الشخصية وقوانين حماية البيانات في تطور مطرد، وجلّ ما يريده المسؤولون هو جعل اقتصاد الصين تنافسياً من خلال التركيز على البيانات والتكنولوجيا، ويخلق هذا الأمر أخطاراً سياسية للشركات العاملة في الصين».

وتابع «تدرك الشركات الأجنبية والمستثمرون الحاجة إلى تتبع إشارات الحكومة للسياسات الجديدة والقوانين والنظم قيد الإجراء في الصين، وليس بإمكان أي أحد أن يتعامل مع مفاجآت طارئة تعطل مسار الأعمال أو تزيد من المخاطر المتوقعة».

أزمة ثقة متبادلة

وربطت دانية قليلات الخطيب، رئيسة مركز التعاون وبناء السلام للدراسات، بين السباق الصيني الأمريكي المحتدم على التكنولوجيا والإجراءات الصينية، وقالت في حديث لــCNN-الاقتصادية «تشكل البيانات وتقنيات البيانات الضخمة المفتاح الرئيسي في السباق الصيني الأميركي على التكنولوجيا، ومن يتحكم بها سوف يتحكم في موارد التنمية وتكون له اليد العليا».

وأضافت «يسود اعتقاد غربي-أميركي أن الصين تستعمل الشركات التجارية لأغراض استراتيجية بعيدة المدى، وأن المشاريع التي تطرحها الصين هي أداة للسيطرة، وقد تحدث أكثر من مسؤول أميركي عن أن الصين تُغرق الدول النامية في الديون حتى تسيطر على مواردها».

وبحسب قليلات الخطيب، انتقل الاحتدام بين الغرب والصين اليوم من الساحة الاقتصادية إلى السباق على أمن المعلومات. وتابعت «مدى وكيفية التزام الصين بسياسة الخصوصية واستعمالها للبيانات المجمعة التي تحصل عليها من خلال الشركات الصينية كان دوماً موضع شك عند الغرب من إمكانية استخدام الصين لهذه البيانات لأغراض سياسية، ما يشكل خطراً على الأمن، ويعزز تقدّم الصين بالذكاء الاصطناعي من هذه المخاوف».

وشددت على أن انعدام الثقة بين الغرب والصين، وتحديداً بين الصين والولايات المتحدة حول أمن البيانات، قد خلق جواً من عدم الثقة المتبادل.

وأضافت «كلما تطورت الصين وتفوقت تكنولوجياً، زاد انعدام ثقتها بأميركا وحرصها على حماية إنجازاتها من أية محاولة تجسس أو غيرها، ومن شأن هذه الخطوات التضييق على شركات الاستشارات وزيادة انعدام ثقة أميركا والغرب بالصين».

حوكمة أم تحكّم بالبيانات؟

تسعى الصين إلى دور قيادي في الثورة الصناعية المقبلة، والتي ستشمل البيانات كبنية تحتية محورية لاستراتيجيات المدن الذكية التي تطمح بكين بلوغها في عام 2035، بحسب دراسة أجراها مركز الإمارات للسياسات في مارس آذار 2023.

ولفتت الدراسة إلى أن رؤية الصين الرقمية تمثل تحدياً مركزياً للولايات المتحدة، ففي الوقت الذي تحاول فيه واشنطن احتواء صعود الصين، تستخدم بكين استراتيجيتها الرقمية من أجل وضع معايير دولية تتحدى بها هيمنة الغرب.

فالصين تنظر إلى البيانات كسلعة أو أصول ذات قيمة اقتصادية وقابلة للتداول، ويتجسد ذلك في إعلان الصين مطلع هذا العام نيتها إنشاء سوق لتبادل البيانات تتيح للأفراد والشركات الولوج إلى قائمة البيانات المتاحة وتحليلها واستخدامها لمشاريعهم التنموية.

مخاطر محدودة على الاستثمار

أعلنت الصين عام 2023 عاماً للاستثمار، وسجلت بكين مطلع العام زيادة في حجم الاستثمار الأجنبي المباشر بلغت نسبتها 14.5 في المئة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، وفق موقع وزارة التجارة الصينية، بعد تراجع جراء سياسة الإغلاق الصارمة لمكافحة انتشار جائحة كورونا.

وأثارت هذه السياسة حفيظة الغرب حول قدرة الصين «مصنع العالم» على التحكم بسلاسل التوريد.

فهل من الممكن أن تحد سياسة حوكمة البيانات من كفاءة الصين في اجتذاب رؤوس الأموال أو تؤدي إلى تخارج البعض منها إلى الأسواق المجاورة؟

يجيب موجينلكي عن السؤال بالنفي، مستبعداً أن تسفر حوكمة المعلومات عن نزوح ضخم للاستثمار الأجنبي، الذي لا خيار له سوى التكيف مع إجراءات تجري أساساً على الصعيد العالمي ككل.

وقال «ستظل الشركات تتعامل بحذر مع الصين وتتابع تطورات قوانين حماية البيانات عن كثب».