أعاد إعلان تمرد قوات «فاغنر» -التي أوجدها يفغيني بريغوجين منذ عام 2014- ضد القوات العسكرية الروسية للأذهان روايات الأدب الشهيرة والتاريخ التي تحكي عن انقلاب الصديق على صديقه القائد.

الأمر يتشابه حالياً مع بريغوجين، ذلك الاسم الذي سطع إبان الغزو الروسي على أوكرانيا، إذ كان الحليف الشهير للرئيس الروسي بوتين حتى إعلان قوات «فاغنر» التمرد.

واتهم بريغوجين القوات الروسية بقصف معسكرات لمجموعته وقتل عدد كبير من قواته.

من جهته، كان التعليق الأول للرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن «أولئك الذين يسلكون طريق الخيانة أو يستعدون للثورة المسلحة سيعاقبون، أي اضطراب داخلي يمثل تهديداً لدولتنا؛ إنه ضربة لروسيا ولشعبنا، مثل هذا التهديد سيواجه رداً قاسياً».

المشكلة لا يتوقف أثرها فقط على الشق السياسي واللوجيستي على أرض الواقع، بل يمتد أثره جلياً على الاقتصاد الروسي خاصة في ظل العقوبات التي نالت منه، ومن ثم الاقتصاد العالمي.

ولم يكد العالم يفيق من الآثار الاقتصادية السلبية من جراء الغزو الروسي لأوكرانيا حتى أصيب بصدمة من هذا التمرد وسط مخاوف من انشقاق الجبهة الروسية الداخلية.

تحذيرات من أوضاع الطاقة والغذاء

المخاوف من التبعات الاقتصادية التي قد يشهدها العالم من جراء ما يحدث في روسيا حذرت منه وزارة الخارجية القطرية، في بيان يوم السبت، قائلة إن تفاقم الأوضاع في روسيا وأوكرانيا سيكون له تبعات سلبية على الأمن والسلم الدوليين، وعلى إمدادات الغذاء والطاقة، التي تأثرت أساساً بالأزمة الروسية الأوكرانية.

وكانت الدول الغربية فرضت مجموعة من العقوبات على صادرات روسيا -وهي ثاني أكبر مصدر للخام في العالم- من الطاقة منذ قرار بوتين، باقتحام أوكرانيا في فبراير شباط من العام الماضي.

تضمنت العقوبات، حظر واردات النفط الخام الروسية المنقولة بحراً إلى الاتحاد الأوروبي وفرض حظر على المنتجات النفطية المكررة.

المكانة الاقتصادية لروسيا

لكن ماذا يمكن أن يحدث للاقتصاد الروسي في حالة تفاقم هذا الانقسام؟ علماً أنها بالفعل تتعرض لعقوبات اقتصادية من دول الغرب منذ بدء الحرب مع أوكرانيا، ما أدى إلى عزلها عن الاقتصاد العالمي بشكل كبير.

كادت روسيا تستعيد أمجاد اقتصادها في الماضي، فللمرة الأولى منذ 2014، التحقت بركب أكبر عشرة اقتصادات في العالم، وفقاً لوكالة الأنباء الروسية «تاس»، استناداً إلى بيانات البنك الدولي والخدمات الإحصائية الوطنية.

في يناير كانون الثاني الماضي، توقع خبراء البنك الدولي أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي الروسي بنسبة 1.6 في المئة في 2024.

وكان الناتج المحلي الإجمالي الروسي انخفض بنسبة 2.1 في المئة اعتباراً من نهاية 2022، وكانت آخر مرة لروسيا في المراكز العشرة الأولى بين اقتصادات العالم في 2014، إذ جاءت في المرتبة التاسعة بإجمالي ناتج محلي قدره 2.05 تريليون دولار.

العلاقات الروسية الصينية

أصبحت روسيا الشريك التجاري الأسرع نمواً للصين في العالم، وأظهرت بيانات الإدارة العامة للجمارك الصينية أن حجم التبادل التجاري بين الصين وروسيا حقق قفزة بنسبة 40 في المئة ليصل إلى 93.8 مليار دولار في الفترة بين يناير كانون الثاني ومايو أيار من العام الجاري، مقارنةً بالفترة نفسها من العام الماضي.

وأوضحت البيانات ارتفاع حجم صادرات الصين إلى روسيا بنحو 75.6 في المئة إلى 42.96 مليار دولار مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.

وفقاً لشبكة «CNN»، توقع رئيس الوزراء الروسي ميخائيل ميشوستين الشهر الماضي أن يتجاوز حجم التجارة المتبادلة بين روسيا والصين مئتي مليار دولار خلال العام الجاري.

إنتاج النفط

تتربع موسكو على عرش احتياطيات الغاز الطبيعي والنفط عالمياً، وتحتل مرتبة متقدمة بين دول العالم في تلك الاحتياطيات.

وتحتل روسيا المركز الثاني من حيث إنتاج الغاز، بينما تُعد ثالث أكبر منتج للنفط بعد الولايات المتحدة والسعودية.

وانتعشت صادرات النفط الروسية في مارس آذار الماضي، إلى مستويات ما قبل غزو أوكرانيا، على الرغم من العقوبات الغربية، وقالت وكالة الطاقة الدولية إن صادرات موسكو من النفط الخام والمنتجات النفطية ارتفعت إلى أعلى مستوى لها منذ أبريل نيسان 2020، إذ قفزت بنحو 600 ألف برميل يومياً.

ووفقاً لوكالة الطاقة الدولية، فإن روسيا تعتمد على قطاع النفط والغاز في تمويل نحو 45 في المئة من ميزانيتها.

وقررت روسيا تمديد خفضها الطوعي لإنتاج النفط بمقدار بمقدار 500 ألف برميل يومياً، بالتماشي مع قرار تحالف «أوبك+» بخفض الإنتاج طواعية حتى نهاية عام 2024، على أن يبلغ مستوى الإنتاج للعام المقبل 40.46 مليون برميل يومياً.

وفي عام 2021، قبل الغزو الروسي لأوكرانيا بلغ إنتاج النفط في روسيا 10.944 مليون برميل يومياً، مقابل 10.66 مليون برميل يومياً خلال عامي 2020، وفقاً لشركة بي بي -التي ترصد إنتاج النفط الخام والمكثفات والسوائل الغازية- لتكون ثالث أكبر منتج للخام عالمياً.

الطاقة النووية

تحتكر شركة «روساتوم» الحكومية الروسية قطاع الطاقة النووية عالمياً، إذ تصدر اليورانيوم وتخصبه وتبني محطات الطاقة النووية في جميع أنحاء العالم، كما تمكنت من السيطرة على أكبر محطة نووية في أوروبا في منطقة «زابوريزهزهيا» بأوكرانيا، منذ أن استولت عليها القوات الروسية قبل عام.

ورغم نداءات كييف المتكررة لفرض عقوبات على «روساتوم»، فإن الشركة الروسية لم تطلها العقوبات الغربية.

و«روساتوم» هي مصدر رئيسي للوقود النووي؛ ففي عام 2021 اعتمدت الولايات المتحدة على المحتكر النووي الروسي لتوفير 14 في المئة من اليورانيوم اللازم لتشغيل مفاعلاتها النووية، بينما اشترت المرافق الأوروبية ما يقرب من خُمس ما يلزمها من الوقود النووي من «روساتوم».

ومن ناحية أخرى، فالأمر لا يتوقف عند حد التزويد بالوقود النووي، فشركة «روساتوم» تقدم أيضاً خدمات تخصيب اليورانيوم، إذ زودت الولايات المتحدة بنحو 28 في المئة من خدمات التخصيب التي طلبتها في عام 2021.

وقامت أيضاً ببناء العديد من المحطات النووية حول العالم، وفي بعض الأحيان مولت بناءها، ففي نهاية عام 2021 كان نحو واحدة من كل خمس محطات طاقة نووية في العالم تقع في روسيا أو روسية الصنع، وتبني «روساتوم» 15 محطة أخرى خارج روسيا، وفقاً لمركز جامعة كولومبيا لسياسة الطاقة العالمية.

مقاتل من مجموعة فاغنر الخاصة يظهر فوق دبابة بالقرب من مقر المنطقة العسكرية الجنوبية في مدينة روستوف أون دون، روسيا (رويترز)

إمدادت الغذاء والحبوب

تخطط روسيا وفقاً لما أعلنته في وقت سابق لحصد نحو 130 مليون طن من الحبوب سنوياً في المتوسط، وتصدير ما يصل إلى 55 مليون طن.

وتصدر روسيا في الوقت الحالي نحو 80 بالمئة من حبوبها إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وتشكل تركيا ومصر وإيران والسعودية والجزائر أكبر خمسة مشترين، بحسب رئيس اتحاد مصدري الحبوب الروسي إدوارد زيرنين.

الأمر لا يتوقف عند حد الطاقة والغذاء فقط فروسيا تمتلك العديد من الصناعات التي لها ثقل عالمي مثل صناعة الحديد والصلب والصناعات العسكرية وغيرها من القطاعات.

وفي ظل غموض نتائج ما يحدث الآن في روسيا فإن هذا القلق من المتوقع أن يظهر آثاره على الأسواق العالمية التي تفتح أبوابها يوم الاثنين.