عادت العلاقات الدبلوماسية بين مصر وتركيا إلى طبيعتها لأول مرة بعد نحو عشر سنوات من القطيعة إثر خلافات سياسية، في خطوة قد تمهّد لتوافقات اقتصادية أكبر في المنطقة.

ففي عام 2013 قطع البلدان علاقتهما الدبلوماسية بعد اتهامات متبادلة حول دعم أنقرة لأعضاء في جماعة الإخوان المسلمين المحظورة في مصر.

لكن مصر وتركيا عادتا للتقارب مرة أخرى عام 2021، وتكلل هذا التقارب بزيارة وزير الخارجية المصري، سامح شكري، لأنقرة في فبراير شباط الماضي، لإظهار تضامن القاهرة مع أنقرة في أزمة الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا في ذلك الوقت.

وسبقت هذه الخطوة مصافحة بين الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، ونظيره التركي رجب طيب أردوغان، خلال فعاليات افتتاح كأس العالم في قطر العام الماضي، والتي تُعد الأولى من نوعها منذ القطيعة.

وأخيراً، أعلن البلدان عودة العلاقات الدبلوماسية بينهما وتبادل السفراء مطلع الأسبوع الجاري.

علاقات تجارية متينة

وعلى الرغم من التقلبات السياسية بين البلدين خلال العشر سنوات الماضية، فقد حافظا على مستوى متوازن من العلاقات التجارية المتبادلة، إذ استمر التبادل التجاري بين مصر وتركيا قرب مستواه الطبيعي رغم القطيعة السياسية.

وتُظهر بيانات معهد الإحصاء التركي أن صادرات أنقرة إلى القاهرة خلال العشر سنوات الماضية حافظت على مستواها قرب ثلاثة مليارات دولار، فيما تأرجحت الصادرات المصرية إلى تركيا في بداية الأزمة قبل أن تعود لمستوياتها خلال الأعوام الأربعة الأخيرة.

وتعني عودة العلاقات الدبلوماسية مزيداً من التعاون الاقتصادي بين البلدين، حسبما قال كبير محللي الأسواق في «تي ماتريكس»، هيثم الجندي، لـ«CNN الاقتصادية».

وفي أعقاب القطيعة، لم تجدد مصر اتفاقية النقل بين البلدين والمعروفة باتفاقية «الرورو» في أبريل نيسان 2015، وهي اتفاقية ملاحية تنقل بموجبها تركيا بضائعها إلى دول الخليج عبر مصر.

وقال الجندي إن «عودة العلاقات الدبلوماسية قد تعني إعادة النظر في الاتفاقات التجارية التي أُلغيت بين البلدين».

منتدى غاز شرق المتوسط

وستسمح عودة العلاقة الدبلوماسية بين مصر وتركيا بمزيد من المرونة في حقوق الغاز بمنطقة شرق المتوسط، حسبما أوضح الجندي.

وكانت مصر قد أطلقت مبادرة «منتدى غاز شرق المتوسط» الذي يضم مصر والأردن وإسرائيل وفلسطين واليونان وقبرص وإيطاليا وفرنسا، بجانب الاتحاد الأوروبي وأميركا كمراقبين، بهدف تنمية المنطقة التي تمتلئ بالاستكشافات الجديدة.

أما تركيا، التي لا تحمل عضوية المنتدى، فهي على خلاف مع جارتيها قبرص واليونان حول المياه الإقليمية، ما دفعها إلى تسيير أكثر من سفينة استكشاف في هذه المنطقة، الأمر الذي تسبب في توتر شديد مع تلك الدول.

وبحسب وزير البترول المصري الأسبق، أسامة كمال، فإن تعزيز التنسيق بين البلدين فيما يتعلق باتفاقيات الغاز في هذه المنطقة سيخدم مصلحة الطرفين.

وأضاف كمال لـ«CNN الاقتصادية»: «من مصلحة تركيا الآن الانضمام إلى (منتدى غاز شرق المتوسط) حتى يمكنها التنسيق مع الدول الأعضاء فيما يخص الثروات البترولية الموجودة في هذه المنطقة».

وتهدف مصر لأن تصبح مركزاً إقليمياً للطاقة عبر استيراد الغاز من دول الجوار وإعادة تصدير الغاز بعد تسييله في محطتي الإسالة المصريتين، وشهدت مصر العام الماضي طلباً كبيراً على الغاز في ظل أزمة الطاقة العالمية وخطة أوروبا لتقليل اعتمادها على الغاز الروسي.

وتشير بيانات منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول «أوابك» إلى أن تركيا تصدرت قائمة الوجهات المستقبلة لصادرات مصر من الغاز المسال في الربع الأول من العام الجاري بحصة 41 في المئة من إجمالي الصادرات.

استثمارات أجنبية مؤجلة

وقد لا يفضي التقارب بين مصر وتركيا إلى طفرة في الاستثمارات بين البلدين، إذ يعاني الاقتصاد المصري و الاقتصاد التركي من تدهور شديد في قيمة العملة المحلية بجانب الحاجة الماسة لجذب استثمارات خارجية، فضلاً عن البيانات التي تظهر ضعف الاستثمارات المباشرة بينهما.

ويقول الجندي «يبدو الوضع متشابهاً بين مصر وتركيا، إذ تحتاج الدولتان إلى جذب استثمارات من الخارج، ومثلما تخطط الحكومة المصرية لبيع أصول لجذب عملة أجنبية، نسمع عن خطط مشابهة في أنقرة».

وسيتحدد تطور العلاقات الاقتصادية بين البلدين بناء على مدى تطور العلاقات الدبلوماسية بين القاهرة وأنقرة في وقت تتحدث فيه الصحف التركية عن زيارة مرتقبة هي الأولى من نوعها للرئيس المصري إلى تركيا نهاية الشهر الجاري.