بات تدقيق النظر في أسعار السلع والمقارنة بينها أمراً شاقاً لدى المصريين مؤخراً، فالقفزات المتلاحقة للأسعار يوماً بعد يوم تأثراً بتراجع سعر الجنيه مقابل الدولار، جعلت من الصعب ملاحقة أسعار السلع إلا عند شرائها.
هذا الوضع انعكس جلياً مع تسجيل التضخم في مصر مستويات قياسية.
ووفقاً لبيانات جهاز الإحصاء المصري، بلغ التضخم في مدن مصر خلال يوليو تموز الماضي 36.5 في المئة مسجلاً مستوى قياسياً جديداً لم تشهده مصر من قبل.
وتعاني مصر أزمة اقتصادية حادة تتمثل في نقص شديد في العملة الصعبة وتهاوي سعر الجنيه ومن ثم ارتفاع التضخم لمستويات كبيرة.
ويسجل معدل التضخم في مصر تسارعاً ملحوظاً منذ مارس آذار العام الماضي، بالتزامن مع خفض سعر صرف الجنيه مقابل الدولار.
ويأتي التضخم مدفوعاً بشكل أساسي بارتفاع أسعار الطعام في مصر، إذ تُظهر البيانات أنها زادت 68.4 في المئة على أساس سنوي خلال يوليو تموز الماضي.
معدل التضخم في مصر.. هل وصل ذروته؟
رغم الارتفاعات القياسية في التضخم فإن محللين اقتصاديين قالوا لـ«CNN الاقتصادية» إن التضخم في مصر لم يصل ذروته بعد.
وتتوقع ياسمين غزي، كبيرة الخبراء الاقتصاديين في «إس آند بي غلوبال ماركت انتليغنس»، أن تظل الضغوط التضخمية مرتفعة في الأشهر القليلة المقبلة، على أن تبلغ ذروتها في أكتوبر تشرين الأول المقبل.
وهي توقعات تتطابق مع ما يراه محمد عبدالمجيد، المحلل الاقتصادي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في «بي إن بي باريبا»، إذ يقول إن معدل التضخم سيبلغ ذروته عند 37.4 في المئة عند أكتوبر تشرين الأول المقبل، قبل أن يتراجع تدريجياً إلى 35.8 في المئة بحلول ديسمبر كانون الأول المقبل.
بينما تتوقع وحدة أبحاث بنك «الكويت الوطني» أن يبلغ التضخم في مصر ذروته خلال شهر أغسطس آب الجاري مسجلاً 37 في المئة قبل أن ينخفض إلى نحو 30 في المئة بحلول ديسمبر كانون الأول المقبل.
لا يفترض هذا التوقع تحرك سعر صرف الجنيه المصري أو زيادات كبيرة في أسعار السلع بسبب خفض الدعم، بحسب مذكرة بحثية للبنك اطلعت عليها «CNN الاقتصادية».
ولا تأخذ توقعت عبدالمجيد الحالية أيضاً إمكانية تخفيض قيمة الجنيه مرة أخرى قبل نهاية العام، بسبب صعوبة التنبؤ باحتمالية موافقة مصر على سياسة عملة جديدة مع صندوق النقد الدولي، بحسب ما يقوله.
وأضاف «في حالة انتقال البنك المركزي إلى التعويم المُدار في الربع الرابع من العام الجاري فمن المحتمل أن يتجاوز التضخم 40 في المئة بحلول نهاية العام».
ويتوقع بنك «الكويت الوطني» في حال تخفيض الجنيه المصري مقابل الدولار خلال الربع الرابع من العام الجاري، أن يصل معدل التضخم السنوي في مصر بين 38 إلى 40 في المئة.
بينما تشير غزي لـ«CNN الاقتصادية» إلى أنه لا يبدو أن الحكومة المصرية حريصة على الانتقال إلى مرونة سعر الصرف لتجنب المزيد من الضغوط التضخمية، إذ إن التوقعات بمزيد من الانخفاض في قيمة العملة المحلية تغذي بالفعل التضخم.
وتضيف «ما زلنا نشهد ضغوطاً على التضخم على الرغم من الاستقرار المستمر في سعر الصرف الرسمي».
وأوضحت أنه رغم ضغوط الاستيراد والتحكم في العملة الصعبة فإن الطلب على الواردات سوف ينمو بشكل متزايد إلى جانب الضغط على العملة وارتفاع سعر الدولار في السوق الموازية، ما سيؤدي إلى ارتفاع الأسعار المحلية ومن ثم زيادة التضخم.
وقالت إن هذه التبعات ستجعل من سياسة الجنيه المستقر الذي تتبعها الحكومة المصرية منذ شهور أقل فاعلية.
وستكون مصر الشهر المقبل على موعد مع قرارات حاسمة، إذ يحين موعد المراجعة الثانية لقرض صندوق النقد الدولي، في حين أنها لم تجتَز المراجعة الأولى بعد بسبب عدم التزام مصر بشروط الصندوق، وأبرزها مرونة سعر الصرف.